في زيارته المطوّلة والمستمرة، حتى كتابة هذه المقالة، للولايات المتحدة قام ولي ولي العهد السعودي وزير الدفاع محمد ابن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بجولات عديدة في المدن الأمريكية، قابل فيها عددا من كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية وأرباب المال والأعمال، فالتقى بوزير الخارجية جون كيري، وقابل وزير الدفاع آشتون كارتر، واجتمع برئيس مجلس النواب الأمريكي بول راين، والتقى بعدد كبير من قادة وأعضاء الكونغرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والتقى أيضاً بكل من مدير الاستخبارات الوطنية القومية جيمس كلابر ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي) جون برينان.
وأجرى كذلك عدة لقاءات مع المسؤولين الأمريكيين الاقتصاديين، من رجال أعمال وممثلين لمؤسسات ولشركات أمريكية، ومع مسؤولين في غرفة التجارة والصناعة، وكان بصحبتهم مجموعة من الوزراء، والتقى كذلك مع مجلس الاقتصاد الوطني في إدارة أوباما وتمّ مناقشة خطته للإصلاح الاقتصادي المسمّاة رؤية 2030، وعُقد الاجتماع بحضور وزير الخزانة الأمريكي جاك لو ووزير الطاقة إرنست مونيز ووزيرة التجارة بيني بريتزكر، واجتمع أيضاً مع رئيس الغرفة التجارية الأمريكية توماس دونهيو.
وكانت زيارة ابن سلمان لولاية كاليفورنيا على الساحل الغربي للولايات المتحدة مهمة، حيث تقبع فيها كبريات الشركات الإلكترونية في وادي السيليكون (سيليكون فالي)، وحيث تنتج فيها التكنولوجيا الحديثة، والتي تُعتبر قاعدة أساسية للاقتصاد الأمريكي، بل ربما تُعتبر عماد قوة الولايات المتحدة نفسها، وعنوان تقدّمها، وعقد ابن سلمان عدة لقاءات مع عدد من رؤساء تلك الشركات.
وبعد ذلك استقبله الرئيس الأمريكي باراك أوباما في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض كما يُستقبل قادة الدول، وذلك على خلاف العادة التي لا يُستقبل بها أي مسؤول دون الرؤساء في المكتب، وذلك في إشارة إلى الحفاوة التي قوبل بها محمد بن سلمان ومعاملته معاملة رؤساء الدول.
وليس المهم ما طُرِح في اللقاء بينهما، ولكنّ المهم من هو الشخص الذي مثّل السعودية في هذا اللقاء، وقد تمّ بحث أمور مكرّرة تم بحثها من قبل مع الملك وولي عهده، من مثل العلاقات الثنائية التاريخية المتميزة بين البلدين، والتزام الولايات المتحدة الأمريكية بمواصلة التعاون مع المملكة لما فيه مصلحة البلدين، والعمل مع المملكة لدعم أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط، والتحديات التي تواجهها المنطقة، لكن الأهم من كل هذه الموضوعات بحث رؤية ابن سلمان الاقتصادية والتنموية للمملكة 2030، والتي رحّب الرئيس أوباما بها، وبالبرامج الاقتصادية التي تشهدها السعودية المبنية عليها، وبتعزيز التعاون معها في خططها المستقبلية.
وأشاد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير - الذي قام في الزيارة بدور الناطق باسم ابن سلمان - باللقاء ووصفه بالإيجابي، ومن جهته قال البيت الأبيض إن الرئيس أوباما ناقش مع الأمير محمد بن سلمان مواضيع تتعلق بسبل دعم أهل العراق في قتالهم ضد تنظيم الدولة، وأهمية تحقيق انتقال سياسي في سوريا لا يكون نظام بشار الأسد جزءا منه.
في خضم هذه اللقاءات التي أجراها مع المسؤولين الأمريكيين والتي أظهرته كزعيم مؤثر في دولة إقليمية غنية وكبيرة، ركّز ابن سلمان على أهمية الحلف الأمريكي السعودي فقال: "أنا اليوم في بلد حليف لنا، في وقت حساس جدا، في منطقة نحن نعيش فيها اليوم مخاطر كثيرة جدا، سواء من عدم استقرار بعض الدول، أو التدخل في شؤون بعض الدول، أو الإرهاب". إنّ هذه الزيارة هي الثالثة لابن سلمان لأمريكا خلال عام واحد، فالأولى كانت بصحبة ولي العهد محمد بن نايف، والثانية كانت بصحبة والده الملك سلمان، وهذه الزيارة الحالية يقوم بها ابن سلمان بمفرده على رأس وفد رسمي كبير، فالزيارة الأولى كانت بقيادة محمد بن نايف، والزيارة الثانية كانت بمرافقة والده الملك، وأمّا هذه الزيارة فكانت خاصةً به، بلا وصي ولا شريك.
أراد محمد بن سلمان بزيارته هذه أنْ يُكرّس زعامته المطلقة للسعودية، وأنّه هو الملك المقبل للمملكة، وأنّه هو الذي سيخلف والده المسنّ، وأنّ ولي العهد محمد بن نايف لم يعد ينافسه على زعامة البلاد، خاصة بعد أنْ كسر احتكار الأخير في علاقته الأمنية المتميزة مع أمريكا، وذلك بمناقشته للأمور الأمنية والاستخباراتية، وباجتماعه مع رؤساء الأمن والمخابرات الأمريكيين بصحبة رئيس الاستخبارات السعودية العامة خالد الحميدان التابع له.
دأبت أمريكا في السابق بالتعامل مع محمد بن نايف في ملف الأمن والإرهاب طوال الخمس عشرة سنة الماضية باعتباره المسؤول الأول عن هذا الملف، وبوصفه فيما بعد أصبح الوريث التقليدي للملك سلمان كونه بات ولياً أول للعهد، إلاّ أنّ هذه الزيارة لابن سلمان لأمريكا تمّ فيها انتزاع صلاحيات ابن نايف ومنحها له، وتمّ بذلك تعزيز حضوره الشخصي باعتباره رجل السعودية الأول في الاتصال بين الرياض وواشنطن، وتمّ بالتالي تهميش مكانة ابن نايف برضا منه وإقرار، وهذا هو أهم أهداف هذه الزيارة.
والهدف الثاني المهم للزيارة كان اقتصادياً بحتاً، فسعى ابن سلمان من خلال زيارته هذه لنيل رضا الأمريكيين، وذلك من خلال منحهم حزمة ضخمة من الاستثمارات المباشرة في السندات الحكومية، وحزمة أخرى تتعلق بالاستثمارات الخاصة في الشركات الأمريكية، وقد رحّب البيت الأبيض "بتعهد السعودية بالإصلاح الاقتصادي وأكّد على رغبة الولايات المتحدة بأن تكون شريكا أساسيا في مساعدة السعودية على تطبيق برنامجها الطموح للإصلاح الاقتصادي"، والبرنامج المقصود هنا هو ذلك البرنامج الذي يُطلِق يد القطاع الخاص في السعودية، والعمل بآليات السوق، وخفض العمالة، وتقليل المساعدات التي تُقدّمها الدولة السعودية للأفراد، وتقليل الدعم الحكومي بكافة أشكاله، والأهم من ذلك كله خصخصة المؤسسات الاقتصادية الحكومية بما فيهاخصخصة شركة (آرامكو) للنفط، وطرح أسهمها في البورصة للشراء، وهي الشركة التي توصف بأنّها الأكبر على مستوى العالم، والتي تنتج حوالي 13% من إجمالي احتياج العالم من النفط، وهذا البرنامج السعودي الذي يتبنّاه ابن سلمان والمدعوم أمريكياً، يكشف عن مدى تغوّل دوره الخادم للاقتصاد الرأسمالي الأمريكي، ويُظهر مدى زيادة نفوذه في السعودية، والذي أصبح يُوازي - إن لم يكن يفوق - نفوذ الملك نفسه، فضلاً عن نفوذ ولي العهد محمد بن نايف.
لقد كان لافتا في الزيارة لقاء ابن سلمان مع كبار المستثمرين في السوق المالي الأمريكي العملاق (وول ستريت)، واجتماعه بمدراء كبريات الشركات في (وادي السيليكون)، وهو ما يدل على أنّ قادة أمريكا من الرأسماليين الكبار، ومن أرباب الصناعة والمال الأمريكيين قد ساهموا بأنفسهم في مباركة ابن سلمان، وفي اختيارهم له، ووضعه على رأس الدولة السعودية، وفي اعتماده - من ثمّ - كزعيم محلي لأهم دول الشرق الأوسط يخدم المصالح الأمريكية بتفانٍ، وبكل ما يتمتع به من خسة ونذالة.
كتبه لجريدة الراية: أبو حمزة الخطواني، بتاريخ الأربعاء 22 حزيران\يونيو 2016م
المصدر: http://bit.ly/28NLCac