الحديث:
عن أبي موسى الأنصاري قال: انطلقَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ معَهُ العبَّاسُ عمُّهُ إلى السَّبعينَ منَ الأنصارِ عندَ العقبةِ، فقالَ لَهُ أبو أمامةَ يعني أسعدُ بنُ زُرارةَ: سل يا محمَّدُ لربِّكَ ولنفسِكَ ما شئتَ، ثمَّ أخبِرنا ما لَنا منَ الثَّوابِ؟ قالَ: (أسألُكُم لربِّي أن تعبدوهُ ولا تشرِكوا بِهِ شيئًا، وأسألكم لنَفسي ولأصحابي أن تُؤوونا وتنصُرونا وتمنَعونا مِمَّا تمنعونَ منهُ أنفسَكُم)، قالوا: فما لَنا؟ قالَ: (الجنَّةُ). قالوا: ذلِكَ لَكَ. رواه أحمد والطبراني بسند صحيح.
الشرح:
هذا الحديث الشريف يتناول حدثاً جللاً في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم والذي غيّر مجرى الدعوة بحيث انتقلت من طور الاستضعاف إلى طور القوة والتمكين، هذا الحدث هو بيعة العقبة الثانية حيث بايع نفر من مسلمي المدينة المنورة النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة وعلى أن يؤوه هو وأصحابه وينصروه ويمنعوه.
وندب الأنصار سيدنا أبا أمامة أسعد بن زرارة رضي الله عنه كمتحدث باسمهم فقال: (سل يا محمَّدُ لربِّكَ ولنفسِكَ ما شئتَ، ثمَّ أخبِرنا ما لَنا منَ الثَّوابِ؟) وهنا يجب أن نقف وقفة تأمل حيث لم تكن البيعة مشروطة بأي شرط من قبل الأنصار كما كان حال بني عامر بن صعصعة، والذين اشترطوا أن تكون الخلافة لهم من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، بل سلموا للرسول الأكرم بلا شروط فقال أبو أمامة: (سل يا محمَّدُ لربِّكَ ولنفسِكَ ما شئتَ) وفي رواية: (يا رسول الله اشترط لربك ولنفسك ما شئت) رُوي مرسلاً عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه.
فبدل أن يشترط الأنصار على الرسول صلى الله عليه وسلم أي شيء طلبوا أن يشترط هو عليهم، وكان طمعهم برضوان الله وثوابه فقال أبو أمامة: (ثمَّ أخبِرنا ما لَنا منَ الثَّوابِ؟).
فاشترط الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم أن يوحدوا الله عز وجل وأن ينبذوا الشرك وأن ينصروه ويحتضنوه هو وأصحابه في المدينة المنورة ويدافعوا عنه كما يدافعون عن أهاليهم وذراريهم. ثم (قالوا: فما لَنا؟) أي ما لنا عند الله من ثواب إن فعلنا ذلك (قالَ: الجنَّةُ.) أي لكم الجنة لا غير، وليس لكم شيء من متاع الدنيا أو مناصب الحكم. (قالوا: ذلِكَ لَكَ) وفي رواية (قال: ربح البيع. قال: لا نقيل ولا نستقيل فنزلت: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) .. الآية.
ومن فوائد هذا الحديث أن أنصار الدعوة الإسلامية والقوة التي ستوصل الإسلام إلى الحكم لا يجوز لها أن تشترط أي شرط على القيادة السياسية صاحبة المشروع السياسي الإسلامي وإلا كانت نصرة ينقصها الإخلاص ويشوبها حب الدنيا والمناصب وهو ما يجعل الدعوة عرضة للمساومات والتنازلات وهو بلا شك لن يمكن للإسلام أن يصل إلى الحكم كما يرضي الله وستبقى القيادة السياسية مهددة من قبل أهل القوة في حال لم ترضخ لشروطها وحتى تكون الدولة الإسلامية متماسكة لا بد أن يخضع أهل القوة للحاكم خضوعاً تاماً وفق أحكام الشرع مع وجوب محاسبته إن حاد عن شروط البيعة ولم يطبق الإسلام.
للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا
أحمد الصوراني
للاستماع إلى التسجيل: