الحديث:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ خَرَجَ - وَأَنَا مَعَهُ وَأَبُو بَكْرٍ - إِلَى مِنًى حَتَّى دَفَعْنَا إِلَى مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْعَرَبِ ...وجاء في نهاية الحديث أنه حين عرض نفسه على بني شيبان قال له المثنى بن حارث: إن هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك، وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى، ألا نحدث حدثاً، ولا نؤوي محدثاً، فإن أحببت أن نمنعك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسأتم بالرد إذ أفصحتم بالصدق، إن دين الله لا ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه). رواه البيهقي في الدلائل، وحسنه الحافظ ابن حجر.
الشرح:
هذا الحديث يتطرق لقضية عرض الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل بعد أن تحجر مجتمع قريش أمام دعوته، فجاء الأمر الإلهي بأن يقصد القبائل الوافدة إلى مكة المكرمة أو يخرج إلى القبائل ذات الشوكة والقوة في محيط مكة بهدف إيجاد من يؤمن به ويناصره من تلك القبائل، فيحتضنوا الدعوة ويساعدوا النبي صلى الله عليه وسلم على بناء الدولة الإسلامية الأولى.
فقوله: (لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ) له دلالة واضحة بكون ترك دعوة قريش والتوجه إلى القبائل الأخرى هو أمر إلهي وفرض رباني، وهو جزء من طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في إيصال الإسلام إلى الحكم وبناء الدولة، وكان من بين تلك القبائل قبيلة بني شيبان والتي أنصتت للنبي صلى الله عليه وسلم وعلمت عظيم الأمر الذي يدعو إليه ألا وهو هدم النظام الجاهلي وبناء دولة سوف تبتلع باقي الدول على وجه البسيطة لذلك قالوا: (إن هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك) نعم يكره الملوك الذين يطبقون الشرائع الوضعية ويظلمون الناس ويمتصون دماء الرعية، يكرهون أن ينازعهم أحد ملكهم ليستبدله بنور الإسلام وعدل حكمه الذي هو من رب العباد.
وقد علم بنو شيبان أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم عابرة للقارات وأنها ستهدد عروش الأكاسرة والأباطرة والقياصرة، فبعد قبولهم لدعوة الرسول الأكرم عليه أفضل الصلاة والسلام بينوا أنهم غير مستعدين لمواجهة الفرس والتي تربطهم بهم معاهدات حسن جوار تمنع النزاع العسكري، مع استعدادهم التام لمواجهة عرب الجزيرة بأسرهم.
فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسأتم بالرد إذ أفصحتم بالصدق، إن دين الله لا ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه) فقد ثمن فيهم صدقهم وبيان أمرهم ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم شدد على قضية مهمة أن من يريد أن ينصر الإسلام ودولته فعليه أن يكون مستعداً لمواجهة العالم بأسره، فدين الله وحكمه لا بد أن يعم الأرض كلها وأن ينتشر في البلاد شرقاً وغرباً، محطماً الحواجز المادية ومسقطاً حكم الطواغيت في كل مكان لينشر نور الإسلام في ربوع الأرض، حتى لا يذر الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله في هذا الدين.
نعم من يريد أن ينصر الإسلام والعاملين له والساعين لإعادة أمجاد الخلافة لا بد أن يواجه العالم بأسره أمريكا وروسيا وأوروبا وطواغيت العرب والعجم، فدولة الإسلام ليس دولة وطنية حدودية بل هي دولة توسعية لا حدودية، وهي دولة للمسلمين في العالم جميعاً وليست دولة لقوم دون قوم أو عرق دون عرق.
ولا بد أن يدرك المسلمون أنهم قوة لا يستهان بها إن هي التفّت حول قائد مسلم مخلص، فإنها قادرة على مجابهة العالم المعادي للإسلام والمسلمين، فقوة الكفر لا تساوي شيئاً أمام قوة الله إن هو نصر عباده المؤمنين. قال تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران:160).
للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا
أحمد الصوراني
للاستماع الى التسجيل: