عن هذه الحقيقة صرت تسمع في الشام من الكبار والصغار بل ومن أفواه الأطفال؛ فلو نزلت إلى شارع في قرية من قرى الشام لن تسمع في هذه الأيام إلا حديثا واحدا؛ حديثا عن إدلب و حلب، وعن تسليم الأراضي وخداع أردوغان وغدره بثورة الشام، وستسمع الشتائم والمسبات وسيلا من اللعنات على نظام أردوغان العميل المجرم ركن الخيانات.
نعم لم يعد أهل الشام في قضية تسليم الأراضي هذه يحتاجون لتحليل سياسي يربط لهم الأحداث على قواعد التحليل السياسي ويكشف لهم الأمور ويجلي لهم الواقع ويثبت لهم خيانة أردوغان. لقد انكشف الغطاء أمامهم عن مستور أردوغان وبانت حقيقته كالشمس في رابعة النهار...
يتقدم النظام المجرم بوقت قياسي وسرعة رهيبة في قرى ريفي إدلب وحلب ليدخل عشرات القرى ويسترجعها دون عناء وهو الذي قد بلغ من الضعف حد الانهيار أمام ضربات الصادقين المخلصين.
يبيت أهلنا ليلتهم في أمن وأمان، كمائن الفصائل تحرسهم على جبهات النظام البعيدة، ليستيقظوا على النظام المجرم وهو يخلع عليهم الأبواب. ما الذي جرى؟! وكيف حصل ذلك؟!
عند أهل تلك القرى الخبر اليقين، ولو شئت حدثوك عن قصة أردوغان في قراهم وقصة تسليمه الأراضي للنظام، ولسوف تسمع منهم حديثا ألفاظه ممزوجة بالدمع والغصات يعلوه الغضب واللعنات على أردوغان ومن شاركه في جرائمه.
لا تظن الأمر يقتصر حاله على قرى الشمال بل لو سرت في شوارع القرى الأخرى لسمعت الحكايات نفسها، ولو عرجت على الجنوب في درعا البلد لأخبرك أهلها عن لوحة تختصر لك المشهد كتبوا عليها "ما قدمه أردوغان، عجزت عن تقديمه روسيا و إيران، باع البلاد بلا أثمان!!"
ولو أردت المزيد ستسمع منهم عن تنفيذ بنود مؤتمر أستانة 8 وعن مراحل التسليم المتتابعة لشرق السكة وعن منطقة منزوعة السلاح ما بين السكة والأوتستراد وعن مصير أسود ينتظر باقي إدلب على يد أردوغان. وأن بداية المؤامرة ليس اليوم الذي صرح فيه بوتين عند زيارته الأخيرة لليابان عن اتفاقه مع أردوغان على تسليم حلب.. بل خيط البداية من أول يوم حرص فيه أردوغان على تجميع المجاهدين في إدلب..
أما عن عفرين فسوف يخبرك الناس أن "غصن الزيتون" في عفرين هو "درع الفرات" في جرابلس؛ أسلوب أردوغان ليسحب الفصائل من المنطقة التي يريد تسليمها للنظام فيصور للفصائل أن فصائل الأكراد أشد خطرا علينا من النظام وأن قتالهم أولى من قتاله فيسير قادة الفصائل وراءه، يمنعهم من مخالفته مالُه السياسي القذر الذي رهن قرارهم له.
هل كان واقعا محتما على أهل الشام أن يدفعوا هذا الثمن الكبير في إدلب وحلب حتى يكتشفوا حقيقة أردوغان أم أنهم كانوا أغنياء عن ذلك؟
الحق أن كل قوم إن لم يكن بينهم رائد رشيد لا يكذب أهله فهم عرضة للتجارب ودفع الأثمان الباهظة... أما عندما يكون فيهم ذلك الرائد فإنهم إن سمعوا له عرفوا وإن عملوا بما علموا منه نجوا جميعا.
وفي الشام سمع أهلنا آراء رشيدة منذ بداية الثورة عن خطر الدعم وخطر الارتباط مع الدول الداعمة وعن خطر نظام أردوغان كما سمعوا عن خطورة المؤتمرات من جنيف 1 حتى أستانة 8 وغيرها، وعن كيفية إفشالها ولعل مؤتمر أستانة 8 وهو الذي تضمن بنود تسليم الأراضي للنظام كان أخطرها. وليلفت نظر أهلنا في الشام إلى خطره، والعمل لإفشاله أخرج حزب التحرير/ ولاية سوريا مظاهرات عديدة في أغلب المناطق وقاد وقفات وقرع كل طبول الخطر وعمل على توعية الرأي العام عليه. ثم إنه وجه كتابا مفتوحا لقادة الفصائل في ذلك يحذرهم من الخطر الداهم الذي يبيت لإدلب ويحاك لها على أيدي أردوغان وسار مع الوجهاء لقادة الفصائل لتحميلهم المسؤولية حتى يستدركوا أمرهم ولا يقعوا في شراك أردوغان.
إلا أن الحقيقة التي أصبحت راسخة في أذهان أهلنا في الشام أن الاستعمار لم يخرج من بلادنا بل لا يزال نفوذه قائما، أما وسائل تأثيره فقد باتت مفهومة معروفة؛ إنها المال السياسي القذر والدعم القادم عبر عملائه حكام المسلمين. وأثر هذا الدعم أنه يشتري ولاء القادة والسياسيين، فيتآمروا على شعوبهم وأهلهم لقاء حفنة من الدولارات والوعود الكاذبة، فإن خاضوا مستنقع الولاء له لم يعودوا لينفكوا عنه بسهولة.. هذا سر الدعم والارتباط...
ولهذا، يا أهلنا في الشام إن أردتم النجاة لسفينتكم، فعليكم التحرر من نفوذ الاستعمار وقطع الصلات والاتصالات والارتباطات معه ومع الأنظمة العميلة له وفي مقدمتهم نظام أردوغان. فلا يمكنكم أن تصلوا لهدفكم وهو إسقاط النظام بكافة رموزه وأركانه، وإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة؛ إلا إن قطعتم العلاقات مع الدول الاستعمارية ومع كل الأنظمة التابعة لها وأغلقتم الأبواب في وجه دعمهم ومالهم السياسي القذر الذي مال بقادة الفصائل عن جادة الصواب.
وكلمة أخيرة لقادة الفصائل؛ إما أن تخرجوا أنفسكم من فسطاط المنافقين وتلتحقوا بفسطاط أهلكم فسطاط الإيمان، وإلا فارتقبوا أن يلفظكم أهلكم تماما ويستبدلوا بكم غيركم من أبنائهم المخلصين.
كتبه لجريدة الراية: المهندس كامل الحوراني، بتاريخ الأربعاء 7 شباط/فبراير 2018م
المصدر: http://bit.ly/2FSu1Lt