بعدما خرجت حشود الثائرين على أرض الشام ضد الظلم والقمع والطغيان فصدحت حناجرهم (هي لله هي لله)، تكالبت عليها دول الكفر، وعملاؤها لتغيير مسارها وحرفها عن أهدافها، وبالتالي القضاء عليها.
وقد كان للمال السياسي المسموم دورا كبيرا بشراء ذمم كثير من قادة الفصائل، وربطهم بمخابرات الدول المتآمرة على ثورة الشام، فتخلوا عن أهلهم وتنكروا لهم، وخانوا دماء شهدائهم، وتحولوا إلى أدوات لتنفيذ أجندة الداعمين، وتنفيذ مخططاتهم، وحراسة جبهات نظام الإجرام في دمشق، واستنزاف المخلصين من أبنائنا في معارك جانبية لصرفهم عن أي معركة مؤثرة على نظام السفاح تقربنا من إسقاطه.
وقد ظهر التزام هؤلاء القادة بالخطوط الحمراء التي وضعتها غرف الدعم للحفاظ على نظام السفاح بشار، وقد بلغ من هوانهم وخيانة بعضهم أن قاموا مؤخرا بتسليم جثة الطيار الروسي الذي كان يقصف المشافي والمدنيين حتى دون مقابل؛ إذعانا منهم لأوامر أسيادهم، وانحيازهم لأعداء ثورتنا ضد أطفالنا وشهدائنا. فهل بعد هذا الهوان والخنوع نرضى أن يكون هؤلاء وأمثالهم قادة لنا، وهم لم يُؤتَمنوا على جثة قاتلٍ نتنة؟!.
وإمعانا في محاولة القضاء على ثورة الشام تم تصنيع قيادة سياسية مدجّنة علمانية خانعة، لتمثل الثائرين على أرض الشام سياسيا في منزلق المفاوضات والمؤتمرات، وسوق المتاجرة بالدماء والتضحيات، فيما سموه زورا خوض المعركة السياسية مع النظام. وكأن مصير مفاوضاتهم ستكون أفضل ممن سبقهم من المفاوضين الفلسطينيين الذي ضيعوا البلاد وخانوا العباد.
وثالثة الأثافي نفرٌ ممن ادعوا العلم الشرعي، ولكنهم جعلوا المصلحة "إلهاً" لهم من دون الله يحرمون ويحللون بحسبها ولو تعارض ذلك مع ما شرعه الله عز وجل. وقد تم تلميع هؤلاء النفر ليكونوا مرقِّعين لكل قائد منحرف، ومروجين لكل خطة ومكيدة تخدم أعداء ثورة الشام، وأبواق فتنة لا تترك مناسبة إلا وتدعوا للتحريش والاقتتال.
أمام هذا الكيد العظيم وصلنا إلى ما نحن فيه من انحراف عن الأهداف وتنكر للثوابت، وتفشٍ لليأس بين عامة الناس، لانعدام ثقتهم بمن كانوا يعدونهم أملا ومخلّصا لهم من الفصائل المقاتلة، بعد الذي بيناه سابقا. وقد ترافق ذلك مع تقدم نظام الإجرام وميليشيات الحقد الطائفي بمساندة طيران الإجرام الروسي، وبتواطؤ من بعض قادة الفصائل، تطبيقا لأوامر الدول المتحكمة، ومقررات مؤتمرات الخيانة في جنيف وأستانة وغيرها.
أمام هذا الواقع الأليم الذي وصلت إليه ثورتنا المباركة، لم يعد مقبولا موقف المعتزلين واليائسين والساكتين على المنكرات، التي ترتكبها فئةٌ تسلطت على ثورتنا، وحاولت سلبها لمصالحها الخاصة أو لفصائليتها الضيقة، التي لا تخدم إلا من يتآمر علينا.
فبسبب سكوتنا وصمتنا على العابثين والمتاجرين بتضحياتنا ودماء شهدائنا ستذهب كل تضحياتنا ودماء شهدائنا سدى، ولن نجني بسبب ذلك إلا ذلا وخسرانا وتمكينا للدول الكافرة من تنفيذ مخططاتها، وفرض حلولها القاتلة التي ستعيدنا إلى حظيرة المجرمين من جديد ليحكمونا بأنظمة الكفر والعلمانية النتنة، وليسومونا فوق ذلك ظلما وقهرا واستعبادا.
لذلك لا بد أن يقوم الجميع دون استثناء بواجبهم، من الأخذ على يد الظالمين، والعمل على تقويم انحراف المنحرفين، والتغيير عليهم واستبدالهم، وعدم السكوت عن منكراتهم وانحرافاتهم ومتاجراتهم، بل لا بد من رفع الصوت في وجوههم واتخاذ المواقف العملية ضدهم. وذلك يكون باتخاذ قيادة سياسية واعية، صاحبة مشروع يوحد كلمتنا ويجمع شتاتنا ويقطع يد العابثين بمصيرنا ومصير ثورتنا، منه نستمد قوتنا، وبه نحقق عزنا، وبتطبيقه ننال فوزنا في الدنيا والآخرة. هذا المشروع هو "مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة" الذي أوجب الله علينا إقامتها، وبشرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (.. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة).
ولا بد من اتخاذ قيادة عسكرية تنصر هذا المشروع وحملته، وتجمع المخلصين من أبناء ثورتنا لإسقاط نظام الإجرام في دمشق وإقامة مشروع الإسلام العظيم مكانه؛ ليس لديها خطوط حمراء تلتزم بها إلا ما حرمه الله عليها، تقوم بتوجيه الجهود لمعارك حاسمة تضرب نظام السفاح في مقتله متوكلة على الله حق توكله.
وعندما تجتمع العناصر الثلاث: قيادة سياسية واعية، وأنصار لها من أهل القوة من الفصائل وغيرها، يدعمهم جميعا حاضنة شعبية لا تسكت على انحراف، ولا ترضى عن دينها وشرعها بديلا، يحملون جميعا مشروعهم الذي ينبثق من عقيدتهم، ويتصدون به لمشروع الغرب الكافر؛ عندما يتحقق ذلك، نكون قد اهتدينا إلى طريق خلاصنا وإلى منبع قوتنا الذي نصارع به مشروع الغرب الكافر والمتآمرين معه من الأدوات والعملاء، فيرتد كيدههم إلى نحورهم، وتصبح أمولهم التي أنفقوها للقضاء على ثورتنا حسرة عليهم ، وعندها نعيد لثورتنا المباركة سيرتها الأولى (هي لله هي لله).
(ويَومَئذٍ يفرحُ المُؤمِنونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنصُرُ مَنْ يشَاءُ وهو العَزِيزُ الرَّحِيمُ)
للمكتب الإعلامي لحزب التحرير – ولاية سوريا
علي أبو عبيدة