بعد سبع عجاف مرت على ثورة الشام، نرى أصحاب ركوب الموجة من المدلسين الذين يسعون إلى مصالحهم ولا يهمم إلا حصولهم على المكاسب الدنيوية...
• فعندما بدأت ثورة الشام، على سبيل المثال، كان أغلب من درسوا في كليات الشريعة، يحرِّمون الخروج على الحاكم ويقفون مع النظام المجرم، وبعدما تمكنت الثورة صاروا رموزا لها، ومفتين بكل ما يتوافق مع أهواء القادة ومصالحهم الشخصية، يُنزالون النصوص على غير مناطها، ويتخذون من المصلحة مصدرا لفتاواهم الترقيعية.
• وهناك صنف ممن تماشوا مع الثورة، واستغلوا الواقع والدماء والتضحيات وجاء من يصنّعهم قادة ويمدهم بالمال السياسي المسموم، ليجمعوا حولهم المقاتلين، ومن ثم يوجهونهم كما يريد الداعم، في معارك جانبية تستنفذ جهود المخلصين، وتزرع اليأس في نفوس الثائرين، وتطيل عمر نظام القتل والإجرام.
• وبعض الجماعات التي زعمت أنها قادرة على قيادة الأمة وإعادة عزها وبناء دولتها، ولكنها مع هذه المزاعم لا تمتلك مشروعا مفصلا، بل شعارات عامة، وفهما مشوه مجتزأ للإسلام؛ فأوصلت الأمة وسفينة الثورة الى وسط بحر متلاطم الأمواج دون أن تمتلك بصيرة ولا قيادة واعية تقودها الى شاطئ الفلاح، وكيف لسفينة تائهة يقودها قبطان لا خبرة له أن تصل الى أهدافها!!
إن سفينة ثورتنا هي بأمس الحاجة للقبطان الحكيم الواعي، الذي يمتلك مشروعا دقيقا، وفهما تفصيليا، ويبصر الطريقة الشرعية التي يجب أن يسير عليها، بالإضافة إلى ما يتمتع به من وعي دقيق على سياسات الدول المتآمرة، ومعرفة بأساليبهم وخططهم ومكائدهم ضد أمتنا ،كي يتمكن من إنقاذ أمته وثورته من مؤامراتهم ومكائدهم. وبذلك ننقذ الثورة في الشام والأمة جميعها، بعون الله، من هذا الضياع ونحفظ الدين والعرض والأنفس والأموال، ولا يكون إلا ما يرضى الله، لا ما تريد أمريكا وغيرها من العملاء والأدوات.
• وقد حمل بعض القادة والشرعيين المتسلقين ،فكرة التقارب مع أمريكا وغيرها من الدول، ومحاولة إرضائها بالتنازل عن ثوابت ثورتهم وثوابت دينهم ، لتتغير المواقف والأحكام وفقا لما يرونه مصلحة، بحجة تقاطع المصالح، وتقليل الأعداء، والعمل تحت السقف الذي تسمح به الدول المتحكمة، ومحاولة استرضائها وتقديم أوراق اعتمادنا اليها، لإقناعها أن مقاييس الإرهاب التي وضعتها لا تنطبق علينا؛ وكأننا لم نقرأ في كتاب الله عز وجل قوله تعالى: (ولنْ تَرضَى عَنْكَ اليَهُودُ ولا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتِهُمْ)!!.
• وهنا نقول لكل من ادعى العمل لله، ورفع راية الجهاد دون مشروع واضح، ولكنه يبدل مواقفه، ويحاول مقاربة نظرة الكفار، وهو ما يزال يحاول إقناع الأمة أنه على حق، بعد تجارب عديدة من الفشل في أكثر من مكان، مما أوقع أبناء الأمة في صراعات واقتتال، لا يخدم إلا أعداء الأمة، فضاعت التضحيات، وحصد الكافرون المتربصون نتيجة جهادنا، عندما وقعنا في حبائلهم، وخاصة فخ الاقتتال لندمر أنفسنا بأيدينا تدميرا ذاتيا.
• نقول إن الثورة على أنظمة الكفر والقمع تكون بمفاصلتها والتمايز عنها، وليس بمداهنتها ومحاولة استرضاءها، فقد أنزل الله في محكم تنزيله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، عندما عرضت قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعبدوا إلهه عاما ويعبد ألهتهم عاما، سورة "الكافرون" (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6)).
إنها المفاصلة التامة بين الحق وأهله وبين الكفر وأهله، بين موقف الإسلام ومنهجه، وبين منهج الكفر وملته وتشريعاته. إن هذا الإسلام دين لا التواء فيه ولا مداهنة، وإنه منهج متكامل للحياة، مفصل ومتميز بأحكامه ونظامه، ويوجب على جميع أتباعه مواقف شرعية ثابتة لا تلون فيها ولا إذعان ولا خضوع لما يريده الكافرون، بل ثبات وعزة و تمايز عن فسطاط النفاق الذي لا إيمان فيه.
لقد بينت سورة "الكافرون" أن طريق الحق واحد لا عوج فيه ولا خضوع، بل عبادة خالصة لله رب العالمين وحده، ومفاصلة حاسمة بين عبادة الله وحده، وبين عبادة ما سواه، بين منهج الحق وبين منهج الضلال والزيغ والهلاك، فلا لقاء بين الحق والباطل ولا اجتماع بين النور والظلام، فالاختلاف جوهري كامل يستحيل معه اللقاء على شيء في منتصف الطريق، والأمر لا يحتاج إلى مراوغة أو مداهنة، نعم فالأمر هنا ليس مصلحة ذاتية، ولا رغبة عابرة، فقد كان الرد حاسما على زعماء قريش المشركين، لا مساومة ولا مشابهة، ولا حلول وسط ولا ترضيات شخصية، فإن الجاهلية جاهلية، والإسلام إسلام، في كل زمان ومكان، والفارق بينهما بعيد كالفارق بين التبر والتراب وبين الثرى والثريا.
والسبيل الوحيد هو الخروج عن الجاهلية بجملتها إلى الإسلام بجملته عبادة وحكما، وإلا فهي البراءة التامة والمفاصلة الكاملة والحسم الصريح بين الحق والباطل في كل زمان ومكان.
(أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ومَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)
للمكتب الإعلامي لحزب التحرير – ولاية سوريا
علي أبو عبيدة