إن مما لا شك فيه أن الغرب الكافر قد لعب دورا كبيرا في إفقاد الأمة دورها في محاسبة الحكام، ولعب دورا أيضا بتلويث المفاهيم عند المسلمين، وبالتالي جرد المسلمين من الأفكار الإسلامية الدافعة للتغيير التي تحرك المسلم ليكون طاقة ملتهبة لا أن يكون صلدا جامدا غير فاعل. وقد كانت هذه حال الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم من التابعين... إلى أن طرأ على الأمة عوامل كثيرة من دخول أفكار غير إسلامية عليها وتداعي دول الغرب الكافر عليها وتحيّن الفرصة للانقضاض عليها، وما تلا ذلك من إسقاط دولتها؛ كل ذلك كان سبيلا لأن تفقد الأمة البلورة في الأفكار والصفاء والنقاء فيها، فأصبح أبناؤها يرون التغيير على غير حقيقته!
يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾، التغيير منحة من الله عز وجل لعباده المخلصين العاملين لتغيير هذا الواقع، فالله يطلب منا أن نغير أنفسنا وواقعنا فربط ذلك بقوله ﴿حَتَّى يُغَيِّرُوا﴾ أي ارتباطٌ شَرطيٌّ بالناس ليدل على وجوب الفعل وأن يقوموا بما كلفهم به الله من أعمال ولوازم التغيير. فيجب علينا أن نحرص أن نكون في موقع الطاعة والعبادة وأن نكون مقبلين على الله متيقنين به وبنصره لنا.
وأيضا يقول رسول الله ﷺ : «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» وترى كثيراً من المسلمين ينظر إلى هذا الحديث من باب الضعف، أي أننا لا نستطيع مجابهة هذا الواقع ولا أن ننكر فالأفضل هو إنكار القلب! وهذا مخالف لمفهوم التغيير الذي يتطلب العمل وليس الإنكار فقط، وما كان هذا الفهم إلا من بعض نتائج التلويث الفكري الذي أصاب المسلمين وأقعدهم عن كثير من الواجبات بفهم مغلوط مشوه.
وهنا لا بد من لفت الانتباه إلى واقع هذا الحديث الشريف وإلى الفهم العملي لهذه النصوص:
● التغيير باليد ينتج عنه عمل وهو من واجبات صاحب القوة، وفي ثورة الشام هي (الفصائل العسكرية) التي حملت على عاتقها تغيير هذا الواقع من التبعية للأنظمة العميلة للغرب المستعمر إلى التبعية والانقياد لله عز وجل، فلا يُقبل من هذه الفصائل المهادَنةُ ولا المفاوضات ولا الانشغال بإدارة المناطق المحررة، بل وجب عليها أن تدك معاقل النظام في معارك حقيقية تؤدي لإسقاطه، ولا يقبل منها غير ذلك؛ لأنها بذلك تكون قد خالفت النص الشرعي وابتعدت عن مهامها الأساسية.
● التغيير باللسان وما ينتج عنه من عمل والذي يعتبر من واجبات العلماء والمثقفين والوجهاء وأصحاب الكلمة الحقة، فلا يقبل منهم السكوت ولا يقبل منهم التدليس على الناس وليّ أعناق النصوص الذي يؤدي للقعود عن الحق والرضا بالواقع، بل إن من واجباتهم جمع الكلمة وتحمل مسؤوليتهم في المحاسبة وإصدار قرارات تدفع فيها أصحاب القوة إلى العودة إلى مهامهم في تحريك الجيوش وإقامة ما خرجت له الثورة الشعبية في أرض الشام.
فالله سبحانه على لسان نبيه صلوات ربي وسلامه عليه يأمر أمته بأن لا تخشى في كلمة الحق لومة لائم ولا تهاب ظالما ولا متجبرا، وأن ما أعده الله لهم هو خير وأبقى، ويتوعد كل مدبر مقصر عن هذا الواجب فيقول: «كَلاَّ، وَاللَّه لَتَأْمُرُنَّ بالْمعْرُوفِ، وَلَتَنْهوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، ولَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ الظَّالِمِ، ولَتَأْطِرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْراً، ولَتقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْراً، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّه بقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ لَيَلْعَنكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ».
فالإنكار على الظالمين واجب ولو كنا نزحف على بطوننا لكي لا يقع علينا حال أقوام قبلنا لم ينكروا فاستبدلهم الله، وهذه سنته في خلقه.
فما علينا اليوم وبعد أن بذلنا في سبيل تقويم أمر قادة هذه الثورة وبعد أن أدبروا عن نصحنا وقولنا وتولَّوا ظالمين وطغاةً بدلاً من تولي الله ورسوله، وبعد أن بلغت حالة الوهن والإذعان عندهم لأسيادهم مبلغاً عظيما دفعهم لبيع الثورة بدراهم معدودات، ما علينا إلا أن نقول لأهلنا في الشام أنْ قد حان وقت القيام على هؤلاء الخونة العملاء المتآمرين وإسقاطهم وأن يوكل الأمر لأهله المجاهدين الحقيقيين الذين لا يقبلون عن أمر الله بديلا ولا يلتفتون خلف كل ناعق ماكر مخادع، وأن قد حان الوقت لأن يكسر حاجز صمتكم يا أهلنا؛ فأنتم بيضة القبان في هذه الثورة وبيدكم التغيير وأنتم أهل له وإلا فيا ويل قوم يصمتون! قال عليه الصلاة والسلام: «إِنَّ اللَّهَ لا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ، فَلا يُنْكِرُوهُ، فَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْعَامَّةَ وَالْخَاصَّةَ». وقال ﷺ : «مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لَا يُغَيِّرُوا إِلَّا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ».
وأي معصية أكبر من بيع دماء المسلمين والتفريط بتضحياتهم وأعراضهم والإذعان للكفرة المارقين؛ فحذار من سنة الله التي لن تجد لها تبديلا ولا تحويلا.
هذا هو واقع التغيير والإنكار الذي يجب أن يلتزم به المسلم وأن يعمل له كي يستبشر بنصر الله سبحانه ويكون مهيَّأً له ولا يخاف في الله لومة لائم. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : «أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ رَهْبَةُ النَّاسِ، أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ أَوْ شَهِدَهُ، فَإِنَّهُ لَا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ، وَلَا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ، أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكِّرَ بِعَظِيمٍ».
فإلى متى سنبقى نخاف من قول كلمة الحق؟!
وإلى متى سنبقى نضحي وتباع تضحياتنا في غرف المخابرات المجرمة؟!
وإلى متى سيظل قرار قادتنا بأيدي أعداء الأمة؟!
يا ويل قوم يُحارَب دينهم وتُفرض عليهم أنظمة الكفر ومشاريعه وهم صامتون، يا ويل قوم تباع ثورتهم وهم نائمون، يا ويل قوم تنتهك أعراضهم وتنهب خيراتهم وهم ساكتون، يا ويل قوم يقتل إخوانهم ولا يتحركون...
كتبه لجريدة الراية: محمد الدلي (أبو حمزة)، بتاريخ الأحد 25 شباط/فبراير 2018م
المصدر: http://bit.ly/2GO6QlX