لا تكاد تنقضي ساعة إلا وتتناقل وسائل الإعلام خبرا عن أهل الشام وما يتعرضون له من ويلات على يد طاغية الشام فرعون هذا الزمان ومغوله الجدد من دول إقليمية وعالمية، إذ رمانا الجميع عن قوس واحدة، ولم يكن هذا التناقل يوماً من باب التعاطف مع أهل الشام لا قدر الله. أو من باب نقل مأساة هذا الشعب الذي أول ما كُلِمَ بالقريب قبل البعيد، لا ورب العزة. ولا لإظهار حجم التآمر العالمي على المستضعفين والتشهير بالقتلة والمجرمين والمعاونين والساكتين والمتفرجين، أبداً. فذلك حال الإعلام غير المنحاز لجهة دون أخرى. أما والحال هذه التي كان الإعلام بها سهما من كنانة جهة يصوب باتجاه أخرى والتحيز واضح لجهات لم تجعل من الإسلام المنطلق وقاعدة ووجهة النظر في الحياة فقد كان ما ينشرونه من باب أن يعلم القاصي والداني من الشعوب المقهورة المستضعفة من حكام ظلمة مجرمين أتباع للسيد الغربي الكافر أن أي انعتاق من ربقة المجرمين لن يفضي إلا لما آل إليه الوضع في الشام من كوارث ومصائب وصورة نمطية سوداوية. وكأن الأنظمة المجرمة برويبضاتها اتخذت على نفسها عهداً أن تربي شعوبها بأهل الشام ليبقوا جاثمين على صدورهم يسحبون خيرات بلادهم لصالح السيد الغربي!
بل قد يهول المشهد أحيانا ويضخم ويعطى زخماً غير مسبوق لممارسة الحرب النفسية على الشعوب والوصول إلى مآربهم، مما ساهم إلى حد معين في أن البعض لم يعد يهتز له جفن لما يحدث من مآسٍ على امتداد العالم الإسلامي. بل حتى يلومون من يحاول أن يتلمس طعم التحرر من نير العبودية بأنهم هم من جلبوا لأنفسهم هذه المصائب، ويقنعون أنفسهم بفتات العيش والركون لحياة الذل بدعوى عدم القدرة ومفاهيم التخذيل والإرجاف فينعمون بالذل ويقبلونه مقابل ألا ينتقلوا من سيئ إلى أسوأ (كما يظنون)!
وبالعودة لما يحصل في الشام أو فلسطين أو العراق أو أفغانستان أو بورما وغيرها من بلاد المسلمين المنكوبة نقول ما كان ليكون ذلك لو وجد لهم جميعا راعٍ يرعاهم؛ يذب عنهم ويذود عن حياضهم، إمام جنة «يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ» يحكمهم في ظل دولة واحدة ويجمعهم تحت راية واحدة؛ راية لا إله إلا الله محمد رسول الله. إذ لا يحمي حماك إلا عيون ساهرة تصل ليلها بنهارها لترد كيد الكائدين ومكر الماكرين؛ الخلافة التي بشر بها الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه والتي لا تكون إلا بتغيير جذري انقلابي لهذا الواقع والسير بالطريق التي أوحى بها الله سبحانه وتعالى الذي يعلم ما يصلح حال المسلمين ﴿أَلاْ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ وتمثلت بالمسلك الذي سلكه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم. خاصة بعد أن جربنا واستهلكنا كل ما طرحه علينا عقلنا المحدود من نظم وضعية وقوانين غربية وشرقية استنزفت قدراتنا وأذاقتنا الويلات وعشنا في ظلها في ظلمات بعضها فوق بعض نتخبط في دياجير الفوضى وضنك العيش لإعراضنا عن ذكر الله. فلما آن أوان بزوغ فجرنا من جديد وأزف وقت انكسار قيد الذل والانعتاق من الاضطهاد، كانت النتيجة ما أسلفنا واستنفر الكفر بقضه وقضيضه وتكالب علينا وتداعى...
ولكن سنة الله قائمة ولا بد للمعدن الثمين أن يفتن حتى ينكشف جوهره ويزول عنه ما علق به من شوائب، وكأن الله يُعِدّنا للمهمة التي خلقنا لأجلها فنكون على قدر المسؤولية المنوطة بنا من قيادة البشرية نبراسا يضيء الظلمات ويجلي الظلام ومثالا يحتذى ويتحقق فينا قوله عز من قائل ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾. ولا يكون ذلك إلا بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فمن للمسلمين غير الخلافة؟!! فلنشمر عن سواعد الجد ونعمل بشكل دؤوب لنيل رضوان الله والفوز في الدارين.
قال عز من قائل: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾
كتبه لجريدة الراية: الأستاذ عامر سالم أبو عبيدة بتاريخ 11 تموز/يوليو 2018م
المصدر: https://goo.gl/ejG6un