الصحراء المقفرة في أقصى الجنوب السوري تضم بين كثبان رمالها خياماً تحوي آلافاً من النازحين التاركين بيوتهم المدمّرة بفعل طائرات التحالف المُجرمة بحجة محاربة "الإرهاب"، آلافاً فرّوا بحياتهم ومواقفهم الرافضة للعيش تحت حكم نظام الإجرام؛ واستوطنوا إلى جانب قاعدة عسكرية أمريكية في التنف على الحدود السورية العراقية الأردنية.
منذ أكثر من أسبوع توقفت الأردن عن السماح لسيارات المساعدات بالمرور تجاه المُخيم، وقام نظام أسد المُجرم بقطع الطرقات المؤدية للمخيم، ليمنع وصول المواد الغذائية إليها، ليُطبق حصارٌ على هذا المخيم يُهدد حياة قاطنيه جميعاً خاصة الأطفال منهم، وقد وردت أنباء عن وفاة رضيعين وامرأة نتيجة الظروف الصحية السيئة التي يعيشها المُخيم.
ليس من الغريب أن تعلم أن هذا المخيم يقع في المنطقة الحدودية بين الأردن والعراق وسوريا، ويتعرض للحصار من جانب النظام الذي قطع الطرقات ومن جانب الحدود التي تقف عليها جيوش للمسلمين تحمي خطاً مستقيماً رسمه سايكس وبيكو بالمسطرة، وتصل المؤن لهذه القطعات العسكرية وتصل أيضاً إلى القاعدة العسكرية الأمريكية ولكنها تعجز أن تصل إلى هذا المُخيم!
نعم ليس غريباً لأن هذه الأنظمة باتت معروفة بخستها وجرائمها في حق المسلمين؛ فللأردن سابقة ليست ببعيدة عندما أغلق حدوده في وجه الفارّين من وابل القذائف والصواريخ التي كان يلقيها نظام أسد المُجرم على بيوتهم وقراهم، حتى كان شريكاً في دفعهم للقبول بمصالحة النظام والعيش تحت حكمه، أو التهجير نحو إدلب؛ وكذلك لا يخفى على أحد جرائم أمريكا المنتشرة في طول البلاد وعرضها...
كثيرٌ من النشطاء ناشدوا وطالبوا بفك الحصار، وحتى "منظمة الأمم المتحدة للأطفال" ناشدت أطراف الصراع، وطالبت بإجراء حاسم، وكأنها ليست شريكة في الجريمة، وكذلك خرجت مظاهرات ووقفات في مناطق عدة تطالب بفك الحصار عنهم، ولكن من سيستجيب لهذه النداءات؟ وكيف سيفك الحصار عنهم؟ تُرى من بوسعه أن يفك الحصار عنهم؟
وللإجابة على هذه الأسئلة نعود بذاكرتنا القريبة إلى مناطق كثيرة شابهت مخيم الركبان في حصاره، ابتداء بأحياء حمص القديمة ومروراً بمضايا والزبداني وحي الوعر بريف حمص ثم داريا فالغوطة ودرعا، كلها مناطق تعرضت للحصار وانطلقت المناشدات تطلب النجدة، فوجدنا أن الاستجابة كانت بتهجير الرافضين لمصالحة النظام وضم المناطق لسيطرة نظام الإجرام!
وما حصل هذا مع كل هذه المناطق إلا لأن القائمين على الثورة قد طرقوا الأبواب الخطأ، فقبلوا بعقد الهدن والجلوس على طاولة المفاوضات مع نظام الإجرام، وسلكوا الطريق الذي رسمه الغرب لهم في جنيف والرياض وأستانة وسوتشي، هذا الطريق كان واضحاً أن نهايته "حضن النظام" والقضاء على الثورة؛ ابتداء بتقسيمها كفصائل وكمناطق نفوذ، وأخرى محاصرة، ثم يستفرد النظام بكل منطقة ليعيدها تحت حكمه وسيطرته.
فالحصار في مخيم الركبان ليس مشكلة جزئية في منطقة ما، بل هو جزء من معضلة كبرى تعرّضت لها الثورة في الشام بفعل المتآمرين عليها، هذه المعضلة أصابت عقول القائمين على الثورة وقرارها، فلم يُميزوا بين عدوٍّ وصديق، وتجرعوا سمَّ المال السياسي، وأصابهم العمى فوقعوا في حفر الهدن والمفاوضات وأوقعوا الثورة معهم وأوردوها سبل أعدائهم.
ففي الوقت الذي يتجرع فيه أهل مخيم الركبان مرارة الحصار والجوع، فإن فصائل الشمال يقف بعضها مكتوف اليدين يبحث عن فتوى شرعية تُبرّر تخاذله، والبعض الآخر أعلن سحب سلاحه الثقيل وفق مقررات اتفاق سوتشي، فليس له قرار في نصرة أي مظلوم أو حتى إنه لم يعد يفكر بإسقاط النظام، بينما تجد النكتة في دعوة أحدهم للقيام بعمل عسكري ضد النظام! من تدعو؟ ألست تملك السلاح؟ ماذا تنتظر؟
إن التأخر في إسقاط النظام هو السبب في وجود "مخيم الركبان" والسبب في حصاره، وبالتالي فإن الإسراع بإسقاط النظام هو العلاج الجذري ليس لمُخيم الركبان فحسب بل له ولغيره من القضايا والملفات التي نتجت عن التأخر في إسقاط النظام، كملف المعتقلين واللاجئين، وغيرها، وإن كل تأخير آخر يعني حصاراً جديداً ومعتقلات جديدة وتهجيراً جديداً.
وإذا ما أدركنا أن إسقاط النظام لا يكون أبداً بعقد الهدن والمفاوضات، بل أثبتت سنوات الثورة الماضية أن هذا الطريق قد أودى بالثورة وأهلها وسلّم رقابهم لأعدائهم، إذا ما أدركنا ذلك فإنه يتحتم علينا أن نرفض كل أشكال التفاوض، وندوس على كل الاتفاقيات التي جاءنا بها مُتسلقو الثورة وأدعياؤها، ومدّعو صداقتها، ونوحد صفوفنا لنسلك طريق إسقاط النظام كما أمرنا الله عز وجل.
طريق إسقاط النظام يتطلب منا الوعي على مكائد أعدائنا والاعتصام بحبل ربنا جل جلاله وذلك بتبني مشروع الإسلام "الخلافة الراشدة على منهاج النبوة"، ويتطلب منا أن نستعيد قرارنا فنتخذ قيادة واعية راشدة مخلصة، ونسير معها نحو تحقيق الهدف المنشود "إسقاط النظام وتحكيم الإسلام"، وبهذا فقط ننقذ كل الركبان في سفينة الثورة ونمنع أن يتكرر هذا المشهد مرة أخرى.
أما السير في طريق الهدن والمفاوضات فلن يودي بنا إلا إلى المهالك، فها هو اتفاق سوتشي الأخير الذي عقده النظام التركي والنظام الروسي يسعى لسحب السلاح الثقيل، وإنعاش النظام المُجرم بفتح طرقات التجارة، تمهيداً للقضاء على الثورة، وإعادة الثائرين لحكم نظام أسد المُجرم؛ وما اتفاق أستانة عنا ببعيد والذي سلّم درعا والغوطة وريف حمص الشمالي للنظام المُجرم.
ما زال في الوقت متسع لنحزم أمرنا ونعيد ترتيب صفوفنا ونقلب الطاولة على أعدائنا، فحصار مُخيم الركبان لن يكون المشهد الأخير ما لم نُصحح مسار ثورتنا، وكل الأمر يُختصر بإرادة في التغيير وثقة بنصر الله ووعده وعمل دؤوب بما أمر الله، تحقيقاً لمرضاته، واستجلاباً لنصره.
كتبه لجريدة الراية: منير ناصر
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
المصدر: https://bit.ly/2PGT9KJ