press

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

saleh

 



تشتهر بين المسلمين مصطلحات كثيرة، ذات مدلولات خبيثة؛ في ظاهرها النجاة، وفي باطنها الهلاك، ولعل الضرر يكمن، في عدم وعي كثير من الناس على ما يُراد من ترويجٍ لهذه المصطلحات المسمومة.

ومن هذه المصطلحات الرائجة التي يردّدها الناس عن وعي أو بغير وعي؛ مصطلح الوطنية الخبيث. ولا يُقال: إن الرابطة الوطنية من الوطن بالمعنى اللغوي، وهو مكان الإقامة في المدينة أو القرية، فلا يُقال ذلك: لأنّ الكلمة إذا أصبح لها مدلول اصطلاحي، أي حقيقة عرفية خاصة، وصار لاستعمالها واقع، ففي هذه الحال يُسلَّط الحكم الشرعي على معناها الاصطلاحي، وليس على المعنى اللغوي لها، وذلك مثل كلمة (رَاعِنَا)، فهي كلمة عربية بمعنى انتظرنا وأمهلنا، وهي نفس كلمة (انْظُرْنَا)، ولكن اليهود استعملوا (رَاعِنَا) في معنى السب والشتم، واستغلوا استعمال المسلمين لها في مخاطبة الرسول صلى الله عليه وسلم، فاستعملوها في ندائه بقصد السب والشتم، لذا نزلت الآية بالنهي عن استعمال كلمة (رَاعِنَا)؛ لأن معناها اللغوي اختلط باصطلاح له مدلول جديد، وله حقيقة عرفية خاصة، فكان الحكم الشرعي لمثل هذه الكلمات يُسلَّط على المعنى الاصطلاحي لا على المعنى اللغوي، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيم)] البقرة 104]. قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله: (وهم يُرِيدُونَ بِـ {رَاعِنَا} كَلِمَةً في العِبْرانِيَّةِ تَدُلُّ عَلى ما تَدُلُّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الرُّعُونَةِ في العَرَبِيَّةِ، وقَدْ رُوِيَ أنَّها كَلِمَةُ ”راعُونا“ وأنَّ مَعْناها الرُّعُونَةُ فَلَعَلَّهم كانُوا يَأْتُونَ بِها، يُوهِمُونَ أنَّهم يُعَظِّمُونَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَمِيرِ الجَماعَةِ، ويَدُلُّ لِذَلِكَ أنَّ اللَّهَ نَهى المُسْلِمِينَ عَنْ مُتابَعَتِهِمْ إيّاهم في ذَلِكَ اغْتِرارًا فَقالَ في سُورَةِ البَقَرَةِ {يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وقُولُوا انْظُرْنَا})[ تفسير التحرير والتنوير].

وفي مثل هذا يُقال: في كلمة الوطنية، فلا نبحث عن المعنى اللغوي من أجل معرفة الحكم الشرعي، بل نبحث عن المعنى الاصطلاحي؛ أي الحقيقة العرفية الخاصة، المُصدَّرة إلينا من الكافر المستعمر، الذي هدم دولة الخلافة، وأبدلنا بدويلات هزيلة تعزز هذا المصطلح الخبيث.

وحتى نتبين الحكم الشرعي فيها، يجب أن نعلم معناها عند أهلها، فهم سَمَّوا الوطنية بهذا الاسم، لجعل ارتباط الإنسان بغيره بناء على الشعور الغريزي المتعلق بالموطن الذي تحدده الحدود.
وهذا الرابط لا يصلح لربط الإنسان بأخيه الإنسان وهو يسير بطريق النهوض. لأنه رابط مؤقت يظهر في حالة وجود عدو او خطر خارجي، وهذا الشعور الغريزي موجود في الحيوان والطير كما هو موجود في الإنسان. والوطنية تنشأ بين الناس كلما انحط الفكر، فبحكم عيش هؤلاء الناس في أرض واحدة والتصاقهم بها، تظهر عندهم غريزة البقاء في مظهر الدفاع عن النفس، والدفاع عن البلد الذي يعيشون فيه، والأرض التي يعيشون عليها، وتختفي في حال الاستقرار، ومع مرور الوقت أصبحت الوطنية عصبية، يلتصق الكثير من أهل بلد معين بسببها، حتى لو كانوا إخوة في العقيدة، مما يفرق أبناء الأمة الواحدة، و يجعل أخوتهم لمن هم ضمن حدود دويلات سايكس بيكو التي خطها أعداء الأمة.

أما في الإسلام، فقد جعل الرابطة هي رابطة العقيدة الإسلامية وجعل الأخوة الإسلامية هي التي تربط الإنسان بأخيه الإنسان وهو يسير في طريق النهوض.
و ليس للوطن الأصلي او اللون أو العرق أي دور في الرابطة الحقيقية.
أما لوثة الوطنية التي ابتليت بها الأمة الإسلامية فهي رابطة قهرية جبرية، فرضتها دول الكفر لتمزيق الأمة الإسلامية، وساعدهم في ذلك كثير من أبنائنا المضبوعين بالغرب الكافر أو الذين اصطنعهم عملاء له. لذلك لا تصلح الرابطة الوطنية للربط بين أبناء الأمة، بل تزرع بينهم العصبية والطبقية والعداوة والبغضاء، التي ذمها النبي صلى الله عليه وسلم، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: كنا في غَزَاةٍ فَكَسَعَ رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين. فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: « مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ؟». قالوا : يا رسول الله ، كَسَعَ رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار. فقال صلى الله عليه وسلم: « دَعُوهَا؛ فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»[صحيح البخاري]. ومعنى كَسَعَ: (الْكَسْعُ: أَنْ تَضْرِبَ بِيَدِكَ أَوْ بِرِجْلِكَ بِصَدْرِ قَدَمِكَ عَلَى دُبُرِ إِنْسَانٍ أَوْ شَيْءٍ) [ معجم لسان العرب لابن منظور].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَدْعُو عَصَبِيَّةً أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ»[ أخرجه الإمام مسلم].

إن دولة الخلافة، عندما كانت رابطتها رابطة العقيدة الإسلامية، كانت أعظم دول العالم وأكثرها قوة، وعندما حلَّت الوطنية محلها، حطمتها وقسمتها إلى دويلات هزيلة مستجدية، وبسبب الرابطة الوطنية أصبحت لُقَماً سائغة للكافر المستعمر؛ فهي رابطة رجعية تفرق ولا تُوحِّد.

ولا يوجد في القرآن أو السنة، ولا في ما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس القائم على العلة الشرعية، ما يأمر بهذه الرابطة أو يسمح بوجودها، بل النصوص الشرعية تدل على أن رابطة العقيدة الإسلامية هي الرابطة الوحيدة شرعاً، فكل مسلم مهما كانت أرضه، يستطيع أن يحمل التابعية لدولة الخلافة، وينعم بظلالها، وحتى غير المسلمين يكونون من رعايا الدولة الإسلامية، تحكم بينهم بالعدل. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات 13]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى»[أخرجه الإمام أحمد في مسنده]، وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء 58].

أما الوطن بالمعنى اللغوي، وهو كما ورد في القاموس المحيط للفيروز أبادي: (منـزل الإقامة ومربط البقر والغنم، الجمع أوطان، ووطَنَ به يَطِنُ وأوطَنَ: أقام، والإقامة قد تكون في قرية أو مدينة وبذلك تصلح المدينة أو القرية لأن تكون وطناً).

فكل مدينة أو قرية في العالم تصلح أن تكون وطناً للمسلم، ولا موانع شرعية دون ذلك، إلا في حالة الاستضعاف، الذي يمنعه من أداء واجباته الدينية، الذي يفرض عليه الانتقال والهجرة إلى وطن آخر؛ مدينة أو قرية، يتمكن فيها من القيام بالتكاليف الشرعية، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)[النساء 97].
فالوطن لا يعني أكثر من مكان الإقامة، وليس له أُيُّ اعتبار آخر، ولا قدسية له، يقيم فيه المسلم مختاراً، ويرحل عنه إلى غيره متى يشاء. ومحبة الوطن ليست من الإيمان، وما يُنسب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إنّ حب الوطن من الإيمان! ما هو إلا الزور والبهتان.

 



===
للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
محمد صالح