press

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

 

22222





منذ 8 كانون الأول/ديسمبر 2024م، تشهد سوريا زيارات دبلوماسية متنوعة وعلى مستويات مختلفة، لا يمكن وصفها بأنها بريئة، خاصة بعد الاطلاع على تاريخ الدول التي زارت دمشق ومعرفة واقعها.

يمكننا القول إن سوريا اليوم تعيش تحوّلاً جذرياً في علاقاتها الدولية منذ هروب بشار الأسد؛ ذلك الحدث المفاجئ الذي فعّل هذا الحراك الدبلوماسي، خاصة بعد فترة ركود سياسي طويلة وخطوات متعثّرة نحو التطبيع. حدث أربك المنطقة؛ فإما أن تكون نتيجته إعادة تشكيل خارطة الدبلوماسية الإقليمية، أو مجرد السير على خطا من سبق.

لقد توافدت إلى دمشق وفود عديدة من دول عربية وغربية، في مشهد غير مسبوق منذ اندلاع الثورة عام 2011. فمن هي هذه الوفود؟ ولماذا جاءت؟ وما الذي تهدف إليه؟

زيارة بريطانية بعد 14 عاماً:

في 5 تموز/يوليو 2025، زار وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، العاصمة السورية، هي الأولى منذ أكثر من عقد. التقى خلالها بالرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، ووزير الخارجية، أسعد الشيباني، وأعلن عن تخصيص نحو 129 مليون دولار كمساعدات إنسانية وتنموية، مؤكداً دعم بلاده لاستقرار سوريا وتعافيها. وأكد لامي أن المملكة المتحدة تفتح صفحة جديدة مع سوريا، مشيراً إلى أن الدعم سيشمل إزالة الألغام، وإعادة تأهيل البنية التحتية، وتمكين المجتمع المدني، مع التشديد على ضرورة محاسبة المتورطين في جرائم الحرب.

تخفيف أمريكا للعقوبات:

بتاريخ 30 حزيران/يونيو 2025م، أصدرت أمريكا قراراً بتخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق. وقد جاءت هذه الخطوة ضمن حزمة تغيّرات في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط. مصادر أمريكية أشارت إلى أن القرار يهدف إلى "تشجيع الحكومة السورية على المضي قدماً في مسار التحول الديمقراطي، ودعم الاستقرار الإقليمي".

دعم سعودي واضح:

في شباط/فبراير 2025م، زار أحمد الشرع السعودية، حيث استقبله ابن سلمان استقبالا رسميا. وتناول اللقاء ملفات إعادة الإعمار، والتعاون في مجالات الطاقة والتعليم والصحة، إضافة إلى مناقشة دعم الاستثمارات الخليجية في البنية التحتية السورية. وقد حملت الزيارة رمزية خاصة، باعتبارها أول زيارة خارجية للرئيس السوري الجديد، ما اعتُبر مؤشراً على تقارب متنامٍ بين دمشق والعواصم الخليجية.

المجتمع الدولي يتحرك:

في 12 كانون الثاني/يناير، احتضنت الرياض مؤتمراً دولياً شارك فيه ممثلون عن 17 دولة، بينها أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، إضافة إلى عدد من الدول العربية. ناقش المؤتمر مسألة رفع العقوبات تدريجياً، ودعم جهود بناء المؤسسات في سوريا، وتمكين الحكومة الانتقالية.

زيارات أوروبية: دعم مشروط ومراقبة حذرة

في 3 كانون الثاني/يناير 2025، وصل إلى دمشق وزيرا خارجيتي فرنسا وألمانيا، في زيارة تحمل أبعاداً سياسية وإنسانية. وأجريا جولة في سجن صيدنايا، والتقيا بقيادات من المعارضة ومن الجهات الرسمية، في إطار دعم العدالة الانتقالية وبناء الثقة مع النظام الدولي.

وفي آذار/مارس، أعادت ألمانيا فتح سفارتها في دمشق، بعد 13 عاماً من الإغلاق، وأعلنت عن حزمة مساعدات تبلغ 300 مليون يورو، مخصصة لدعم البنية التحتية، والرعاية الصحية، وبرامج تعليم اللاجئين العائدين.

عودة السفارات العربية:

لم تكن الدول العربية بعيدة عن هذا الحراك، ففي أيار/مايو 2025م أرسلت المغرب وفداً فنياً لترتيب إعادة افتتاح سفارتها في دمشق، تنفيذاً لتوجيهات ملكية. كما زار وزير الخارجية الجزائري دمشق في شباط/فبراير 2025م، معلناً دعم بلاده الكامل للمرحلة الانتقالية. أما العراق، فقد أوفد وفداً أمنياً رفيعاً في كانون الأول/ديسمبر 2024م، لتنسيق التعاون على الحدود ومنع تسلل الجماعات المتطرفة.

ما سبق يظهر أن النتيجة التي تحققت، رغم الجهود الكبيرة من الحاضنة الشعبية والمجاهدين، لم تكن مرضية للدول، كما أنها لم تكن مطمئنة. وكيف تطمئن، وهي التي عملت ليل نهار على وأد الثورة وإنهائها؟

كانت تتحرك بخطوات واضحة لا غموض فيها: التطبيع وإعادة إنتاج النظام. وما أفعال الضغط على الحاضنة إلّا دفعة إضافية لما خطط له.

لم تكن تصريحات وزير خارجية تركيا عبثاً، ولا كانت لقاءات سراقب وأبو الزندين بلا معنى، ولا الحديث عن فتح المعابر من معارة النعسان وأبو الزندين مجرد أحاديث عابرة، بل كانت جميعها خطوات حقيقية ضمن مخطط واضح.

فإذا كان المطلوب لم يتحقق، فلماذا هذه الوفود؟ ولماذا هذه الزيارات؟ أليس من الأولى أن تتم مقاطعة سوريا وعزلها بالكامل؟

الجواب نجده في التصريحات التي رافقت المعركة، والتي تحدثت بوضوح عن ضرورة ضبط الحراك ومنعه من الانزلاق نحو مسارات لا ترضاها تلك الدول.


تصريحات العراق والأردن وكيان يهود، التي عبّرت عن "خطورة الوضع" و"ضرورة التدخل لضبطه"، تكشف السبب وراء هذا الزخم الدبلوماسي، من زيارات إلى تخفيف عقوبات وغيرها.

الدول التي ورد ذكرها في المقال، إذا ما رجعنا إلى مواقفها من الثورة، فسنجد سجلاً سيئاً ونوايا خبيثة، دون استثناء. فالجميع شارك في محاولات إنهاء الثورة، وخطّط ودبّر وسعى، بكل وسيلة، كي لا تصل إلى برّ الأمان.

وبعد هذا التاريخ من المواقف والسياسات، يتّضح أن الوفود اليوم لا تأتي حباً في الخير، بل لمنع مسار لا يرغبون فيه. فهم يسعون إلى إبقاء سوريا دولة علمانية تابعة فاقدة لقرارها، أسيرة لقوانينهم وأفكارهم ومعالجاتهم. يريدون منعنا من التحرر، ومن امتلاك القرار، ومن أن نكون أعزّاء.

فأيّ خلاص يمكن أن يأتي ممن استعمرنا وقمعنا؟ وأيّ نجاة من يد من سلبنا حريتنا وقوّض حاضنتنا وثورتنا؟!

اليوم، وبعد سبعة أشهر من هذا الحراك، لا نقول إن سوريا قد اختارت بعدُ. فلا تزال الفرصة قائمة، وما زال التراجع عن الخطأ ممكناً؛ فإما أن نختار أن نكون أصحاب قرار وكلمة في هذا العالم، أو أن نبقى على مسار التبعية، فنكون مسلوبي القرار ومنهوبين!

الفرصة لا تتكرر.. فاسعَوا نحو الصواب، وسابقوا إلى الكرامة، واحذروا أن تتأخروا أو تترددوا، فيتخلى عنكم من وهبكم الانعتاق من بشار، ويوكلكم إلى أنفسكم، فتسيروا نحو الهاوية وأنتم تبصرون!

إن تلك الدول ليست جمعيات خيرية، ومواقفها تجاهنا لا تبشر بخير. وما يحصل اليوم ليس في صالحنا ما لم نكن نحن أصحاب القرار. فالخيار بأيدينا، والدائرة لا تزال تحت سيطرتنا. فالحذر، كل الحذر! فلنحوّل ما يجري اليوم إلى بوابة ندخل منها إلى العالم أسياداً، مهابين، أصحاب كلمة.

---------------

كتبه: 
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا