قام وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة، أسعد الشيباني، بجولة مكوكية زار فيها كلاً من السعودية وقطر والإمارات والأردن. جاء ذلك بالتزامن مع وفود للدول الغربية والأجنبية التي تحط رحالها يومياً في العاصمة دمشق، بدءاً من الوفود الأمريكية والفرنسية والألمانية وغيرها.
كان على رأس المستقبلين لهذه الوفود من الجانب السوري قائد الإدارة السورية الجديد، أحمد الشرع، الذي عقد مؤتمرات صحفية عدة، منها مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي الذي زار دمشق بتاريخ 11/1/2025م، ووزير الخارجية التركي حقان فيدان الذي عُقد في 23/12/2024م وغيرهم.
أما الدول الغربية فقد جاءت لتنقل إملاءاتها للإدارة السورية الجديدة، وتم التركيز على قضية علمانية الدولة وحفظ حقوق العرقيات الصغيرة وحقوق المرأة ومحاربة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية. كما أكدت الوفود، وخاصة الوفد الأمريكي، على عدم نقل الصراع المسلح إلى خارج الحدود السورية في إشارة واضحة لضمان أمن كيان يهود. وكان جواب أحمد الشرع بخصوص هذه القضية أنه قال في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ 17/12/2024: "إننا ملتزمون باتفاق 1974 مع (إسرائيل)". واتفاقية عام 1974 وُقعت بين سوريا وكيان يهود عقب حرب 6 تشرين الأول/أكتوبر 1973، بهدف الفصل بين القوات المتحاربة من الجانبين وفك الاشتباك بينهما.
وقد تتالت تصريحات الساسة الغربيين التي ظهر فيها الاستعلاء وفرض الشروط والابتزاز السياسي. فمثلاً، صرحت وزيرة الخارجية الألمانية أن بلادها لن تدعم الهياكل الإسلامية في إشارة إلى أنها ترفض النظام الإسلامي وتشترط النظام العلماني لتقديم الدعم المالي أو الاعتراف السياسي. في حين صرح المسؤولون الأمريكيون أنهم ينتظرون أفعالاً ولا يكتفون بالأقوال التي تصدر عن الإدارة الحالية، وكأنهم الأوصياء علينا!
ولم يصدر أي تصريح حاد من الإدارة الجديدة تجاه هذه التصريحات، بل كانت المطالبة برفع العقوبات عن الحكومة السورية التي فرضها النظام الدولي على نظام أسد عقب إجرامه ومجازره بحق الشعب السوري والتي ما زالت سارية حتى الآن.
في حين كانت مطالب الدول العربية تتمحور حول وحدة الدولة السورية والمحافظة على الحدود الوطنية وترسيمها وحفظ أمنها. وهذا ما أكده العراق والأردن ولبنان وصولاً لمنع عمليات التهريب على تلك الحدود.
أما شكل نظام الحكم، فقد قال وزير الخارجية السوري بحكومة تصريف الأعمال، أسعد الشيباني، إنه نقل خلال زيارته إلى السعودية رؤية وطنية تتمثل بتأسيس حكومة تقوم على التشاركية والكفاية تضم كافة مكونات البلاد.
إن المدقق في تصريحات الإدارة السورية الجديدة، سواء من قائدها أحمد الشرع أو وزير خارجيتها الشيباني، يرى بوضوح سعيها الحثيث لإرضاء جميع الدول بهدف قبول الاعتراف من النظام الدولي، بينما المطلوب موقف مستقل منبثق من شرع الله ومبني على الثوابت الثورية التي تبناها أهل الشام، رغم أن هذه الدول التي كانت قبل شهر ونيف تعمل على إعادة إنتاج النظام الذي أوغل في دماء أهل الشام والذي دمر البلاد وملأ السجون وقتل مئات الألوف وهجر الملايين، ولا يجوز للإدارة الجديدة نسيان تلك الحقائق.
إن الخضوع لإملاءات الدول والعمل لاسترضائها لن يأتي بخير لا على الإدارة الجديدة ولا على أهل الشام، بل سيرسخ هذا الخضوع واقع الهيمنة الغربية على البلاد ويبقي سوريا دولة تابعة للمستعمر الغربي كما كان واقع نظام أسد البائد. وستكون نتيجة هذا الخضوع والاسترضاء مزيداً من التنازلات والضعف والهوان.
إن على الإدارة الجديدة أن يكون لديها موقف حازم وصارم أولاً من التمرد القائم سواء في مناطق قسد ومناطق الدروز في السويداء، أو من فلول النظام في الساحل، وفي أي مكان من أرض سوريا. وثانياً، يجب أن يكون لها موقف واضح من تدخل الدول ومن محاولتها فرض العلمانية على البلاد وفرض واقع الهيمنة والتبعية على من توسد أمر أهل الشام.
إن الواجب على هذه الإدارة أن تتقي الله وتتمسك بحبله وتقطع حبال الدول كلها، وهو ما يجعل لها مخرجاً من كل الصعوبات والتحديات التي تواجهها، وهو الذي سيسوق لها الرزق الحلال الذي ينهض باقتصاد الدولة، قال تعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾.
إن نظام الإسلام ومعالجاته هو الكفيل بحل مشكلات الناس؛ مسلمهم وكافرهم، وهو الذي يحقق الرفاهية والعيش الكريم لجميع الرعايا. والواجب على الإدارة الجديدة أن تكون مواقفها مبدئية ترضي رب العالمين ولا تلتفت إلى رضا دول الغرب الذي لن ندركه إلا بسخط الله.
وفي هذا المقام فقد أعد حزب التحرير مشروع دستور إسلامي فيه معالجات لجميع نواحي الحياة، وقد تم استنباط مواده من مصادر التشريع المعتبرة ليس غير، ولذلك ننصح كل من يريد أن يقيم شرع الله أن يتدبره ويعمل على تطبيقه.
ولنكن على يقين أننا لن ننجو من مكر أعدائنا ولن نحقق عزنا وفوزنا في الدنيا والآخرة، إلا بتطبيق مشروع الإسلام وحده، به يجمع شمل الأمة الإسلامية جميعها وتستعيد أمجادها لتحمل الإسلام رسالة هدى ونور تنقذ فيها البشرية جمعاء.
=========
بقلم: الأستاذ أحمد الصوراني
المصدر: https://tinyurl.com/27cuz6fh