
أقريطش جزيرة في البحر المتوسط، فتحها المسلمون وسكنوها زمناً طويلاً، فعمروها وغزوا جميع ما حولها من جزائر القسطنطينية ففتحوا أكثر الجزائر وغنموا وسبوا .
ولم يكن لملك القسطنطينية بهم طاقة ، ففكر فيما يفعله معهم من المكر والخديعة .
فأقبل الملك أرمانوس إلى عبد العزيز بن شعيب بن عمر صاحب جزيرة أقريطش . وتقرب إليه بالهدايا والتحف ، وأظهر له المودة والمحبة، فلما استحكمت الوصلة بينهم وتأكدت ، أنفذ أرمانوس رجلاً من المسلمين ومعه هدية جليلة . فلما حضر بين صاحب أقريطش وقدم الهدية ، قال له : الملك يسلم عليك ويقول لك : نحن جيران وأصدقاء ، وهؤلاء المساكين سكان الجزائر قوم ضعفاء فقراء ، وقد خلا أكثرهم من خوفك ، وقلوبهم تحن إلى أوطانهم . ولي ولك بهم راحة وفائدة . فإن خفّ عليك أن تحسب ما يحصل لك من غزوهم في كل عام وأنا أضاعفه لك أضعافاً ، وتؤمنّهم وترفع عنهم الغزو وتفسح لهم في السفر إلى جزيرتك ، ويتوجه التجار إليك ، ويحصل لك من الحقوق أضعاف ما يحصل لك من الغزو .
فأجابه إلى سؤاله . وتحالفا وتصالحا واتفقا على مال يؤدّي في كل عام ، فوفى له أرمانوس بجميع ذلك، وألزم التجار بالسفر إلى أقريطش والقسطنطينية وجميع الجزائر . فكثرت أموال صاحبها وأخذ في جمع الأموال واختصر العطاء للجند .
فكان هذا أول نتيجة لفخ الغدر والمكر، حيث توقف المسلمون عن غزو الجزر التي تتبع للقسطنطينية، ثم ونتيجة لتوقف الغزو قل عدد المجاهدين، ونقصت عدتهم
ثم وقع بالقسطنطينية قحط وغلاء، فأنفذ الملك إلى صاحب إقريطش رسولاً يقول : قد وقع بالبلاد ما اتصل بك من الجدب، ولنا خيل أصيلة برسم النتاج تعزّ علينا ، فإن رأيت أن أنفذها إلى الجزيرة ، وما نتجت من الذكور تكون للملك ، وما نتجت من الإناث فهو لك .
فأجابه حاكم أقريطش إلى ذلك، فأرسل إلى الجزيرة خمسمائة فرس في المراكب ومعها رعاتها .
فلما استقرت الخيل بالجزيرة ، عبأ الروم العساكر على تلطف واستخفاء ، وقدموا عليها وذلك في غرة المحرم سنة خمس وثلاثمائة، فدخل الأسطول إلى الجهة التي فيها الأفراس . ونزل كل فارس بسرجه ولجامه
وفاجؤوا أهل الجزيرة على غرة وغفلة، فملكوها وقتلوا صاحبها ومن معه من الجند ، ووجد الروم الأموال التي كانوا بذلوها مضاعفة فأخذوها، وسبوا نساء الأجناد وذراريهم . وشحنوها بالعدد والأجناد، وهكذا ضاعت أقريطش، بالحيلة والمكر وغفلة الوالي وانخداعه بمعسول كلام الروم.
وهذه نتيجة التحالف مع الدول الكبرى، فهي تظهر للمسلمين أنها تريد لهم الخير، وهم يمكرون بالخفاء لهذه الأمة. فانظر كيف جاء المكر الثاني حيث أن ملك الروم أرسل هدايا ظاهرها فيه الرحمة وباطنها العذاب، مثل القواعد العسكرية الأمريكية في بلاد المسلمين، حيث يخدعون المسلمين أنها لحمايتهم، والواقع أنها لمنع عودة الإسلام إلى الحياة ولمنع المسلمين من أن تقوم لهم قائمة، ولحماية نواطير أمريكا من غضب الشعوب
المرجع: نهاية الأرب في فنون الأدب (24/ 211).
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
عبدالرحمن محمود
