الخبر:
نشرت وسائل الإعلام نص الاتفاق الأمريكي الروسي المذكور تحت عناوين أنه هدنة، وأنه لوقف الاعتداءات بين المتقاتلين في سوريا. ومما جاء في نص الاتفاق:
إن روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية، بصفتهما رئيسين مشاركين للمجموعة الدولية لدعم سوريا، وسعياً لتحقيق تسوية للأزمة السورية مع الاحترام الكامل للدور الرئيس لمنظمة الأمم المتحدة، عازمتان تماماً على تقديم أقوى عون ممكن لوقف الأزمة في سوريا وخلق الظروف لعملية انتقال سياسية ناجحة بقيادة السوريين أنفسهم وبدعم من الأمم المتحدة وذلك لتأمين تطبيق تام لبيان ميونيخ الصادر عن المجموعة الدولية لدعم سوريا في 11 فبراير 2016، وقرار مجلس الأمن رقم 2254، وإعلان فيينا لعام 2015، وبيان جنيف لعام 2012...
وجاء فيه أيضاً: على جميع الأطراف المشاركة في الأعمال العسكرية في سوريا، سواء ضمن القوات المسلحة أو المجموعات المسلحة، ما عدا "تنظيم داعش" و"جبهة النصرة" وغيرها من المجموعات الإرهابية التي حددها مجلس الأمن الدولي، أن تبلغ روسيا الاتحادية أو الولايات المتحدة الأمريكية، بصفتهما رئيسين مشاركين للمجموعة الدولية لدعم سوريا عن التزامها بتطبيق وتبني شروط وقف الأعمال القتالية في موعد لا يتعدى الساعة 12,00 (بتوقيت دمشق) من يوم 26 فبراير 2016...
وجاء فيه أيضاً: إن جميع الأعمال القتالية بما في ذلك الضربات الجوية التي تنفذها القوات المسلحة للجمهورية العربية السورية والقوات المسلحة الروسية والتحالف ضد داعش والذي ترأسه الولايات المتحدة، ستستمر ضد "تنظيم داعش" و"جبهة النصرة" وغيرها من المنظمات التي حددها مجلس الأمن الدولي على أنها منظمات إرهابية.
التعليق:
لا يحتاج الأمر لكثير نظر في بنود هذا الاتفاق وشروطه للمس الغرور الكبير، والتحكم الوقح، والعداء الكبير لأهل سوريا المسلمين، والحقد الأكبر على تطلعهم إلى تطبيق الإسلام. وما فيه من تناقضات صارخة تؤكد كل ما ذُكر:
فهو يُصوِّر أنه حريص على هدنة وتحقيق مطالب سياسية، ولكنه يعطي روسيا وأمريكا ومن معهما، ويعطي النظام السوري حق قصف وقتل كل من تحدد روسيا وأمريكا أنه إرهابي. ولم يعد خافياً على ذي مسحة عقل أن ما يقصدونه بالإرهاب هو الإسلام. فأي هدنة هذه!
لا يخفى على ذي نظر أن هذه ليست هدنة، ولا هي لتحقيق السلام ولا حقن الدماء. وإنما هي إعلان حرب على الشعب السوري بسبب تطلعه إلى تغيير النظام العميل والدموي الذي يحكمه، وبسبب تطلعه إلى تطبيق الإسلام وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
فقد اتفقت أمريكا وروسيا وبقرار منهما، أن لهما الحق النهائي بتعيين من الذين ينبغي قصفهم بطائرات وسلاح روسيا وأمريكا والتحالف ونظام بشار والقضاء عليهم، ومن الذي ينبغي تركهم. ولا يُعتبر هذا القصف اعتداءً وإنما هو حرب على الإرهاب، وهو لازم لتحقيق السلام والديمقراطية، ولعملية الانتقال السلمي للسلطة.
ويتضمن الاتفاق نصاً صارخاً في الدكتاتورية والطاغوتية التي يعدها إنسانيةً وديمقراطيةً؛ فهو يقول إن روسيا وأمريكا عازمتان على تمكين السوريين من قيادة عملية انتقال ناجحة للسلطة، ولكنه يفرض عليهم مسبقاً ما يجب عليهم أن يتفقوا عليه وأن يطبقوه وهو تطبيق تام لبيان ميونيخ الصادر في 11 شباط/فبراير 2016، ولقرار مجلس الأمن رقم 2254، وإعلان فيينا لعام 2015، وبيان جنيف لعام 2012.
وهكذا فأمريكا وروسيا تعلنان لكل أهل سوريا ولشعوب المسلمين قاطبة ولكل دول المنطقة وللعالم كله، ما يجب أن يوافقوا عليه ويختاروه. وكل من يواجه ذلك، بل من يعارضه، بل كل من لا يعلن موافقته عليه بوضوح من أهل سوريا فهو إرهابي، ولا يعتبر قتله أو قصفه اعتداءً، بل هو تحقيق للسلام ولمصلحة شعب سوريا!
لا يخفى أن هذا الاتفاق مثال صريح على الدكتاتورية، وهو تأكيد إضافي على سقوط الفكر الغربي بأسسه وفروعه، إذ لا جدال في أنه نقض لكل مزاعم الحريات العامة وحقوق الإنسان وحق تقرير المصير. وأمريكا وروسيا تؤكدان به حربهما على الإسلام، وحربهما الاستباقية على الخلافة على منهاج النبوة، وعلى تطلع الأمة وبخاصة في سوريا لإقامتها، وهو ما يرعبهما ويرهبهما.
إلا أن الذي ينبغي التنبه له وأخذه بعين الاعتبار، هو أن الذين يحاربون الإسلام اليوم، ويساهمون في تأخير نجاح الأمة في التغيير، ويساهمون في تطويل أمد جراح الأمة ونكباتها ومآسيها، ليس فقط الدول التي أعلنت الحرب على الإسلام وأمته.
إن الذين يساهمون في مآسي الأمة هم أيضاً أولئك الذين ينشدون الحل عبر مفاوضات تقودها أمريكا، أو من خلال مساعدات وتوجيهات من دول عميلة عدوة للإسلام. إن الذين يساهمون في إضعاف الأمة وإحباطها وفي سوقها إلى اليأس والهزائم هم أيضاً جماعات وفصائل يتسمون بأسماء إسلامية ويرفعون شعارات إسلامية، وهم أيضاً مشايخ ومفتو جماعات وفصائل يبررون للناس التنازلات والركون إلى الظالمين، والرضا بالانقياد لمناهج الكفر وسياساته، بذرائع ورُخص لا محل لها إلا عند من سفه نفسه وضل عقله.
نعم، هؤلاء جميعاً أعوان لأعداء المسلمين على المسلمين، علموا ذلك أم لم يعلموه، وعليهم أن يتّعظوا ويتركوا الركون إلى الظالمين أو الدخول معهم فيما هم فيه. وعلى المسلمين جميعاً وبخاصة في سوريا أن يتنبهوا لهذا الأمر وأن ينبذوا دعاة التفاوض والتنازلات وأزلام أنظمة الكفر والعمالة نبذَهم للعلمانية والكفر. وأن يتذكر المسلمون أن النصر بيد الله وحده، وأن اجتماع أمريكا وروسيا معا، ومعهم من معهم، ضد الإسلام وبهذه الشدة لهو بشرى خير ونصر مؤزر بإذن الله.
﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾. [القصص: 5-6].
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
محمود عبد الكريم حسن
18 جمادى الأولى 1437هـ
2716م
المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/radio-broadcast/news-comment/35706