الخبر:
اتفقت روسيا و تركيا و إيران يوم الثلاثاء خلال اجتماع وزاري لوزراء دفاع وخارجية الدول الثلاث على إعلان مشترك يدعو إلى مفاوضات سياسية ووقف موسع لإطلاق النار في سوريا من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة القائمة منذ ست سنوات تقريبا. وقد قال لافروف في المؤتمر الصحفي إن الإعلان المشترك ينص على إطلاق مفاوضات سياسية شاملة، وأن المفاوضات يجب أن تشمل كل المكونات العرقية في سوريا. وتابع أن الدول الثلاث متفقة على أن الأولوية في سوريا هي لمكافحة (الإرهاب) وليس إسقاط النظام.
التعليق:
بعد أن تم إخضاع حلب الشهباء للغزو الروسي الإيراني بالتعاون مع تركيا التي تآمرت على ثورة الشام وعملت على سحب جميع الفصائل التابعة لها وتركت ما تبقى من الفصائل المقاتلة إما لتخرج رغما عنها أو تواجه آلة تدمير مجرمة.
ولقاء تآمر تركيا مع قوى الشر فقد جيء بها إلى الاجتماع الثلاثي لتكون شاهد زور وضامنة لإنهاء الثورة على الطريقة التي أرادتها أمريكا من أول يوم، وأسمتها الحل السياسي. والذي يضمن استمرار النظام في سوريا تابعا مخلصا لأمريكا. وقد استعملت أمريكا لإخراج هذا الحل وإسقاط ما عداه كلَّ ما تملكه من وسائل وأساليب، سواء من صرف الأنظار تجاه ما أسمته محاربة (الارهاب) ممثلا بتنظيم الدولة ودفع كثير من الفصائل لتقبل هذا التوجه، أو استخدام الآلة العسكرية لحزب إيران في لبنان، والذي ساهم بكل تشكيلاته وقواته طوال سنيّ الثورة، أو باستخدام السلاح والجيش الإيراني، وآخرها الاتفاق الغاشم مع روسيا لتستخدم أفظع أنواع الأسلحة بما فيها المحرم دوليا. إضافة إلى التمويل الموهوم بأموال لا تزيد عن ثمن حبال تلفها على أعناق الفصائل التي أقبلت على هذا المال دون أن تمحص مخاطره الدنيوية، وآثامه يوم يقوم الناس ليوم الحساب.
وهكذا تعمل أمريكا وفرقها المتمثلة بروسيا وإيران وتركيا على جلب كثير من الفصائل إلى توقيع صك إنهاء ثورة مباركة استمرت أكثر من 5 سنين، والتي لن تحصل من أمريكا أكثر مما حصل عليه العرب في اتفاقية سايكس بيكو.
وبالرغم من قوة تحالف أمريكا وأوليائها وما آلت إليه الأوضاع في حلب، وما زرعوه من رعب وإرهاب في أرجاء الشام كلها، إلا أنهم وبسبب من غرورهم وعَمَهِهِمْ وطغيانهم لم يتمكنوا من إدراك حقيقة واحدة، وهي أن الذي تحرك في سوريا ليس فصائل متناثرة هنا وهناك، ولا تنظيماً مسلحاً يجمع المال والسلاح دون تمحيص لمصدره، ولا مغامرين يبحثون عن صيد ثمين أو رخيص. بل إن الذي تحرك في سوريا هو جزء لا يتجزأ من أمة تحركت لرفع الظلم الذي حاق بها لعقود عدة، وإعادة الحق إلى أصحابه وأقلّه الحكم بما أنزل الله، وغايته استئناف الحياة الإسلامية وحمل الإسلام إلى العالم مشعل نور وهداية. وإن هذا الجزء من الأمة لا يزال ممسكا بزمام الأمر في الشام، وقادر على التحرك فيها وفيما حولها، وقادر على إحباط مؤامرة أمريكا وأذنابها، كما فعلت طوال سنين التآمر على الثورة ومحاولة إخضاعها أو صرفها عن وجهتها سواء من خلال المجلس الوطني، أو الائتلاف السوري أو جنيف 1 و 2 أو الرياض أو غيرها. لقد قدمت الأمة في الشام أكثر من مليون شهيد و5 ملايين لاجئ في بقاع الأرض. ومَن قدّم هذه التضحيات العظام سوف لا يضام، ولا يتوقع منه أن يخذل الشام، ولا أن يكون فريسة بين أنياب لئام.
أما بشار وزمرته فلو كان لديهم ذرة من قيم أو مشاعر شبه إنسانية لما مكثوا في حكم يتم تثبيتهم فيه عنوة كما تثبت الصفائح بالبراغي. لقد أسقطتهم الثورة منذ أول يوم، وقد سقطوا من أعين كل سياسي، بل سقطوا من قائمة الدول التي قاتلت من أجل بقائهم إلى حين. وهم ينتظرون أن ترميهم أمريكا إلى أي مزبلة من مزابلها. ومع ذلك فهم جالسون بل رضوا أن يكونوا مع القواعد من النساء اللاتي لا يستطعن حيلة ولا سبيلا، إن قيل اقعد فقد قعد وإن قيل انخلع فقد خلع. فبشار لم يعد له قيمة مطلقا، فهو أشبه بفضلات طعام نتنة ينتظر متى يرمى بها في القمامة. وهو قاعد في مكانه ليس بذاته بل لأنه لم يُرْمَ به بعد.
أما تركيا، وبالذات رئيسها أردوغان، فقد خلع عنه كل ستر كان يتدثر به ولو أمام مريديه. ولم يعد له من رصيد لا في الأرض ولا في السماء. فقد وضع يده بيد الشيطان الروسي والإيراني بعد أن وَلَغا في دماء المسلمين في حلب بل وفي عظامهم وأنفسهم. ولطالما تباكى أردوغان لوعة على ضحايا الإجرام الروسي والإيراني، ثم عاد ليكون شريكا تاما في كل جريمة اقترفوها!
لم يكن يخفى أمر أردوغان على المتتبع السياسي للأحداث، وإن كان خفي على كثير من الناس. وشاء الله أن يفضحه على رؤوس الأشهاد. حيث لم يكن متوقعا من روسيا أو إيران أن ترحم ضعف النساء، أو ترأف بعظام الأطفال الغضة، أو تحفظ حرمة لمسجد أو مستشفى أو مدرسة، فقد ناصبوا العداء للأمة من جميع مناحيها. أما تركيا فقد كان يتوارى رئيسها خلف شعارات وأغطية، ولا يكاد يبين. حتى جاء أمر أمريكا أخيرا بإنهاء سيطرة الثوار على حلب، وجاء الأمر لتركيا أن تقوم بما يلزم، وظهر مجرمها من خلف الستار، وبانت أنيابه وإذا به ذئب يرعى مع ذئاب في ساحات الشام.
أما الفصائل التي انساقت وراء تركيا إما تبعية وإما خضوعا لمالها، فأقل ما يقال فيهم إنهم أبوا أن يكونوا مع الذين قال الله فيهم ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.
وأما أولئك الذين دارت عليهم الدوائر ووقعوا ضحية التآمر من قوى الشر بعد أن ناصبوهم العداء لا لشيء إلا لأنهم يقولون ربنا الله، فعسى أولئك أن يكونوا من الذين يبعثهم الله مقاما محمودا، وينصرهم نصرا عزيزا، ويجعلهم الأعلون بعد أن مسهم قرح ومصيبة. ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. محمد ملكاوي
المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/radio-broadcast/news-comment/41230