تأملات في قوله تعالى : ﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآبًا﴾
يتسلل اليأس إلى نفس بعض المسلمين حين يرون المجرمين يصولون ويجولون في الدنيا دون حساب أو عقاب، بل هم في بطشهم وغيهم مستمرون لسنين طوال، ثم يرونهم يتقلبون في النعيم والسلطة، لكن حين يقرأ المؤمن كلام الله عز وجل خالق السماوات والأرض متوعداً الطغاة بالعذاب الآليم، فمنهم من يؤخر إلى يوم القيامة، ومنهم من يعجل بعذابه في الدنيا ثم يرد إلى جهنم في الآخرة، نعلم أن عدالة الله لا بد محققة.
هؤلاء الطغاة الذين حاربوا دين الله، و قتلوا المؤمنين لا لشيء إلا أنهم أرادوا الإنفكاك عن قيد الكفر وإقامة شرع الله، طغاة موجودون على مر الزمان من فرعون إلى أبو جهل وأبو لهب وليس انتهاء ببشار وأسياده وأعوانه، قال تعالى: ﴿ إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلطَّاغِينَ مَآبًا * لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا * إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا * فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا ﴾ سورة النبأ.
وقد روى ابن كثير في تفسيره قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه لهلال الهجري ما تجدون الحقب في كتاب الله المنزل ؟ قال نجده ثمانين سنة، كل سنة اثنا عشر شهراً، كل شهر ثلاثون يوماً، كل يوم ألف سنة، وهكذا روي عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وابن عباس. ثم يروي ابن كثير رحمه الله عن زهير عن سالم قوله سمعت الحسن يُسأل عن قوله تعالى " لابثين فيها أحقابا " قال: أما الأحقاب فليس لها عدة إلا الخلود في النار، وقد قال قتادة والربيع بن أنس أن بعد هذه الأحقاب الطويلة من العذاب يحدث الله عز وجل لهم بعد ذلك عذابا من شكل آخر ونوع آخر، ثم قالوا والصحيح أنها لا انقضاء لها.
نعم فالطغاة يحاربون الله ورسوله في الدنيا سنوات معدودات، ثم ينصر الله عباده حين ينصرون دينه ويتبرأون من أعداءه، ليلقى المجرمون عذابهم المحتوم في نار جهنم أحقاباً لاعدّ لها، لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً، إلا حميماً وغساقاً، فأبشروا أيها المظلومون بعدل الله القادم، واصبروا على ما ابتلاكم حتى ينصركم الله في الدنيا وتكونوا من الذين قال عنهم في الآخرة: ﴿ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴾ النبأ.
المكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا