• عندما تقترب الثورة من إكمال عامها السادس، وتتراكم فيها الأخطاء، وتكثر الانحرافات ولا يُنكَر على المخطئين، ولا يؤخذ على أيدي الظالمين متجاهلين تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: "إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله تعالى بعذاب منه" رواه أبو داود والترمذي والنسائي. فاعلم أن بوصلة الثورة قد بدأت بالانحراف.
• عندما ينهزم البعض من داخلهم، ويصلون إلى قناعة أنّنا لا نستطيع إسقاط النظام بدون إذن ودعم ورضى الدول الغربية، وأنه لا ثورة بغير دعم، مع أن الثورة حققت من غير دعم أضعاف ما حققته بعد الحصول على الدعم الذي ما قُدِّم للثورة إلا لحرفها عن مسارها ومصادرة قرارها، وربطها بالدول الإقليمية العميلة تمهيدًا لإنهائها، ونـتجاهل قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ)... فاعلم أنّ بوصلة الثورة قد بدأت بالانحراف.
• عندما تتناسب فتاوى الشرعيين مع إملاءات الداعمين وتوجيهاتهم، وتُستخدم هذه الفتاوى لتبرير كل تنازل وتمرير كل عمل يهدم الثورة باسم "المصالح والضرورات" ويسكت العلماء عن هذا متناسين قول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ)، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم "من كتم علمًا ألجمه الله بلجام من نار"... حديث صحيح رواه أحمد، فاعلم أن بوصلة الثورة قد بدأت بالانحراف.
• عندما نتوهم أن حل مشاكلنا بأيدي أعدائنا من الدول الغربية وأممها المتحدة، ويفقد بعض قادة الفصائل الكبيرة قرارهم، وتصبح قرارات الداعمين والدول الإقليمية والغربية هي الموجهة لأعمالهم. فتبقى عاصمة النظام ومناطق شبيحته ومجرميه مناطق آمنة وخطوطًا حمراء، ويسير هؤلاء القادة خلف أنظمة تتغنى بالعلمانية وتحكم بغير ما أنزل الله وتتبنى الحل السياسي الأمريكي، ويصبح هذا الحل الخبيث سقفًا للثورة، وننسى قوله تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)، فاعلم أن بوصلة الثورة قد بدأت بالانحراف.
• عندما يصبح محاربة ما يسمى الإرهاب أولى من إسقاط النظام المجرم إرضاء للدول الإقليمية، ومن ورائها الغرب الكافر، فنخوض معارك تحقق مصالح الغرب وتخدم مخططاتهم في تشتيت جهود الثوار وتفريق صفهم وشغلهم عن فك الحصار عن إخوانهم وإسقاط النظام متجاهلين قول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً)، فاعلم أن بوصله الثورة قد بدأت بالانحراف
• عندما نرضى بالعلمانيين نزلاء الفنادق ورواد السفارات ممثلين سياسيين للثورة وناطقين باسم المجاهدين على أرض الشام. ونتناسى قوله عليه الصلاة والسلام: "إذا وسّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة"، فاعلم أن بوصلة الثورة قد بدأت بالانحراف.
• عندما لا ندرك أهمية وجود مشروع واضح وهدف بَيّن وطريق للوصول اليه، وعندما لا نفكر كيف تسقط الأنظمة وكيف تقام الدول، فنسير وفق ما يرسمه لنا أعداؤنا، ونسلك الطريق التي نظن أنها الخلاص وهي هلاكنا، ونحول أنفسنا لأدوات لتحقيق أهداف ومصالح الآخرين دون أن ندري، والله سبحانه وتعالى يقول (وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فاعلم أن بوصلة الثورة قد بدأت بالانحراف.
• عندما تصبح الدعوة إلى الخير "فتنةً"، وكشف المكائد والمؤامرات "تنظيرًا"، وطرح المشروع السياسي الإسلامي الواضح "كلامًا ووهماً "، والتحذير من تقديم التنازلات وإضاعة الدماء "شقًّا للصف"، ولا يجد الناصح - الداعي إلى الله على بصيرة- من آذان القائمين عليها إلا صمماً، بينما يصبح السكوت على الباطل وتزيينه والتصفيق له "حكمة" و"كياسة"، متجاهلين قول الله سبحانه وتعالى: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، فاعلم أن الثورة قد بدأت بوصلتها بالانحراف.
أيها المسلمون الصابرون في أرض الشام.. لقد بدأ الخرق يتسع، وتوشك سفينة الثورة على أن تفقد وجهتها وتتيه في بحر تآمر الأعداء عليها، ولا نجاة لنا - والله - إلا بإخلاص العمل لله وحده، والتمسك بحبله المتين، وقطع جميع حبائل الكافرين.
إن الدماء التي أريقت، والتضحيات التي بذلت، والبيوت التي هدمت، والأطفال التي يتمت، والعائلات التي هجرت، والأعراض التي انتهكت، هذه جميعها نحن أهلها وأصحابها، فكيف نسمح لأحدٍ كائنًا من كان أن يتاجر بها؟ أنرضى بعد كل ذلك أن نحكم بالكفر والقمع والظلم من جديد؟! هل حقًا سيهون علينا كل ذلك من أجل الحصول على حياة ذليلة يرسم لنا أعداؤنا أدق تفاصليها، ويُروِّجونها لنا بحلّهم السياسي الخبيث، مدعين زورًا وبهتانًا أنهم يريدون إنهاء مآسينا وهم جميع أسبابها؟ أم أننا سنستمسك بالحق الذي أوجبه الله علينا، فأعلناه منذ بداية ثورتنا بأن قائدنا للأبد سيدنا محمد؟ معلنين للعالم أجمع أننا ماضون في ثورتنا حتى تحقيق جميع أهدافها وثوابتها التي ترضي ربها، وهي:
أولاً: إسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه. ثانياً: إقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة. ثالثاً: التحرر من دول الكفر وإنهاء نفوذها.
أيها المسلمون الصابرون في الشام: نعم هذه هي الحقائق المـُــــرّة التي يجب أن تدفعنا دفعاً إلى إعادة تصحيح اتجاه البوصلة، وتعرّفنا بمسؤولياتنا العظام أمام عظيم التضحيات التي نقدمها في الشام، وهي أن يأخذ كلٌّ منا دوره لمنع المتسلقين من خطف ثورتنا وبيع تضحياتنا .. فنحن في مركب واحد، ننجو جميعًا أو نغرق جميعًا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقًا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعًا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعًا)) رواه البخاري.
والواجب اليوم هو العمل الجاد لتصحيح المسار، وتوجيه القادة، ومحاسبة المخطئين، ومحاكمة المجرمين البائعين تجار الحروب، وتوحيد صفوف المتفرقين حول المشروع السياسي الواضح المستنبط من كتاب الله وسنة نبيه الكريم، المشروع الذي لا تفرضه غرف الموك والموم، ولا تمليه سياسات الدول الغربية، ولا يخضع للهوى وحظوظ النفس، بل المشروع الذي يحفظ الدماء ويصون الأعراض، وينقذ الأمة من نير العبودية للغرب الكافر، إنه مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة الذي نقدمه لكم نحن إخوانكم في حزب التحرير .. ولا نزال نُعَوِّل في ذلك على وَعيِكم يا أهلنا في الشام ويا إخواننا المجاهدين، وعلى إخلاصكم لله وحده وعلى ثباتكم في الميدان، فأنتم في هذا الصراع بيضة القبان التي تثقل الكفة التي تنحاز إليها، وأنتم الذين ستفشلون مشاريع الكفر وتهزمون أزلامه، وتقيمون مشروع الإسلام وتنصرون حملته.
فإلى عزّ الدنيا والآخرة، إلى خلافة راشدة على منهاج النبوة، إلى نصر من الله وفتح قريب، إلى جنةٍ عرضها السموات والأرض، ورضوان من الله أكبر... ندعوكم أيها المسلمون. فثقوا بوعد ربكم، وثقوا ببشرى رسولكم عليه الصلاة والسلام، وأعلموا أن نصرنا بيد ربّنا وحده فاطلبوه منه وحده، (إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُم) ومن غيره خذلانًا (وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون) فاستعينوا بالله واصبروا واذكروا وتدبروا قول الله عز وجلّ: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ).
4/ محرم / 1438هـ
5/ 10/2016 م
حزب التحرير
ولاية سوريا
التسجيل المرئي: