إن ما تمر به الأمة الإسلامية اليوم من مصائب جسيمة ومحن عظيمة، ليؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنها أشدّ ما تكون بحاجة إلى دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، الدولة التي تحمي المسلمين وتصون أعراضهم، وتحمل الإسلام رسالة إلى العالم، رسالة رحمة وهداية كما حملها رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون من بعده طيلة ثلاثة عشر قرناً.
لقد باتت حال المسلمين لا تخفى على أحد، يتآمر عليهم القريب والبعيد، وتتداعى عليهم الأمم حتى الضعيفة منها، بلادهم منهوبة الخيرات، مسلوبة الإرادة، يرتع فيها الكفار المُستعمرون ويعيثون فيها فساداً وإفساداً، ومعهم من أبناء جلدتنا نواطير وعملاء يتفانون في خدمة الأعداء، تآمروا معهم لمحاربة دين الله والعاملين لتحكيم شرع الله، سخّروا كل إمكانياتهم وجهودهم للقضاء على كل تحرك مخلص من أبناء الأمة وما ذلك إلا خدمة لأسيادهم.
ولم يقتصر إجرامهم على ذلك بل تعداه إلى الانخراط بالحرب الفكرية التي يشنّها الغرب على المسلمين، مسخرين من أجل ذلك علماء السلاطين ووسائل الإعلام التي تأخذ دورها في تضليل المسلمين وإبعادهم عن دينهم.
أيها المسلمون الصادقون:
إنه لمن المؤكد أن السير في ركاب الغرب، وتبني أفكاره واتباع قراراته والخضوع لمنظماته، لن ينقذ الأمة الإسلامية من هذا الواقع الذي تقاسيه، بل في ذلك الخسران المبين،
قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}،
وكذلك لن يُخلِّص الأمة من مآسيها القنوطُ واليأس والاستسلام وانتظار ما يؤول إليه الحال، فليس في ذلك خلاص أمة من الأمم، بل في ذلك ذل وهوان وتسلط الأعداء الحاقدين والحكام المأجورين على ديننا ومصيرنا وأعراضنا.
وإنه لن ينقذنا مما نحن فيه ولن يصلح حال الأمة اليوم إلا بما صلح به أولها، حكم بالإسلام، في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة. بها وحدها يكون الإسلام مجسدا في واقع الحياة بدولة تطبقه وترعى به شؤون رعاياها وتحمله رسالة هدى ونور للآخرين. وبها وحدها نجمع شتاتنا وتفرقنا تحت راية واحدة وبها وحدها نرد كيد أعدائنا ونقطع أيديهم التي تحاول النيل منا، وبإقامتها تعود أمتنا خير أمة أخرجت للناس،
قال صلى الله عليه وسلم: "... وَإِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ..."،
فالخليفةُ والخلافة جُنة، أي وقاية، ومن كانت له وقاية، فهو بإذن الله منصور في النهاية، لا تضيع حقوقُه، ولا بلاده، ولا يجرؤ أن يقتربَ منه أعداؤه. وتاريخ الخـلافة دليل قاطع على ذلك فقد حطمت دولتي الروم والفرس، وفتحت البلدان والأمصار وحكمتهم بعدل الإسلام.
أيها المسلمون في الشام:
لقد شاهدتم وعاينتم ما فعل الغرب بكم عندما أعلنتم ثورةً على صنيعتهم بشار، فكان جزاؤكم القتل بكل أنواع الأسلحة المحرمة وغير المُحرمة، ومن ثم التهجير والتشريد والذي تمّ بتآمر ممن ادّعى صداقتكم، وكذلك بتآمر من قادة الفصائل الذين زعموا أنهم حملوا السلاح دفاعا عنكم فوثقتم بهم وقدمتم لهم فلذات أكبادكم وخيرة شبابكم كي يقاتلوا معهم، ولكنهم تاجروا بتضحياتكم ورهنوا أنفسهم لأعداء ثورتكم ودينكم، ففقدوا إرادتهم وأصبحوا أدوات لخدمة مخططات أعدائكم بحجة المصالحات وحقن الدماء.
أيها المسلمون الصابرون على أرض الشام:
لقد طال ليل الظلم وبلغت القلوب الحناجر وانعدم النصير، وأنتم ترون تآمر الدول على ثورة الأمة وكيف أن وعودهم خداع وضمانهم سراب، وأكبر دليل مجازر الأمس في ريف حلب الغربي وريف إدلب، رغم نقاط المراقبة التركية وتحت سمعها وبصرها. ولن ينقذ الأمة مما هي فيه إلا ما أنقذ أسلافها من قبل، خلافة على منهاج النبوة إنها فرض ربنا ومبعث عزنا وسبيل خلاصنا الوحيد, بإقامتها نرد كيد أعدائنا ومكرهم، ونسير ليس في طريق الخلاص الحقيقي فقط بل في طريق العزة والنصر، فهي طوق نجاتنا وطريق خلاصنا، إنها حصنكم الذي تلوذون به، وهي فوق كونها ضرورة يتحتم على من يسير في طريق النصر أن يعمل لإقامتها، هي فرض وأي فرض، إنها تاج الفروض، وعزّ الدنيا وفوز الآخرة، فكونوا مع العاملين لإقامتها بأقوالكم وأفعالكم، ولتأخذوا على ذلك ميثاقاً فيما بينكم وميثاقاً مع ربكم، ولتأخذوه بقوة وتتمسكوا به، فهو طوق النجاة، وطريق الخلاص حقّاً وصدقاً.
2 ذو الحجة 1439هـ
13 آب 2018 م
حزب التحرير
ولاية سوريا