أعلن الرئيس التركي، أردوغان، أن أنقرة مستمرة بإنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كم على طول حدود البلاد الجنوبية مع سوريا. مضيفاً أن تركيا تستعد لشن عملية عسكرية جديدة للرد على الهجمات التي تهدد أمن تركيا القومي، مضيفاً: "سننجز الحزام الأمني على طول حدودنا مع سوريا في أسرع وقت ممكن". وأقره على ذلك مجلس الأمن القومي التركي.
فيما قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، إن "من شأن تصعيد كهذا أن يعرض أرواح العسكريين الأمريكيين المنتشرين في المنطقة للخطر". وأضاف: "ندين أي تصعيد، ونؤيد الإبقاء على خطوط وقف إطلاق النار الراهنة".
أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف فقد أكد أن موقف بلاده من العملية العسكرية التركية المرتقبة شمال سوريا، يتوافق إلى حد بعيد مع تركيا بهذا الشأن. مضيفاً "أن روسيا تولي أهمية لمخاوف تركيا المشروعة من وجود التنظيمات الإرهابية التي تدعمها واشنطن على حدودها الجنوبية". رغم تصريح آخر لقائد القوات الروسية في سوريا العماد "ألكساندر تشايكو" أكد فيه خلال اجتماعه يوم الثلاثاء بمظلوم عبدي، القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، رفض بلاده أي عملية عسكرية جديدة داخل الأراضي السورية.
لتخرج مؤخراً نائبة مستشار وزارة الخارجية الأمريكية باربرا ليف رداً على سؤال أحد أعضاء لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي حول إمكانية تراجع تركيا عن العملية العسكرية شمال سوريا: "نبذل قصارى جهدنا لثني الحكومة التركية عن العملية العسكرية، فهي ستعرض المهمة الأمريكية في سوريا للخطر. لكن لنكن صريحين، فهم (الأتراك) لا يتراجعون".
أيها المسلمون في أرض الشام المباركة:
رغم التصريحات المتناقضة التي أطلقها المسؤولون الأمريكان ومن بعدهم الروس، والتي تعطي إيحاءات متناقضة بشأن العملية العسكرية التي تلوّح تركيا بالقيام بها لإقامة منطقة آمنة في الشمال السوري، إلا أن هناك حقائق ثابتة يجب أن لا تغيب عن أذهان أبناء ثورة الشام:
أولاً: إن الدول جميعها التي تدخلت في ثورة الشام إنما تدخلت للقضاء عليها وللمحافظة على نظام العمالة والإجرام في دمشق.
ثانياً: إن الدور التركي الذي تزيّن بثوب الصديق إنما كان للتآمر على ثورة الشام وخداعها، وجرها إلى منزلقات بعيدة عن أهدافها، وعما خرجت من أجله، وذلك خدمةً لأمريكا وتحقيقاً لما أمكن من مصالحها وأمنها القومي.
ثالثاً: إن المنطقة الآمنة التي تسعى تركيا لإقامتها، والتي تحاول تنفيذ فكرتها على حدودها الجنوبية في شمال سوريا، إنما تسعى لإقامتها من أجل حماية أمنها القومي لا غير، وتتداخل في هذا الوقت اعتبارات انتخابية يحاول أردوغان من خلالها رفع شعبيته المتدنية. وهي بالتأكيد ليست خدمةً لثورة الشام ولا حرصاً على أهلها.
رابعاً: إن الدول التي تجعل سياستها في خدمة مخططات الدول الكبرى، وتربط سياساتها بسياسات هذه الدول، وتنتظر الموافقة الدولية على تنفيذ رغباتها وقراراتها، هي دول مترددة وعاجزة عن أن تحقق مصالحها الحقيقية، فتركيا دولة تمتلك الإمكانيات الكبيرة، من جيش وطاقات وقدرات، ولكنها لا تزال تنتظر موافقة أمريكا والدول الفاعلة لتحقق رغبتها في إقامة المنطقة الآمنة.
خامساً: إن أس الداء وسبب البلاء الذي حلّ بثورة الشام هو الارتباط بالدول الداعمة وتخلِّي من توسّد أمر الثورة ممن عشعشت في أذهانهم فكرةُ استحالة انتصار الثورة دون دعم دولي، فاستسلموا لذلك، وجاء المال السياسي القذر ليقضي على ما تبقى في نفوسهم من خير، فتخلوا عن استقلالية القرار، واغتصبوه من أهل الثورة وسلموه للدول الداعمة ومخابراتها، ورضوا أن يكونوا خدماً لها، فمكّنوها من تحقيق مخططاتها التآمرية على ثورة الشام.
سادساً: لقد خرجت الثورة لإسقاط نظام الإجرام، وما لم تتمكن من تحقيق ثوابتها وتسقط نظام الظلم والقتل والإجرام، وتقيم نظام الإسلام، نظام العدل، مكانه، فستضيع كل تضحيات أهل الشام العظيمة سدى.
وليس تحرير منطقة ضاقت أو اتسعت نصراً للثورة وحاضنتها. فتحرير بلدات كـ(منبج وتل رفعت وما حولها) كما يشاع، وعودة أهلها المهجرين إليها أمر جيد بلا شك، ولكنه أمر خطير إذا كان مكراً من أعدائنا للقضاء على جذوة الثورة في نفوس أبناء هذه المناطق وما حولها، وفي نفوس حاضنة الثورة، باعتبار أن ذلك كما يصوره المتآمرون أقصى ما يمكن تحقيقه.
سابعاً: إن انكشاف الداء الذي تعاني منه ثورة الشام، يؤدي إلى معرفة الدواء والعلاج الناجع بإذن الله عز وجل. وإن أهم ما يلزم ثورة الشام اليوم هو القيادة السياسية الواعية التي تتوكل على ربها، وتتمسك بحبل الله المتين وحده، وتقطع حبائل ما سواه. قيادةٌ تؤمن بإمكانيات أهلها وإخوانها وكل أمتها، فتعمل معهم ومن أجلهم. قيادةٌ تدرك مكر أعدائها ومخططاتهم فتكشفها للناس وتحذر منها وتفشلها، وتسير مع المخلصين من أبناء أمتها على بصيرة، لأنها تمتلك مشروعاً واضحاً مبلوراً تجتمع عليه كافة الشرائح والطاقات، فيصهرها جميعها، في بوتقة واحدة للسير نحو تحقيق الأهداف والثوابت، على هدى وبصيرة، وفق طريقة شرعية واضحة مستقيمة، هي جزء من مشروع الأمة المنبثق من عقيدتها، والذي يرضي ربنا وحده ولا يلتفت لرضا غيره أبداً.
ثامناً: نقول لأهلنا الثائرين الصابرين المحتسبين إن إخوانكم في حزب التحرير، الذي عرفتموه دائماً، الرائد الذي لا يكذب أهله، قد عملوا على بلورة مشروع واضح، متبنين طريقة رسول الله ﷺ لإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي ستجعل هذا المشروع واقعاً عملياً مطبقاً، بجهود أبناء الأمة المخلصين الذين وهبوا أنفسهم لله وساروا على هدي قائدنا وسيدنا ونبينا محمد ﷺ، وهم يؤمنون بوعد الله عز وجل، ويصدقون بشرى رسول الله ﷺ، ويثقون بأبناء أمتهم، وأن النصر لن يكون إلا على أيدي المخلصين الصادقين منهم المتوكلين على الله وحده لا سواه، وإنه لآت قريبا بإذن الله.
فضعوا أيديكم في أيديهم من أجل نصرة ديننا وإقامة صرح مجدنا ومبعث عزنا وتحقيق خلاصنا وفوزنا.
قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾.
أحمد عبد الوهاب
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير
في ولاية سوريا
السبت، 12 ذو القعدة 1443هـ
11/06/2022م
رقم الإصدار: 1443 / 10