المادة 40: الأمـور التي يتـغـير بها حال الخليفة فيخرج بها عن الخـلافة ثلاثة أمور هي:
أ - إذا اختل شرط من شروط انعقاد الخلافة، كأن ارتد، أو فسق فسقاً ظاهراً، أو جن، أو ما شاكل ذلك. لأن هذه الشروط شروط انعقاد، وشروط استمرار.
ب - العجز عن القيام بأعباء الخلافة لأي سبب من الأسباب.
جـ - القهر الذي يجعله عاجزاً عن التصرف بمصالح المسلمين برأيه وفق الشرع. فإذا قهره قاهر إلى حد أصبح فيه عاجزاً عن رعاية مصالح الرعية برأيه وحده حسب أحكام الشرع يعتبر عاجزاً حكماً عن القيام بأعباء الدولة فيخـرج بذلك عـن كـونـه خليفةً. وهذا يتصور في حالتين:
الحالة الأولى - أن يتسلط عليه فرد واحد أو أفراد عدة من حاشيته فيستبدون بتنفيذ الأمور. فإن كان مأمول الخلاص من تسلطهم ينذر مدة معينة ثم إن لم يرفـع تسـلطـهم يخلع. وإن لم يكن مأمول الخلاص يخلع في الحال.
الحالة الثانية – أن يصير مأسوراً في يد عدو قاهر، إما بأسره بالفعل أو بوقوعه تحت تسلط عدوه وفي هذه الحال ينظر فإن كان مأمول الخلاص يمهل حتى يقع اليأس من خلاصه فإن يئس من خلاصه يخلع وإن لم يكن مأمول الخلاص يخلع في الحال.
الدليل عليها هو النصوص التي وردت في شروط الخليفة، فإن هذه النصوص تدل على أن هذه الشروط شروط استمرار وليست شروط تولية فحسب. فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حين قال: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» أخرجه البخاري من طريق أبي بكرة كان كلامه شاملاً الولاية، فما دام والياً لا يصح أن يكون امرأة، فإذا صار الرجل وهو حاكم امرأة بسبب من الأسباب فقد فَقَدَ هذا الشرط وصار واجب العزل، وكذلك فإن الله حين قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء 59] كان قوله منكم إلى جانب أولي الأمر كلاماً واضحاً في لزوم الإسلام لولي الأمر ما دام ولياً للأمر، فإذا أصبح ولي الأمر ليس منا، أي أصبح كافراً فقد ذهبت الصفة التي اشترطها القرآن لولي الأمر ففقد شرط الإسلام فصار معزولاً عن ولاية الأمر لأنه لا يصح أن يكون ولي أمر وهو ليس منا أي ليس مسلماً. وهكذا جميع النصوص التي وردت في شروط الخليفة هي نصـوص شـاملة تشـتمل على صفات دائمة لازمة للموصوف مما يدل على أنها شـروط استمرار وليست شروط ولاية فحسب، وعلى ذلك تكون أدلة شروط الخليفة أدلة كذلك لعزله، فإن وجودها شرط لانعقاد الخلافة وشرط لاستمرارها لإطلاق النصوص، وفقدانها يفقد استمرارها فيمنع بقاء من ولي بحسبها في ولايته. وهذا هو دليل الفقرة (أ) من هذه المادة.
وأما الفقرة (ب) فدليلها هو أن عقد الخلافة إنما كان على القيام بأعبائها فإذا عجز عن القيام بما جرى العقد عليه وجب عزله لأنه صار كالمعدوم، وأيضاً فإنه بعجزه عن القيام بالعمل الذي نصب له خليفة تتعطل أمور الدين ومصالح المسلمين، وهذا منكر تجب إزالته، ولا يزول إلا بعزله حتى يتأتى إقامة غيره، فصار عزله في هذه الحال واجباً. إلا أنه ينبغي أن يعلم أن هذا غير مرتبط بسبب معين، بل كل ما يصاب به من شيء يجعله عاجزاً عن القيام بعمله يستوجب عزله، فإذا لم يجعله عاجزاً لا يعزل، ولهذا لا يقال إن فقد أعضاء الجسم يستوجب العزل أو لا يستوجب العزل، كما لا يقال إن الإصابة بمرض معين يستوجب العزل أو لا يستوجب العزل، فإنه لم يرد نص بشيء منها مطلقاً، وإنما الحكم الشرعي أن العجز عن القيام بالعمل الذي نصـب له هـو الذي يسـتوجب عزله أياً كان سبب هذا العجز، وهذا ليس خاصاً بالخليفة، بل هو عام في كل من نصب على عمل سواء أكان نصب حاكماً كالوالي أو نصب أجيراً كمدير الدائرة. فإن العجز يستوجب العزل.
وأما الفقرة (جـ) فإن دليل الفقرة (ب) هو دليل لها أيضاً. وذلك أن العجز عن القيام بالعمل الذي نصب له الخليفة قسمان: عجز حقيقة، وعجز حكماً. أما العجز حقيقة فهو أن يكون عجزاً جسمياً، أي يفقد القدرة الجسمية على القيام بالعمل، وهذا ما جاء في الفقرة «ب» وأما العجز حكماً فهو أن يكون قادراً جسمياً على القيام بالعمل ولكنه عاجز عن التصرفات للقيام بالعمل، فيكون حكمه حكم العاجز حقيقة، لأنه لا يستطيع أن يباشر بنفسه القيام بالعمل الذي نصب له لعجزه عن التصرف بأمور نفسه فيصبح كالمعدوم، ولذلك وجب عزله. وهذا له حالتان: إحداهما حالة الحجر والأخرى حالة القهر. أما حالة الحجر فهي أن يستولي عليه من أعوانه من يستبد بتنفيذ الأمور ويمنع الخليفة من مباشرة التنفيذ ويصبح هذا المستبد هو المباشر لمنصب الخلافة. فيكون الخليفة في هذه الحال كالمحجور عليه الممنوع من التصرفات القولية، وبما أن عقد الخلافة إنما جرى على شخص الخليفة فيجب أن يباشر الخلافة بنفسه، وبهذا الحجر عليه أو الاستبداد من أعوانه فقد القدرة على القيام بما نصب له من العمل، ولذلك صار كالمعدوم ووجب عزله. إلا أنه في هذه الحال ينظر فإن كان هناك أمل بإزالة المستولي عليه من الاستيلاء عليه وبفك حجره فإنه يمهل مدة فإن لم يفك حجره يعزل. وأما إن لم يكن هناك أمل فإنه يعزل في الحال.
وأما حالة القهر فهو أن يصير مأسوراً في يد عدو قاهر لا يقدر على الخلاص منه فيمنع ذلك من استمرار عقد الإمامة له لعجزه عن النظر في أمور المسلمين، سواء أكان العدو من الكفار، أم من البغاة، وفي هذه الحال وجب على كافة الأمة استنقاذه إما بقتال أو فداء فإن وقع الأياس منه عزل في الحال إن كان مأسوراً لدى كفار، أما إن كان مأسوراً لدى بغاة ينظر فإن كان لهم إمام ووقع الأياس منه عزل في الحال، وإن لم يكن لهم إمام فإنه يكون حكمه حكم حالة الحجر، أي يمهل مدة فإن لم يفك أسره يعزل.
هذه هي أدلة الفقرات الثلاث وهي في جملتها أدلة شروط الخلافة، فإن القدرة على القيام بما نصب له شرط كذلك، وعجزه عن القيام بما نصب له من عمل فقدان لهذا الشرط. إلا أنه ينبغي أن يلاحظ أن فقدان بعض هذه الشروط يخرجه عن الخلافة أي يفسخ عقدها في الحال، وفقدان بعضها لا يخرجه عن الخلافة ولكنه يوجب عزله. فارتداده عن الإسلام، وجنونه جنوناً مطبقاً، ووقوعه أسيراً في يد كفار أسراً جسمياً بأن يكون شخصه في يدهم وهو غير مأمول الفكاك فإنه في هذه الأحوال الثلاث يخرج عن الخلافة وينعزل في الحال ولو لم يحكم بعزله، فلا تجب طاعته، ولا تنفذ أوامره، فقد فسخ عقد الخلافة عنه. وأما جرح عدالته بأن يصبح ظاهر الفسق، أوتحوله إلى أنثى أو خنثى مشكل أو جنونه جنوناً غير مطبق أو عجزه عن الخلافة عجزاً حقيقياً، أو حجره باستيلاء فرد أو أفراد من حاشيته عليه واستبدادهم بتنفيذ الأمور، أو وقوعه أسيراً أسراً جسمياً مأمول الفكاك، أو وقوعه تحت نفوذ كفار يسيرونه فإنه في هذه الأحوال السبعة يجب عزله عند حصول أية حالة منها، ولكنه لا ينعزل إلا بحكم حاكم، وفي جميع هذه الأحوال السبعة تجب طاعته، ويجب تنفيذ أوامره إلى أن يصدر حكم بعزله. لأن كل واحدة من هذه الحالات لا ينفسخ فيها عقد الخلافة من نفسه بل يحتاج إلى حكم حاكم. والفرق بين الشروط التي فقدانها يخرجه عن الخلافة والشروط التي فقدانها لا يخرجه عن الخلافة ولكنه يجعله مستحقاً للعزل هو أن الشروط التي فقدانها يجعل العقد مما لم يشرع بأصله ووصفه، بأن كانت راجعة إلى العقد أو ركن من أركانه فإن العقد في هذه الحال يكون باطلاً، فإذا لم يتوفر حين انعقاد الخلافة بطل العقد ولم ينعقد، وإذا طرأ أثناء الخلافة بطل العقد وفسخ من ذاته. وذلك كشرط الإسلام وشرط العقل وشرط القدرة على مباشرة العمل نفسه. وأما الشروط التي فقدانها لا يجعل العقد مما لم يشرع بل يكون أصله مما شرع ولكنه يجعله مما لم يشرع بوصفه، بأن كان غير راجع إلى نفس العقد ولا إلى ركن من أركانه، ولكنه راجع إلى صفة ملازمة له فإن العقد في هذه الحال لا يكون باطلاً وإنما يكون فاسداً. فإذا لم يتوفر حين انعقاد الخلافة تنعقد الخلافة ولكنها تكون فاسدة يحتاج فسخها إلى حكم حاكم، وكذلك إذا طرأت أثناء الخلافة يصبح العقد فاسداً ولكنه لا ينفسخ من نفسه وإنما يحتاج فسخه إلى حكم حاكم، وذلك كشرط الذكورة وشرط العدالة وما شاكلها. ومن هنا جاء الفرق بين تغيّر حال الخليفة تغيراً يخرجه عن الخلافة وبين تغير حاله تغيراً لا يخرجه عن الخلافة وإنما يجعله مستحقاً للعزل.