كلمات غاضبة
بقلم: الطيب لبيب
«الخلافة وعد ربّكم، وبشرى نبيّكم، وقاهرة عدوكم وصانعة عزكم»، تحت هذا الشعار المرفوع بخط بارز في مكان يعج بالحركة المرورية والتجارية وقف شاعر عكاظي سياسي في زي داعية يستميل قبول العابرين، وفي نقل صورة مثيرة دون روتوشات وهبتها السماء المفتوحة ألوانها وافرازاتها رأيت ـ خوفا من التجني ـ أن لا يكون غضبي صيدا في المياه الملوثة كما يزعمون وأن لا أكون بالتالي ناقدا ولا معلقا مكتفيا باختلاس عناوين المنشورات الدعائية المعروضة على قارعة الطريق يوم تبضع المدينة من سوقها.
وإذ تيسر وسط التدافع الفضولي الوقوف على المعروض فقد خطفت منه ـ على عجل ـ عناوين رمزية جاءت في طباعة محترمة يقول بعضها: الثوابت الوطنية ليست من الاسلام في شيء / مفاهيم حرب التحرير / نقض مجلة الاحوال الشخصية / الاموال في دولة الخلافة / أجهزة دولة الخلافة في الاسلام / خارطة طريق في سوريا لإقامة دولة الخلافة / وعلى أغلفة المطبوعات إشارة الى واضع بعضها: المهندس هشام البابا رئيس المكتب الاعلامي لحزب التحرير، ولاية سوريا. ورفعت رأسي عاليا فنقلت من اللافتة الكبيرة قوله تعالى: «أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون» وكان الكلّ الدعوي مغلفا ببادرة من حزب التحرير تحت راية سوداء.. انتقيت بعدها كتيّبا في حجم الكف ثري عنوانه «الثوابت الوطنية ليست من الاسلام في شيء» لأختلي به مع صفاء ذهني.
في الصفحة الأولى نفى المؤلف أن يكون لعبارة «الثوابت الوطنية» أي مدلول أو معنى في النص القرآني أو كتب الحديث والتفسير. ثم أبحر بحثا عن مفهوم «الوطن» عبر المعاجم والموسوعات وكتب السيرة مستشهدا بما جاء في «لسان العرب» ومعجم الصحاح للجوهري وتهذيب اللغة للأزهري وغيرها لنقل اجماعها عل أن «الوطن هو المنزل يقيم به الانسان والجمع أوطان، وأوطان الأغنام مرابضها التي تأوي اليها» ثم أكد «أن المسلمين لم يكن لهم قبل هدم الخلافة أي معنى لكلمة الوطن غير هذا المعني الذي هو مكان السكن والاقامة ومكان الحلول في السفر ولم يرد في القرآن أي استعمال لهذا اللفظ. أما رسول الله عليه الصلاة والسلام فقد اعتبر مكّة محل سفر وقصّر فيها الصلاة أي لم يعتبرها وطنا».
ويذكر الداعية أن «مصطلح الوطنية إنما ظهر في المجتمع الاوروبي على اثر تطوّرات فكرية وسياسية أدت الى اعتبار الوطن بلدا ترتبط فيه جماعة من الناس ببعضها وتلتزم بسيادته وطاعة الحاكم في سعي من السياسيين والفلاسفة الى كسر شوكة الكنيسة المهيمنة والحد من تدخلها في الحياة العامة في المجتمعات الأوروبية وذلك على إثر الصراعات الدموية التي دامت عقودا والتي توجت بتكريس مفهوم فصل الدين عن الدولة».
وبناء على هذه النظرية العلمانية (حسب قوله)، قام المفكرون والفلاسفة امثال روسو وفولتير ومونتسكيو بوضع أسس نظرية العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم ضمن قوانين دستورية على الحاكم أن يحترمها».
هكذا يرى هشام البابا «أن أدعياء فكرة الوطنية انما أرادوا أن يبتدعوا فكرة يكرسون فيها الكائنات التي أقامها الكافر المستعمر في بلادنا بعد أن قسمها الى دويلات هزيلة فحرّفوا كلمة «الوطن» لتفتيت الامة الى دويلات مع أن الاسلام حرّم أن يكون للمسلمين أكثر من حاكم بل أمر بإطاحة رأس الحاكم الثاني إذا ظهر للمسلمين أمام يحكمهم، لأن الوطنية بهذا المعنى جعلت أهل كل بلد غير معنيين بما يجري في البلد المسلم المجاور..».
وهكذا اجتهد، م. هشام البابا، بولاية سوريا كما جاء على غلاف المنشور اجتهد في شرح معنى «الوطنية». بالعودة الى الجذور اللغوية والتاريخية تمهيدا للاقرار بأسبقية «الأمة» في حكم «الخلافة».. ولا أنكر أن اختلاسا معرفيا من صفحات كتيب مسيّس بحجم الكف قد أفادني.. نقلت لك بأمانة خلاصته عساها تفيدك.
جريدة الصريح التونسية اليومية...
السبت, 23 مارس/آذار 2013