تأتي محادثات جنيف الرابعة بعد ست سنوات على انطلاقة ثورة الشام، فهل ستكون كغيرها من المحادثات؟ أم أنها تحمل جديداً لأهل الشام؟ وهل سينتظر أهل سوريا ما يتمخض عن هذه المؤتمرات؟ أم أن لهم الحق في أن يقولوا غير ما يُملى عليهم؟
إن المتابع لأحداث ثورة الشام يجد اليوم انفراجة واضحة بين ما تعانيه الثورة وبين ما يتم طرحه في أروقة الأمم المتحدة في جنيف، بل يجد تناقضاً واضحاً بين ما يجري على أرض الشام وبين ما يتشدق به من يدعي تمثيل الثورة ويُفاوض عنها ويجلس مع عدوها وقاتل أطفالها.
هذا التباين والتناقض يدفع إلى التفكير في أصل المشكلة التي تعاني منها الثورة، ويدفع لمعرفة الأسباب التي أدت بثورة الشام إلى الوصول لطريق شبه مسدود، فالقصف والقتل الذي تعرض له أهل الشام وما زالوا يتعرضون له يؤكد أن الصراع لا يمكن أن تنهيه مفاوضات هنا أو محادثات هناك، بل إن هذا الصراع دفع المجتمع الدولي ليغض طرفه عن كل جرائم نظام أسد، بل وليشارك في ارتكابها، تحت ذريعة محاربة (الإرهاب)، فشدة هذا الصراع واحتدامه بين ثورة الشام وبين النظام المجرم ومن ورائه (المجتمع الدولي) تؤكد أنه صراع وجود وليس صراع مصالح، صراعٌ يقول فيه (المجتمع الدولي) إما أن أكون أو لا أكون، إذاً فهو صراع بين مبدأين مبدأ الغرب الرأسمالي من جانب ومبدأ الإسلام من جانب آخر.
إن معرفة طبيعة الصراع تلزم في تحديد عين المشكلة التي تعاني منها ثورة الشام، وتضع المجهر على الحلقة المفقودة في هذه الثورة، وإذا ما عدنا إلى بداية ثورة الشام، نجد أن الغرب الكافر عمد إلى صناعة قيادة سياسية، ودعمها وأظهرها للإعلام على أنها تمثل الثورة في الشام، وعقد لها المؤتمرات، واللقاءات، فقد كان المجلس الوطني، ومن ثم الائتلاف الوطني، ومن ثم هيئة التفاوض المنبثقة عن مؤتمر الرياض، وكانت مهمة هذه الفئة السياسية أن تقوم بتقديم التنازلات وتوقيع الهدن والمفاوضات، وهنا تكمن الطامة التي تعرضت لها الثورة، حيث إن القيادة السياسية لم تكن منبثقة عن الأمة ولم تحمل عقيدة الأمة كقيادة فكرية لها، لذلك وجدنا هذا التباين والاختلاف الواضح، بين ما عليه الثورة وبين ما تنطق به هذه الفئة السياسية، فرغم كل ما فعلته روسيا من قتل وتدمير في أرض الشام إلا أن هذه المعارضة السياسية خرجت لتقول إن روسيا هي طرف حيادي! فقد جاء ذلك على لسان مصطفى الشيخ وكذلك محمد علوش الذي ترأس وفد المعارضة في أستانة، واعتبر أن النظام وإيران تمنعان روسيا من أن تصبح طرفا محايدا؛ وفي الوقت الذي تعقد فيه المفاوضات المبنية على أساس وقف إطلاق النار، فإن طائرات الإجرام ما زالت تفعل فعلها وتقتل في أهل الشام.
حقاً إنها معادلة غريبة "قصف في سوريا ومفاوضات في جنيف"! ولا يحل هذه المعادلة سوى الوعي الذي يتبعه عمل على نبذ هذه القيادة السياسية ولفظها كما تلفظ النواة، والعمل على تبني قيادة سياسية واعية لثورة الشام، قيادةٍ تعرف العدو وتتعامل معه على هذا الأساس، قيادةٍ لا تتلون ولا تتبدل، قيادةٍ تنبثق من الأمة وتعبر عن تطلعاتها، وتتخذ ثوابت في عملها، وتقدم مشروعاً واضحاً مفصلاً عن رؤيتها لإسقاط النظام ولما بعد إسقاط النظام.
نستطيع أن نقول إن الحلقة المفقودة في ثورة الشام تكمن في قيادة هذه الثورة، فالثورة وأهلها مستعدون للتضحية بالغالي والنفيس لأجل إسقاط النظام، وقد قدموا أمثلة كثيرة خلال هذه الثورة، فالتضحيات الجسام التي قدمها أهل الشام كثيرة، إلا أنها إن تُركت لقيادة سياسية تفاوض في الأستانة وجنيف، وتوجه المقاتلين للباب بدلاً من دمشق، فإنها ستضيع هذه التضحيات، والتعبير الأدق أنها ستُسرق، وستذهب بثورة الشام إلى ما بات يُعرف بـ"حضن الوطن" وأهل الشام أدرى بما يعنيه حضن الوطن، أي العودة لتسلط النظام المجرم.
لذلك فإن أهل الشام اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما؛ فإما أن يسكتوا عن سرقة تضحياتهم، ويتركوا هؤلاء البائعين يفاوضون في جنيف وغيرها، وإما أنهم سيُنهون هذه المهزلة، ويضعون حداً لهذا العبث، فيأخذوا على يد من يحاول إغراق سفينة الثورة ويمنعوه من المتاجرة بالدماء والبلاد، ويسلموا قيادة هذه الثورة للرائد الذي لا يكذب أهله، حزب التحرير الذي يقدم مشروعه في بناء دولة خلافة راشدة على منهاج النبوة، والذي حذر من كل المؤامرات السياسية التي أحاطت بثورة الشام، ودعا لإسقاط من يتاجر بثورة الشام، فكان بحق أهلا لأن يقود الثورة إلى بر الأمان.
وهذا دي مستورا الوجه الذي يُمثل (المجتمع الدولي) وهو مبعوث الأمم المتحدة يؤكد أنه غير متفائل بجنيف4، ويرسل تهديدات مبطنة مفادها بأنْ "يا أهل سوريا إما أن تخضعوا للإرادة الدولية أو أننا سنترككم أمام الوحوش تنهش بكم وتقضي عليكم"، فقد قال المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، ستافان دي مستورا، إن وقف الأعمال القتالية في مختلف أنحاء سوريا ضروري لتفادي معركة فتاكة أخرى كتلك التي شهدتها حلب؛ وحذر المبعوث الدولي من أن تتحول إدلب إلى حلب ثانية؛ بعدما ذهب كثير من مهجَّري حلب إليها.
كلام هذا المبعوث يؤكد أن ثورة الشام ما زالت قادرة على أخذ زمام المبادرة، وأنها ما زالت قوية يخشاها عدوها، فلتُرص الصفوف ولتُوحّد الجهود، فالنظام لو لم يكن ضعيفاً لما قَبِل التفاوض، فهو يترنح ينتظر ضربة رجال صادقين تنهي عهداً من الظلم والطغيان ليبزغ فجر الإسلام من جديد بإذن الله.
كتبه لجريدة الراية: منير ناصر، عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا، بتاريخ الأربعاء 1 آذار\مارس 2017م
المصدر: http://bit.ly/2mq5fg9