عندما بدأ النظام السوري يتقدم نحو إدلب بدأ تذمر فصائل الثوار الذين وقعوا في قيود تركيا أردوغان تحت مسمى وقف التصعيد، وإن تمكنوا من صد هجمات للنظام، ولكن النظام شدد هجماته حتى بدأ يطوق مطار "أبو الظهور"، عندئذ أثار أردوغان موضوع عفرين وسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية عليها، وبدأ يرغي ويزبد ويولول ويحشد قواته على الحدود مع سوريا مستغلا تصريح العقيد الأمريكي ديلون المتحدث باسم التحالف الدولي يوم 14/1/2018 بأن "واشنطن بصدد تشكيل قوة أمنية حدودية شمال سوريا قوامها 30 ألف مقاتل بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية (الأمريكية)". علما أن تركيا عضو في هذا التحالف الصليبي بقيادة أمريكا.
وأعلنت أمريكا أنها ليست بصدد تشكيل هذه القوة، فقد ذكر وزير خارجية تركيا جاويش أوغلو يوم 15/1/2018 أنه اجتمع في كندا مع وزير خارجية أمريكا تيلرسون، وكذلك مع وزير الدفاع الأمريكي ماتيس الذي "طلب منا عدم تصديق الأخبار التي تنشر". وشدد على أنه "يتابع الأمر بنفسه وسيبقى على اتصال معنا". وذكر تيلرسون أنه اجتمع مع جاويش أوغلو وأوضح له الأمر وقال: "هذا الموقف برمته أسيء طرحه وتفسيره، كان كلام البعض غير دقيق، نحن لا ننشئ قوة حدودية على الإطلاق". مما يعني أن هناك مسرحية معينة يجري تحضيرها لأغراض معينة، وأن تركيا تنسق مع أمريكا ولا يمكن أن تقدم على أي عمل من دون إذنها.
والجدير بالذكر أن دخول تركيا لإدلب كان بموافقة أمريكية بعد اجتماع أردوغان مع ترامب يوم 21/9/2017 قرابة ساعة في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقال حينها ترامب "إن أردوغان أصبح صديقا لي، أعتقد أننا أقرب الآن كما لم نكن عليه أبدا"، وشارك في اللقاء شخصيات مهمة في النظام التركي نرى أردوغان دائما يصحبهم في مهماته أو يرسلهم في مهمات خاصة ويقرر معهم ما يتخذه من قرارات، منهم رئيس الأركان خلوصي أكار ورئيس المخابرات حقان فيدان بجانب وزير الخارجية جاويش أوغلو. وقد أطلع ترامب على نتائج محادثات أستانة وعملية الدخول إلى إدلب. وقد أعلنت أمريكا تأييدها على لسان المتحدث باسم البنتاغون إريك باهون يوم 7/10/2017 قائلا: "ندعم جهود تركيا حليفتنا في الناتو في مكافحة (الإرهاب)، ومساعيها الرامية لحماية حدودها". وقد أعلن أردوغان عن بدء العملية العسكرية في إدلب يوم 7/10/2017 لتطبيق اتفاق أستانة الذي تم بين تركيا وروسيا وإيران، وأعلن أردوغان يوم 24/10/2017 أن "العملية العسكرية في إدلب حققت نتائجها إلى حد كبير، وأمامنا الآن موضوع مدينة عفرين شمالي سوريا". أي حققت نتائجها في تقييد أيدي الثوار ووضعهم تحت السيطرة.
ولم يظهر في تصريحات الأمريكيين ما يشير إلى أنهم يسمحون أو لا يسمحون لتركيا بدخول عفرين، وإنما ركزوا على النفي أنهم ليسوا الآن بصدد تشكيل قوة حدودية، بل يفهم من تصريح أردوغان أنه ناقش الموضوع مع ترامب. ففي هذه الحال أرسل أردوغان يوم 18/1/2018 رئيسي الأركان والمخابرات أكار وفيدان إلى روسيا للتشاور في عملية مسرحية وكأنه يتحدى أمريكا. فقد جاء في بيان وزارة الدفاع الروسية حول اجتماع أكار وفيدان بوزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو أنه "كان بنّاء، وتناول آخر المستجدات في الشرق الأوسط والمواضيع الأخرى المتصدرة للأجندة"، وذكر بيان رئاسة الأركان التركية أن "أكار وفيدان تشاورا مع رئيس الأركان الروسي فاليري غيراسيموف في موضوع الأمن الإقليمي وآخر المستجدات على الساحة السورية ومسيرتي أستانة وجنيف". ويظهر أنه يريد أن يطلع الروس على الأهداف من موضوع عفرين.
علما أن تركيا دخلت منطقة جرابلس بإيعاز أمريكي، عندما جاء نائب الرئيس الأمريكي السابق بايدن إلى أنقرة، وأعلن من هناك تأييده الصريح لدخول الجيش التركي يوم 24/8/2016 وطلب من قوات وحدات حماية الشعب الكردية الانسحاب من أمام القوات التركية. وكان الهدف من ذلك إنجاح الخطة الأمريكية التي كانت تركز على حلب من أجل إسقاطها من يد الثوار، وطلبت تركيا من الثوار الذين وقعوا في أحابيلها وتحت تأثيرها الخروج من حلب لقتال تنظيم الدولة، وذلك لإضعاف جبهات القتال الحقيقية في حلب، بل لتسليمها للنظام وخلق جبهات جديدة للاقتتال الداخلي.
والآن يلعب أردوغان اللعبة نفسها، فعندما كبل أيدي الثوار في إدلب وحاصرهم فيها وبدأت حليفته روسيا تضرب بطائراتها إدلب بغطاء جوي للنظام الذي بدأ يهاجم المنطقة ويتقدم إلى أن طوق مطار "أبو الظهور" وصار على وشك السقوط بيده، قام أردوغان ودعا الثوار لمساعدته في عفرين لقتال وحدات حماية الشعب الكردية، وذلك في عملية خبيثة لإبعاد الثوار عن جبهة القتال الحقيقية مع النظام في دمشق والساحل إلى الاشتغال بعفرين التي لا تغني ولا تسمن من جوع، وكذلك للتغطية على ما يجري عليهم من تآمر يحوكه الأمريكان عن طريق أردوغان بالتعاون مع روسيا وإيران لتمكين النظام من جعل إدلب تحت تحكمه وتهديده، لجعل أهل سوريا يفقدون الأمل ويخضعون لما تمليه عليهم أمريكا ومن معها لتثبيت نظام الكفر العلماني بثوب جديد مستندا لدستور كفر علماني جديد.
ولهذا فليحذر أهل سوريا من حركات أردوغان، حيث يجعل سيف النظام السوري الإجرامي مسلطا على رقابهم؛ إما الاستسلام للحلول السياسية الأمريكية التي تطبخ في أستانة وفينا وجنيف، وإما الموت والدمار وفرض الحل السلمي(!) بالقوة وتمكين النظام من الاستيلاء على المناطق التي حرروها. وهدفه النهائي هو تثبيت النظام العلماني في سوريا والحيلولة دون عودة حكم الإسلام. ولو كان في أردوغان خير لما تحالف مع روسيا وإيران الحليفتين والحاميتين لبشار أسد ونظامه! ولما تحالف مع أمريكا وفتح لها قاعدة إنجرليك لتضرب أهل سوريا وتقيم القواعد فيها وتسلح وحدات حماية الشعب الكردية! ولما أخرج الثوار من حلب وسلمها للنظام الإجرامي! ولما حارب الساعين لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في تركيا حيث يعتقل شباب حزب التحرير وغيرهم من المخلصين!...
فتركيا أردوغان في حلف شيطاني مع تلك الدول؛ تسعى لإجهاض ثورة الأمة ومنع سقوط نظام الكفر العلماني الذي يحرص أردوغان على تطبيقه في تركيا وفي البلاد الإسلامية كما أعلن أكثر من مرة، في الوقت الذي ينفذ سياسات أمريكا من أجل تحقيق مصالحه الشخصية للبقاء في الحكم ولتحقيق بعض مصالح تركيا القومية كما هو يعلن وكما هو مقرر في سياسة تركيا الخارجية. فهل من مدكر؟! ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ﴾.
كتبه لجريدة الراية: أسعد منصور بتاريخ الأربعاء 24 كانون الثاني/يناير 2018م
المصدر: http://bit.ly/2Ga9q6f