دعت روسيا إلى مؤتمر سوتشي الذي سينعقد يومي 29 و30 من كانون الثاني/يناير 2018 ووجهت دعوات إلى نحو 1600 شخص زاعمة أنهم يمثلون كافة أطياف الشعب السوري، وقد واجهت الدعوة لهذا المؤتمر رفضا واسعا من أطياف المعارضة السورية للمرة الثانية فيما انعقد مؤتمر فينّا الذي لم تصدر عنه نتائج تذكر، فيما الوعود الدولية أن الحل سيكون في جنيف وفقا لقرارات الأمم المتحدة، إن هذه المؤتمرات تنعقد دائما بعد جولات من القصف والقتل والتشريد من قبل وكلاء أمريكا روسيا والنظام والمليشيات المتحالفة معهم وسط التواطؤ الدولي وصمته على كل ذلك الإجرام، وكأنهم يقولون للمعارضة عليكم الحضور إلى هذه المؤتمرات والموافقة على مخرجاتها بالعصا رغم أنوفكم، وتحاول هذه الدول؛ روسيا و إيران و تركيا و السعودية بقيادة أمريكا من خلال هذه المؤتمرات إرساء قواعد ومبادئ للحل السياسي الذي توافقت عليه، إلا أنه تبرز أحيانا خلافات حول بعض التفاصيل التي لا تؤثر في تعاون هذه الدول لإجهاض ثورة الشام وتصفيتها، فقد شُجعت تركيا على حضور مؤتمر سوتشي مقابل سكوت روسيا وتسهيلها عملية غصن الزيتون ومن قبلها تسليم شرق سكة القطار، وهكذا تتبادل الدول الأدوار لتحقيق مصالحها،
ولكن مع اقتراب موعد الحسم من وجهة نظر هذه الدول المستعجلة جدا للقضاء على ثورة الشام بالحل السياسي برز خلاف شديد بين أمريكا وروسيا حول شكل الحل وكيفية إخراجه والاستفادة منه سياسيا واقتصادياً، مما جعل أمريكا تدفع المعارضة السورية لرفض مؤتمر سوتشي، هذا المؤتمر الذي تحاول روسيا أن تجعل الحل من خلاله عبارة عن مصالحة وطنية وكأن الذي حصل مشاجرة بين بعض الأفرقاء!!
إن الحصاد المر لهذه المؤتمرات يظهر جليا فيما رشح من بنود مؤتمر سوتشي التي هي أشبه ما تكون باللغة الخشبية في الخطابات التي كانت تمارسها الأنظمة الدكتاتورية من ادعاء السيادة و الوطنية والوحدة والحرية المزعومة لتخلص في النهاية إلى تشكيل لجنة صياغة دستور من النظام والمعارضة المصنوعة في دمشق وموسكو وجعل المعارضة من الثورة عبارة عن ديكور لتصوغ هذه الأكثرية دستورا يناسب موسكو والنظام يكون خارطة طريق للحل، ما يظهر روسيا كدولة فاعلة على المسرح الدولي ويكسبها نفوذا سياسيا واقتصاديا في الداخل السوري، وهو ما ترفض أمريكا إعطاؤه لروسيا، لذلك دفعت أمريكا المعارضة إلى رفض هذا المؤتمر واستفادت من طرحه بدفع المعارضة إلى المزيد من الارتماء في أحضانها.
إن أمريكا التي تريد الحفاظ على تفردها في النفوذ في سوريا، فقد أخرجت ما يسمى "اللاورقة" بمشاركة كل من بريطانيا و فرنسا والسعودية والأردن، وهي مسودة حل يجعل سوريا بلدا مفككا ضعيفا ترتبط أطرافه بالنفوذ الأمريكي مباشرة أو عبر بعض عملائها.
هذان الشكلان من خارطة الحل السياسي المطروح من قبل كل من روسيا وأمريكا نتيجته واحدة على الثورة وهو تصفيتها لصالح نظام علماني يحافظ على الدولة العميقة للنظام ومؤسساتها الأمنية والعسكرية والدبلوماسية والإدارية وإمساكه بمفاصل البلاد والارتكاز عليها.
إن الفرق بين هذه المؤتمرات هو الصراع بين الدول على حصد ثمار ونتائج القتل والإجرام وتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية على حساب دماء ومآسي أهل الشام الثائرين،
فروسيا تريد أن تظهر من خلال مؤتمر سوتشي أنها شريك في صنع القرار الدولي وحل الأزمات إضافة إلى المكاسب الاقتصادية فيما تريد أمريكا حرمانها من ذلك والاستحواذ على كل شيء.
نعم هذه لعبة الأمم القذرة وحصاد الإجرام الذي تقوم به الدول من خلال تعاونها ضد المسلمين ثم بعد ذلك تختلف على قسمة ميراث القتيل.
أيها المسلمون! هذه حقيقة النظام الدولي ومواقفه من قضايا الشعوب وممارسة الإجرام والقتل سرا وعلنا وحصد نتائجه في مؤتمرات يتنازعونها بينهم للاستحواذ على كعكة النفوذ.
إن هذه المؤتمرات خداع لا يرجى منها أي خير للمسلمين، فلا تعلقوا عليها آمالا بل واجهوها برفضها والإعراض عنها ومقاطعتها كلها، واكشفوا جرائم من يقف وراءها وأهدافها وغاياتها ونتائجها التي تصب في مصلحة أعداء الإسلام والمسلمين فقط.
إن مصلحة المسلمين لا تتحقق إلا باتباع أحكام الإسلام في التغيير والتوحد على مشروع الإسلام العظيم، وإقامة الدولة الإسلامية، دولة الخلافة على منهاج النبوة، ورفض مشاريع الدول الاستعمارية وعدم المساهمة والمشاركة في مؤتمراتها وقطع العلاقة معها فقد بان خداعها وانكشف زيفها.
كتبه لجريدة الراية: الأستاذ محمد سعيد الحمود، بتاريخ الأربعاء 31 كانون الثاني/يناير 2018م
المصدر: http://bit.ly/2E3tqt0