حملة شرسة تتعرض لها الغوطة الشرقية من قبل مرتزقة طاغية الشام وأعوانه، تتبع فيها سياسة الأرض المحروقة من تدمير لكل شيء وبكافة الأسلحة؛ استطاع من خلالها السيطرة على بعض المناطق تحت غطاء جوي كثيف من قبل النظام الروسي، الذي مرد على القتل والتدمير بتواطؤ من المجتمع الدولي بمجلس أمنه وهيئة أممه المتحدة ووسط تخاذل من قيادات الفصائل، مما دفعه أن يوغل في دماء المسلمين قتلاً وتشريداً؛ وخاصة بعد نجاحه في تدمير حلب وما اصطلح عليه بمناطق شرق السكة في ريف إدلب الشرقي والسيطرة عليهما، ولعل الناظر إلى المشهد المأساوي يرى بوضوح الحال الذي وصلت إليه ثورة الشام عموما والسياسة المتبعة للإجهاز عليها، حيث يعمد الغرب الكافر على اتباع سياسة تجزئة الثورة إلى أجزاء منفصلة بعضها عن بعض؛ والقضاء على كل جزء منها على حدة؛ بعد أن كبل الفصائل بربط قياداتها برجالاته من حكام بلاد المسلمين عن طريق المال السياسي القذر؛ وأشغلهم باقتتال فصائلي فيما بينهم، ونستطيع أن نقول إن ما يجري في الغوطة الشرقية هو عين ما جرى في باقي المناطق؛ سيناريو واحد متكرر؛ مع اختلاف في أسماء المناطق وأسماء فصائلها فقط.
وتأتي أهمية الغوطة الشرقية من كونها متاخمة للعاصمة دمشق جغرافياً، مما يجعلها تشكل مصدر تهديد عسكري وأمني ولوجستي لرأس النظام المجرم؛ في حال توفر القرار الذاتي النابع عن الإرادة المستقلة لقيادات الفصائل، إلا أن هذه القيادات آثرت التزام أوامر داعميها فلم تحرك ساكناً رغم امتلاكها للأسلحة والعدة والعتاد، هذه الأسلحة القادرة على ضرب كافة المنشآت الحيوية في العاصمة دمشق، إلا أن هذه الأسلحة بقيت في مستودعاتها ولم تستخدم في فك الحصار عن الغوطة؛ ولا في ضرب رأس النظام، وإنما كان استخدامها في اقتتال فصائلي واستعراضات عسكرية على غرار الجيوش النظامية؛ لبسط السيطرة والنفوذ على مناطق مهددة بالفناء تنتظر الوقت المناسب لتلقى مصير أخواتها؛ في مشهد يرسم البعد الحقيقي للنتائج الكارثية التي ترتب عليها الارتباط بالدول الداعمة؛ وسكوت أهل الشام عليه؛ مما جعلهم يذوقون أشكال الموت ومرارة الذل بكافة توجهاتهم وانتماءاتهم، فلا فرق بين فصيل وفصيل؛ ولا بين مدني وعسكري؛ ولا بين صغير وكبير؛ ولا بين رجل وامرأة؛ ولا بين منحاز أو حيادي، فالبلاء عام والمصير واحد؛ مجازر وحشية وتهجير ممنهج؛ وإذلال لمن أصر على البقاء في أرضه، وكل هذا يجري تحت سمع العالم وبصره؛ دون أن يحرك ساكنا سوى ذر الرماد في العيون في مبادرة هنا أو هناك لإدخال قليل غذاء أو دواء...
نعم إن ما جرى لأهل الشام عموما وما يجري لأهلنا في الغوطة على وجه الخصوص هو وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء؛ وعلى جبين من يدعي حقوق الإنسان وهو منها براء؛ وعلى جبين من يدعي الأمن للعالم وهو مصدر الرعب، وهؤلاء جميعاً باتوا مكشوفين لكل ذي عينين، وبانت الحقيقة وانكشف كذب ادعاءاتهم، وظهر عداؤهم لكل مسلم، فلا يرتجى منهم أي عمل يوقف هذه المعاناة، وما حال حكام المسلمين بأفضل من حال الغرب الكافر؛ فهؤلاء الحكام هم عملاء لهم مسلطون على رقاب المسلمين؛ وهم الأداة الفعلية في قتل كل مسلم، فوجب على الأمة الإسلامية خلع هذه الأنظمة من جذورها؛ واستعادة السيطرة على جيوشها؛ ليتسنى لها إنقاذ نفسها من الظلم و العبودية والقتل والاضطهاد، فما يحصل لأهل الشام نموذج متكرر لما حصل لبلاد المسلمين وما سيحصل لاحقا، فالحرب على الإسلام والمسلمين لن تنتهي في أرض الشام؛ ولن تقف عندها، قال تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا...﴾ فالحرب بين الحق والباطل مستمرة حتى قيام الساعة؛ ولا يمكن للباطل أن يتعايش مع الحق في أي زمان أو مكان، قال تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾، ولا بد لأهل الشام أن يستدركوا أمرهم؛ ويدركوا أن لا خلاص لهم إلا بالاعتصام بحبل الله المتين، فلا سبيل إلى النصر إلا بالسعي لنيل رضوان الله، ولا مفر من الهروب من أمر الله إلا إليه، قال تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ فالله سبحانه وتعالى أمرنا بأن نصبغ حياتنا كلها بصبغة الإسلام فلا يصح أن نعطي الله الصلاة و الصيام و الحج و الزكاة ونعطي الغرب الكافر نظام الحكم والاقتصاد والعقوبات والاجتماع و السياسة الخارجية و التعليم ﴿تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾، ﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ...﴾، وعندما يدرك المسلمون عموماً وأهل الشام خصوصاً هذه الحقيقة يتنزل عليهم نصر الله ولن تستطيع قوى الكفر مجتمعة أن تقف في وجه قوةٍ اللهُ ناصرها، ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾، وبناء عليه وجب على أهل الشام أن يتمسكوا بثوابت ثورتهم التي هي أحكام شرعية؛ فيعملوا تحت قيادة سياسية واعية ومخلصة على إسقاط النظام بكافة رموزه، والتحرر من دول الكفر وإنهاء نفوذها، وإقامة الخلافة على منهاج النبوة.
كتبه لجريدة الراية: أ. أحمد عبدالوهاب، رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا، بتاريخ الأربعاء 7 آذار/مارس 2018م
المصدر: http://bit.ly/2I7UTcf