قام كيان يهود فجر الخميس 10/5/2018م بتوجيه ضربات جوية وصاروخية تفوق المئة ضربة لما يُعتقد أنها مواقع عسكرية لإيران في سوريا منها مطارات ومعسكرات تدريب ومخازن أسلحة ومنصات إطلاق صواريخ وتجمعات عسكرية، وقد سبق هذه الضربة ضربات متفرقة لمواقع وشحنات صواريخ... فما الهدف من هذه الضربات في هذه المرحلة؟
إن السياسي الواعي المتابع لمجريات الأمور من خلال الصراع في الشرق الأوسط يُدرك أن إيران تدور في الفلك الأمريكي (أي تابعة لها في السياسة الخارجية) وظهر هذا جلياً في تعاون إيران مع أمريكا في احتلال العراق و أفغانستان، بل لقد صرح الرئيس السابق لإيران محمد خاتمي أنه لولا تعاون إيران لما استطاعت أمريكا احتلال العراق وأفغانستان، بل إنه من الواضح أن أمريكا سلمت العراق لإيران بعد احتلاله، ولقد جاء الرئيس الأسبق أحمدي نجاد إلى المنطقة الخضراء في العراق وهي تحت الحراسة الأمنية الأمريكية حيث السفارة الأمريكية والمستشارون والقيادات الأمريكية في تلك المنطقة التي لا يدخلها أحد إلا من ترضاه أمريكا، وإن دخول إيران ومليشياتها العراقية واللبنانية إلى سوريا كان بضوء أخضر أمريكي لحماية عميلها نظام أسد من السقوط.
لكن هذا التدخل مكّن إيران ومليشياتها من السيطرة على مفاصل عسكرية وأمنيّة وسياسية واقتصادية كثيرة في الدولة السورية خصوصاً بعد التدخل الروسي بالضربات الجوية للثورة، مما مكّن إيران ومليشياتها من السيطرة على مناطق واسعة في سوريا ما أكسبها نفوذاً عسكرياً كبيراً على الأرض.
إن هذا الوجود العسكري الإيراني والذي تسعى إيران إلى توسيعه يشكل خطراً في السيطرة على سوريا والتحكم بالنظام بشكل كبير، بل يكاد يكون احتلالاً غير معلن وهو ما يشكل عقبة أمام الحل السياسي الذي تطبخه أمريكا لأنه لا يمكن أن يكون هناك حل سياسي في ظل هذه الهيمنة الإيرانية على الأرض وعلى قرار النظام السوري.
كما أن هذا الوجود يشكل تهديداً لكيان يهود خصوصاً الوجود في دمشق والجنوب السوري المتاخم لحدود الجولان المحتل ومزاحماً ومنافساً له في الهيمنة على المصالح في المنطقة، إن إيران تدور في الفلك الأمريكي وتتماهى وتتساوق مع ما تريده أمريكا في سياستها الخارجية على مستوى العالم عموما والشرق الأوسط خصوصاً، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا لماذا تعطي أمريكا الضوء الأخضر لكيان يهود للقضاء على نفوذ إيران العسكري في سوريا؟
إن أمريكا تستخدم الدول العميلة لها والدول التي تدور في فلكها لتحقيق مصالحها ولكن من طبيعة الدول أن تتمادى وتحاول أن تلعب دورا أكبر مما هو مسموح لها به وتحاول أن تتغول وتوسع نفوذها، لذلك تقوم أمريكا باستخدام أدواتها من الدول الأخرى لتحجيمها بعد أن تؤدي الدور المطلوب منها كما هو حال إيران في سوريا...
ومن هنا جاءت ضربات كيان يهود لإيران في سوريا بضوء أخضر أمريكي لإخراج إيران عسكريا من سوريا بعد أن انتهى دورها أو كاد مع الإبقاء على مصالحها الاقتصادية، وهذا يضعف دورها في تعقيد الحل السياسي الذي تسعى إيران أن يكون لها النفوذ الأكبر على حساب الأفرقاء الآخرين مما يعقد الحل السياسي الذي تسعى أمريكا إلى تركيبه من مكونات متعددة من العملاء الجدد وبقايا النظام المجرم.
إننا نقرأ مما تقدم أن أمريكا تستخدم الدول العميلة والتابعة والحليفة بل والمنافسة لها كروسيا ودول أوروبا في تحقيق مصالحها ثم تحجم تلك الدول بواسطة بعضها بعضا فهي تحجم أوروبا بواسطة روسيا وتحجم روسيا بواسطة أوروبا وتحجم إيران بواسطة كيان يهود وتحجم الكيان المسخ بواسطة إيران وحزبها اللبناني وتستخدم الأمم المتحدة وقوانينها... وهكذا تستفرد بقيادة العالم حسب أهوائها ومصالحها، وضربات كيان يهود من هذا القبيل فضلاً عن أن لكيان يهود هاجسه الأمني ومصالحه في المنطقة.
هذا هو حال الدول العميلة والتابعة؛ دورها أن تقدم أرواح أبنائها وأموالها في خدمة أسيادها ثم يتم تحجيمها وإرجاعها إلى حجمها المطلوب أن تبقى عليه بعد أن تنفذ المطلوب منها مقابل مصلحة لا تعوض عشر معشار ما قدمت من دماء أبنائها وأموالهم، هذا هو حال الدول الوضيعة ودورها القذر في ضرب بعضها بعضا لصالح أعداء الأمة كما فعلت إيران للحفاظ على عميل أمريكا ونفوذ أمريكا في سوريا.
كتبه لجريدة الراية: الشيخ محمد سعيد العبود، بتاريخ الأربعاء 16 أيار/مايو 2018م
المصدر: https://bit.ly/2Ik87Xn