منذ انطلاقتها المباركة قبل أكثر من سبع سنين، لم ينقطع المكر والكيد بثورة الشام من دول الكفر بشكل عام وأمريكا بشكل خاص، التي شعرت بحقيقة خطر هذه الثورة على نفوذها ووجودها في هذه المنطقة المهمة من العالم، بل لقد شعرت بالخطر يتهدد وجودها في هذا العالم، وذلك لتجلي الحالة الإسلامية بشكل واضح في هذه الثورة، التي كانت انطلاقتها من بيوت الله، كما كانت شعاراتها "هي لله هي لله" و"قائدنا للأبد سيدنا محمد".
وقد أخذ مكر دول الكفر بثورة الشام أشكالاً متنوعة، وكان الهدف منها جميعها ولا يزال هو القضاء على هذه الثورة. ولكن أخطر هذه الأشكال على الإطلاق حتى الآن هو ما نتج عن مؤتمرات أستانة، حيث قُسمت الساحة إلى مناطق سميت زوراً وبهتاناً بمناطق خفض التصعيد، وبرز ثالوث الإجرام الضامن "روسيا وإيران وتركيا"، الذي لم يكن له هدف إلا تنفيذ الخطة كما هي مرسومة أمريكياً، وهي المحافظة على النظام من السقوط، وإخضاع المناطق، الواحدة تلو الأخرى لسيطرته.
فقد كان كل قطب من هذا الثالوث المجرم يضمن الجهة التي تكفّل بها لتنفيذ هذه الخطة الخبيثة، فكانت روسيا وإيران قد تكفلتا بحماية النظام ومدّه بأسباب الحياة ومساعدته على قضم المناطق، الواحدة تلو الأخرى، فقُضمت الغوطة الشرقية والريف الجنوبي لإدلب شرقي السكة والريف الشمالي لحمص وحوران والقنيطرة، بينما كانت مهمة الضامن التركي هي منع الثوار من القيام بأي عمل من شأنه عرقلة تنفيذ قضم المناطق، وتمنيهم بالوعود الفارغة، بل وتخترع لهم أغصاناً ظاهرها زيتون أخضر، بينما باطنها، جحيم ووبال على أهل الشام وثورتهم.
وقد كانت هذه الدول "الضامنة" تكتفي بالمراقبة والتخدير ضمن خطة مبيتة، وخير دليل على ذلك المجزرة المروعة التي حصلت بالأمس في بلدة أورم الكبرى في ريف حلب الغربي والتي راح ضحيتها عشرات المدنيين بين شهيد وجريح، بسبب استهداف الطائرات الروسية للبلدة، والتي تقع ضمن المنطقة التي ضمنها النظام التركي، فأية ضمانة هذه إذا لم تكن تحمي المدنيين العزل؟! لكنها المؤامرة التي باتت مفضوحة للقضاء على أهل الشام وثورتهم.
وقد رأينا كيف تخلت أمريكا عن ضمانة عدم تحرك النظام في الجنوب، بل فقد ذهبت أبعد من ذلك عندما قالت للفصائل بعد أن لجمتهم ومنعتهم من القيام بأي عمل نصرةً للغوطة أو غيرها من المناطق الأخرى، حيث قال المندوب الأمريكي في عمان لقادة الفصائل صراحة لقد تخلينا عنكم، ولن نساعدكم، فواجهوا مصيركم لوحدكم واختاروا كيف تتعاملون مع النظام!
كما قد أدت هذه المؤامرة كذلك لتقسيم الساحة لمناطق عدة، وقد أصبحت فصائل كل منطقة تفكر في نفسها، وكيفية المحافظة على أمانها الذي يهدده النظام وحلفاؤه كل وقت وحين، وبهذا ضاع من قاموس هذه الفصائل الشعار الذي طرحه الناس في بداية ثورتهم وهو "إسقاط النظام" وأصبح كل قائد فصيل يحاول عبثاً الحفاظ على مصالح فصيله الضيقة عله يعيش فترة أطول ويحقق مكاسب أكثر!
أما ما تبيته هذه الدول الضامنة لإدلب، فلا يخرج عن السياق العام الذي انتهجته دول الكفر منذ بداية الثورة، وهو محاولة القضاء على الثورة وإعادة المناطق والشرعية للنظام بغض النظر عن شخصيات وأسماء معينة في النظام، وإنما ضمن إطار فرض العلمانية من جديد على أهل الشام وفرض أنظمة تابعة لرأس الكفر أمريكا. ولكن قد يكون ذلك عبر أعمال سياسية وأخرى عسكرية، وقد ألمح الروس لذلك بأنه لن تكون في إدلب عملية عسكرية واسعة!! وهنا يكمن دور النظام التركي الخبيث من خلال أعمال سياسية، يضغط فيها على الثوار والفصائل، للقيام بأعمال بحجة عدم استفزاز النظام ويكون نتيجتها وقوع الثوار في الفخ الكبير الذي يجعلهم مسلوبي الإرادة وغير قادرين على المواجهة العسكرية وبالتالي "الاضطرار" للدخول في التسوية المشؤومة والملعونة.
فلا بد من التنبؤ لكل هذه الأعمال السياسية والعسكرية التي ستقوم بها كل الجهات المعنية بهذا، وإدراك أن هذه الدول الضامنة، ما هي إلا أدوات بيد أمريكا، لتحقيق ذلك الهدف الأمريكي، في القضاء على الثورة، وهذا يتطلب حكماً عدم الركون إلى وعود الداعمين وخصوصاً هذه الدول الضامنة. فهذه الدول ستتخلى عن الفصائل بعد إنجاز المهمة والقضاء على المخلصين من الثوار وستنسحب من المشهد بمجرد حصول ذلك ولن تأبه بصيحات المدنيين أو نداءات المستغيثين.
لهذا على الثوار وخصوصاً المخلصين منهم التنبه لهذه الأمور وأخذ زمام المبادرة، والعمل بشكل حاسم على قطع الطريق على أمريكا وأدواتها وأذنابها، والعودة بالثورة إلى سيرتها الأولى، ولن يتم ذلك إلا بالعمل على تبني قيادة سياسية واعية، تحمل مشروع الأمة، مشروع الإسلام العظيم، مشروع الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، ذلك المشروع الذي تهتز لمجرد ذكره صروح الكفر كلها، والسير على ثوابت واضحة معينة وعلى طريقة واضحة محددة على بصيرة، من أجل تحقيق أهدافنا وإقامة مشروع الإسلام العظيم الذي سيعيد لنا عزتنا وكرامتنا، إذ لا عزة لهذه الأمة ولا كرامة لها إلا في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
وننوه أخيراً إلى أن الأمة لم تيأس أبداً ولم يفت الأوان بعد كما يروج المرجفون، فالثورة اندلعت وهزت أركان النظام في وقت لم يكن محرراً بعد ولا شبر واحد من البلاد، فالثورة ليست نزاعاً على بلد أو منطقة، بل هي تغيير فكري شعوري، وهو لا يزال متوقداً في نفوس الناس بحمد الله، والنظام وأعوانه في أضعف حال، ودليل ذلك تصريح المستشار الإيراني منذ فترة بأنه "إذا انسحبت إيران وروسيا فإن (الإرهابيين) سيعودون"، فهذا يدلك على أن عمر النظام في مراحله الأخيرة، فالنصر يحتاج لصدق مع الله يقفه مخلصون لله، يعملون على إعادة منهج الله سبحانه وتعالى إلى الأرض يملؤها قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [سورة الروم: 4 - 5]
بقلم: الدكتور محمد الحوراني
عضو لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا
المصدر: https://bit.ly/2waDhHy