تدقُّ طبول الحرب مرةً أخرى في سوريا، حيث إن قوات بشار الأسد ونظرائه في موسكو وطهران يستعدون لما يبدو أنه المرحلة النهائية في هذه المعركة التي دامت 7 سنوات. فهناك الآن أخبار يومية تتداول الغارات الجوية وتحركات القوات وانتقاد تركيا للهجوم المستمر والتهديد الأمريكي للتدخل في حال استخدام الأسلحة الكيميائية. فقد قدم جميع المشاركين في هذه المعركة روايتهم الخاصة لإخفاء نواياهم الحقيقية ولإظهار خلاف ما يقومون به فعلاً. نحن نعلم أن الحقيقة هي الضحية الأولى للحرب وهذا يجعل الأمر أكثر أهمية في فصل الحقيقة عن الخيال.
لطالما قام أردوغان وأعوانه بأعمالهم بمساعدة الجماعات المعارضة للدكتاتور بشار الأسد. قامت تركيا منذ الأيام الأولى للثورة بإيواء منشقين من الجيش السوري وتدريبهم وتسليحهم قبل إعادتهم إلى الجيش السوري الحر. فمن خلال عملية شاه الفرات ودرع الفرات أقامت تركيا وجودًا عسكريًا في شمال سوريا وفي إدلب، كما أن لها قواعد متعددة (على الرغم من أنها تسمى بمراكز المراقبة).
ولكن على الرغم من هذا الوجود فإن تركيا لم تقم إلا بالقليل لمساعدة الجماعات المعارضة أو المسلمين في سوريا ضد النظام. لم تدعم تركيا بتاتاً أي مجموعات معارضة بالأسلحة الثقيلة والتي من شأنها أن تحدث فرقا، أو صواريخ أرض جو ولكنها تستخدمها لتحقيق أهدافها الضيقة الأخرى. في معركة حلب أجبرت تركيا الجماعات المعارضة التي دعمتها على مغادرة المدينة والقتال في عملية درع الفرات في المناطق الكردية الشمالية، مما أضعف رد الثوار في حلب مما أدى إلى سقوط المدينة. وفي وقت سابق دفعت تركيا الثوار في إدلب إلى قبول اتفاق تهدئة كانت قد تفاوضت عليه مع روسيا وإيران.
كما أصرت تركيا على أن أي حل عسكري لإدلب سيكون كارثة، لكن ليس لأنه سيؤدي إلى القتل الجماعي للشعب ولكن لسبب آخر كشف عنه المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين في اجتماع يوم الجمعة 14 أيلول/سبتمبر مع ممثلي فرنسا وألمانيا وروسيا، فقد كشف كالين أن "الهدف المشترك للجميع هو أن الحل يجب أن يكون سياسيًا وليس عسكريًا". وقال كالين إن هناك إجماعًا عامًا على أن عواقب أي هجوم محتمل على إدلب ستكون خطيرة جدًا وستتسبب في أزمات إنسانية وموجة جديدة من الهجرة، وأضاف: "بالطبع لن تؤدي موجة الهجرة الجديدة إلى إثقال كاهل تركيا فحسب بل قد تتسبب في سلسلة جديدة من الأزمات من هنا إلى أوروبا". إن قلق تركيا يتعلق بالهجرة التي ستؤكد حقيقة أن مسلمي سوريا يذبحون. وما يؤكد هذا هو الغارات الجوية الروسية التي تخفف الأهداف البرية للغزو البري الوشيك.
وقد جمعت روسيا أسطولًا بحريًا قبالة الساحل السوري يضم 25 سفينة وطائرة مقاتلة والسفينة الحربية مارشال أوستينوف. الأسطول هو ظاهريًا يشارك في التدريبات. لكن ديمتري بيسكوف الناطق باسم الكرملين قد اعترف بأن التدريبات كانت مرتبطة مباشرة بإدلب. إن قاعدة روسيا البحرية سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم تبعد أكثر من 600 ميل عن سوريا وبين شبه جزيرة القرم وسوريا وتركيا. كل هذه الآلات الحربية أبحرت عبر البوسفور للوصول إلى سوريا. على الرغم من سماح تركيا لها بالمرور إلا أن القادة الأتراك يصرون على أنهم يدعمون الثوار! ويدعم قادة تركيا الأهداف العامة للقوى الأخرى في سوريا على الرغم من الاختلافات في تفاصيل العمليات.
وأكثر ما يمكن للولايات المتحدة حشده بشأن المذبحة القادمة كان من خلال مؤتمر صحفي في القدس حيث كشف جون بولتون: "نحن قلقون بشكل واضح من احتمال أن يستخدم الأسد الأسلحة الكيميائية مرة أخرى"، كما قال بولتون. "حتى لا يكون هناك أي ارتباك هنا: إذا استخدم النظام السوري الأسلحة الكيميائية فسوف نرد بقوة، ويجب أن يكونوا قد فكروا في هذا الأمر منذ وقت طويل". استخدمت روسيا وإيران والأسد أساليب الحصار والتجويع والاستسلام. وكذلك استخدموا التكتيكات والاستهداف العشوائي للمستشفيات والمدارس والبنية التحتية، لكن المسؤولين الأمريكيين يمكنهم فقط أن ينتقدوا الاستخدام المحتمل للأسلحة الكيميائية، التي شكلت حلقة مفرغة عندما استخدمها النظام عدة مرات، والولايات المتحدة فقط هددت ولم تفعل شيئًا للنظام. إذا كان هناك أي شك فبعد سبع سنوات من الحرب كانت هذه هي السياسة الأمريكية - انتقد النظام ولكن لا تفعل شيئًا، وهو في أي سيناريو هو الدعم الضمني والغطاء لإعادة العمل.
بالنسبة إلى استعادة بشار الأسد فإن إدلب ستكون انتصارا دعائيا ضخما، فعلى الرغم من خسارته معظم البلاد في عام 2015، إلا أن ذلك سيعني أنه قد استعادها تقريبا مرة أخرى وسيستخدم ذلك كرمز لأنظمته الشرعية. كما تطرح سوريا وإيران وروسيا دعاية بأنهم يحاربون (الإرهابيين) في محافظة إدلب لتغطية جرائمهم. وفي الوقت نفسه يقول الأسد بأن سوريا وتركيا لديهما أهداف متعارضة، حيث يتهم الأسد باستمرار أردوغان بدعم الجماعات (الإرهابية) ويحاول تطوير روايتهم "نحن وهم". في حين إن أردوغان والأسد لا يناقشان العديد من القضايا، إلا أنهما على نفس الصفحة حول الجماعات المعارضة (الإرهابية) ولكنهما يختلفان فقط حول طريقة التعامل معها.
لكن إعادة إدلب لن يكون عملا سهلاً. سيكون الأمر أصعب وأكثر تعقيدًا من العديد من الحملات الأخيرة الأخرى في جنوب البلاد. إنها منطقة أكبر بكثير من المناطق في الجنوب، مثل درعا والغوطة الشرقية والقنيطرة، التي استولى عليها الجيش السوري في الأشهر الأخيرة. وهي أكثر كثافة بالسكان المعارضين لأن العديد من عمليات وقف إطلاق النار التي توسطت في الجنوب سمحت بمرور المعارضين الآمن من هذه المناطق إلى إدلب. سيتعين على الأسد مواجهة عدد أكبر بكثير من المقاتلين في إدلب مما كان عليه في المعارك في جنوب سوريا، مما يجعل القتال أكثر دموية وأكثر تكلفة وأقل قابلية للتنبؤ. على الرغم من أن الأسد قد أعاد مؤخرًا تثبيت قبضته على أجزاء كبيرة من البلاد، إلا أن شريحة كبيرة من جيشه غير قادرة على القيام بعمليات هجومية لأنها تستخدم بشكل أساسي في مهام الحماية. وهذا يعني أن الخسائر الكبيرة التي يمكن أن يتكبدّها الجيش السوري ستكون بين صفوف الأسد الأكثر خبرة والمدربة تدريباً جيداً - الأمر الذي قد يشجع الثوار على تحدي النظام في مناطق أخرى، مع العلم بأن موارده ستصل إلى أقصى حد.
في الختام لقد سلب مستقبل سوريا إلى حد كبير من يد الشعب السوري. حيث تتنافس كل القوى الإقليمية والقوى العالمية المحيطة على السيطرة على الأراضي كوسيلة لتحديد التسوية النهائية لهذا النزاع المستمر منذ 7 سنوات والحفاظ على نفوذها داخل الدولة. إنه لمن العار أن نرى العالم الإسلامي يساعد في التحريض على المذبحة الوشيكة لإدلب. في طليعة هذه الخيانة تركيا، بلد تآمر سرا مع روسيا وأمريكا لجعل تدمير إدلب حقيقة واقعة.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عدنان خان
المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/55001.html