خرجت ثورة الشام في العام 2011 بعد خروج ثورات في تونس ومصر وليبيا واليمن لكن ثورة الشام كانت ذات طابع ولون يختلف عن باقي الثورات؛ فمنذ بدايتها كان الناس يخرجون من المساجد وكانت شعاراتها تتميز عن الشعارات في مصر وباقي الدول العربية. الشعارات التي نادت بها الثورة في الشام كانت شعارات إسلامية فمنذ البداية ردد الناس (هي لله هي لله) و(ما لنا غيرك يا الله) و(قائدنا للأبد سيدنا محمد) وغيرها من الشعارات التي حددت هوية الثورة بأنها ثورة إسلامية وتنادي بالإسلام ليكون بديلا عن النظام العلماني الذي يحكم البلاد في سوريا. وسرعان ما أدرك الغرب خطورة هذه الشعارات على مستقبل حضارته العفنة ففهم من خلال هذه الشعارات الإسلامية أن أهل الشام يتوقون لاستعادة سلطانهم (سلطان الإسلام) فبدأ بالمكر والكيد لهذه الثورة للحيلولة دون تحقيق غايتها بإسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام.
من المعلوم لدى الجميع أن الثورة كانت في بدايتها سلمية لكن سرعان ما بدأت تتحول إلى مسلحة بسبب بطش النظام ووحشيته مما دفع الناس لحمل السلاح والدفاع عن أنفسهم وأعراضهم فأخذت تتشكل مجموعة من الثائرين للدفاع عن أهلهم وحملوا ما يملكون من السلاح الخفيف وبعض الذخيرة القليلة التي إن قارناها بما عند النظام من عتاد وسلاح كانت لا شيء.
لكن معية الله والتوكل عليه وحده دون غيره يصنع المعجزات فبهذا السلاح الخفيف والذخيرة البسيطة استطاع الثوار تحرير ما نسبته 85% من الأراضي السورية وتحقيق إنجازات تعجز الجيوش عن تحقيقها من الاستيلاء على مستودعات الذخيرة والدبابات والمدافع، لكن هذه الانتصارات أخذت لاحقا بالتضاؤل والانحسار، فماذا تغير وماذا جرى؟
في الحقيقة هناك أسباب كثيرة كانت السبب في هذه الخسارة منها:
1- القبول بالدعم المشروط من قبل الثوار ما أدى إلى الالتزام بالخطوط الحمراء التي وضعها الداعم وعدم فتح أي جبهة إلا بأمره فبات قرار السلم والحرب بيد هذا الداعم.
2- عقد الهدن والمفاوضات مع النظام مما دفع النظام للمقايضة على المناطق التي كان يحاصرها وهدنة كفريا والفوعة خير شاهد على ما نقول، فقد عقدت الفصائل في الشمال هدنة مع إيران والنظام تقضي بعدم اجتياح مدينتي الزبداني ومضايا مقابل عدم اجتياح كفريا والفوعة، وما هي إلا أيام قليلة حتى تخلت إيران والنظام عن الاتفاقية وبدأوا بالقصف على الزبداني ومضايا حتى انتهى الأمر بتهجير أهالي المدينتين إلى الشمال، بالمقابل بقيت الفصائل محافظة على الاتفاق وصمتت صمت أهل القبور!
3- المجيء بقادة لهذه الفصائل يسهل التعامل معهم وربطهم بغرف المخابرات الموك والموم.
4- عدم وجود مشروع واضح المعالم لدى الثورة مما دفع لخسارة المناطق الواحدة تلو الأخرى.
5- عدم وجود قيادة سياسية لهذه الثورة مما أدى لصناعة قيادة لها في الخارج تتماشى مع تطلعات الدول التي تسمى بأصدقاء سوريا.
6- الذهاب إلى المؤتمرات الدولية والإقليمية والاجتماعات بعواصم الدول من جنيف إلى الرياض إلى القاهرة إلى مؤتمرات أستانة وسوتشي التي كانت نتيجتها ما يسمى بمناطق خفض التصعيد التي سهلت على روسيا والنظام قضم المناطق الواحدة تلو الأخرى إلى أن انحسرت المناطق من أربع عشرة محافظة إلى محافظة إدلب التي تجمع فيها كثير من المدنيين والمقاتلين الذين خرجوا من مناطقهم بسبب هذه الاتفاقيات.
إن الوقوف على المجريات التي مرت بها الثورة ليس لبث اليأس وروح الهزيمة بل لتدارك الأخطاء القاتلة التي أوصلت الثورة إلى هذا المسار.
وبعد كل الذي جرى ها هي إدلب وكل عيون الأعداء تنظر إليها من دول العالم المجرم لكي يرجعوها إلى حضن نظام الإجرام إما بالعمليات العسكرية أو بالألاعيب السياسية، فلا بد من تدارك الخطر المقبلين عليه ولا بد من اتخاذ الخطوات التالية:
أولا: وجود مشروع واضح يلتف حوله الناس بحيث يكون من عقيدة المسلمين فهو الذي يجمع شتاتهم ويوحد كلمتهم ويبلور أهدافهم.
ثانيا: لا بد لهذا المشروع من قيادة سياسية واعية مخلصة واضحة فكرتها مبصرة لطريقتها توجه الجهود نحو الأعمال التي من شأنها أن توصل الثورة إلى هدفها المنشود.
ثالثا: لا بد من تحديد ثوابت للثورة:
1- إسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه.
2- قطع العلاقات مع الدول الداعمة.
3- إقامة الخلافة على منهاج النبوة على أنقاض هذا النظام.
بهذه الثوابت نضمن الحفاظ على الثورة من الانحراف والضياع وتحقيق الهدف المنشود بالنصر والتمكين الذي وعد به ربنا عز وجل حيث قال:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾،
وبشر به الرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».
بقلم: الأستاذ محمد حدود
المصدر:https://bit.ly/2piXTdG