انتهى لقاء سوتشي الذي جمع يوم الاثنين 17/9/2018م كلاً من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالاتفاق على إنشاء منطقة منزوعة السلاح بعرض يتراوح بين 15 إلى 20كم على طول خط التماس، وذلك في الخامس عشر من شهر تشرين الأول الحالي، ومع اقتراب موعد التنفيذ كان لا بد لنا من أن نسلط الضوء على الآثار المترتبة عن هذا الاتفاق؛ الذي يعتبر منعطفاً خطيراً يضاف إلى باقي المنعطفات التي شهدها مسار الثورة منذ انطلاقتها وحتى الآن.
بداية لا بد لنا أن نضع هذا الاتفاق في سياقه الصحيح حيث يعتبر هذا الاتفاق خطوة من الخطوات نحو تحقيق الحل السياسي الأمريكي؛ هذا الحل الذي بموجبه سيتم إجهاض ثورة الشام وتضييع جميع تضحيات أهلها، حيث سيقتصر هذا الحل على بعض التغييرات الدستورية التي تبقي أهل الشام تحت السيطرة الأمريكية؛ ولا بأس من تحجيم صلاحيات الرئيس؛ أو حتى تحييد طاغية الشام عن الواجهة...
هذا على المدى البعيد والآثار المترتبة عليه؛ أما بالنسبة للآثار القريبة المترتبة عن هذا الاتفاق فمن أهمها: جعل هدف إسقاط نظام سفاح الشام والذي يعتبر من أهم ثوابت ثورة الشام من الماضي، حيث إن المنطقة المنزوعة السلاح ستضرب طوقاً على المناطق المحررة بحيث يصعب معه أي عمل جاد من شأنه إسقاط النظام؛ أو حتى توجيه ضربات موجعة له، فهو سيكون في مأمن عن أي تهديد حقيقي وخاصة بعد أن أمّن العاصمة دمشق ومحيطها، بالإضافة إلى أنه يضع ما تبقى من المناطق المحررة في سجن كبير ريثما يتم الانتهاء من الحل السياسي الأمريكي، ليس هذا فحسب بل يمد طاغية الشام بشرايين الحياة بعد أن يتم فتح كل من الطرق الدولية التي تصل بين حلب والعاصمة دمشق وحلب واللاذقية، بالإضافة إلى أنه يهيئ المناخ المناسب ويضع المنطقة في أتون اقتتال فصائلي لا يبقي ولا يذر؛ تحت ذريعة حماية المدنيين المترتبة عن ما يسمى محاربة (الإرهاب) التي ستبقي الباب مفتوحا للقصف الروسي الذي لن يميز بين مدني وعسكري أو بين فصيل وفصيل، وهذا يعني استمرار الضربات الجوية الروسية؛ واستمرار القتل والتشريد... ليس هذا فحسب بل سيسعى الغرب الكافر لسحب السلاح من كافة الفصائل التي لا تخضع للحل السياسي الأمريكي.
وبهذا يتبين أن ما عجز عنه الروس عسكرياً أخذوه سياسياً على شكل اتفاق، وكله برعاية النظام التركي وتحت مسميات إنسانية!! هذا النظام الذي لعب دورا خطيرا للغاية فيما وصلت إليه ثورة الشام؛ وهذا الدور لن يدرك خطورته إلا من تخلى عن الأماني والأحلام، فالنظام التركي يبيع الأوهام ويسوق المنطقة نحو الحل السياسي الأمريكي، وهو كحصان طروادة قد استطاع أن يخترق قيادات الفصائل ويقيدها، ويفتح الأبواب مشرعة للغرب الكافر للسيطرة على كافة المناطق ليعيدها من جديد تحت الاحتلال بواجهة حكومات وطنية ورئيس منتخب!
وحتى ندرك ما آلت إليه ثورة الشام وخطورة ما هي مقدمة عليه؛ لا بد أن ندرك حقيقة الصراع الذي يحاول الغرب الكافر جاهداً صرف النظر عنه، فليست حقيقة الصراع هي على شخص طاغية الشام؛ رغم كل المحاولات الغربية لجعله كذلك، وإنما حقيقة الصراع هي بين الحق والباطل؛ وهو صراع بين الكفر والإيمان؛ صراع بين حضارة الغرب وحضارة الإسلام، وهذه حقيقة شرعية أكدها الله عز وجل مراراً وتكراراً في كتابه الكريم حيث قال عز من قائل: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾، وقال سبحانه: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾. هذه هي حقيقة الصراع، وبإدراك هذه الحقيقة ندرك يقيناً أن حصر الصراع في شخص طاغية الشام هو خداع وتضليل، فما معنى أن نستبدل بطاغية الشام طاغيةً آخر؟! وهل لهذا خرجت ثورة الشام وقدمت الغالي والنفيس؟! ولكم في تونس ومصر عبرة...
وبإدراك حقيقة الصراع ندرك يقيناً أننا سنبقى نعاني الظلم والشقاء طالما بقيت هذه الأنظمة الوضعية تحكمنا لأنها صادرة عن الجاهلية بكل معانيها، قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾، وإن الخضوع لها والإعراض عن شرع الله إنما هو الشقاء بعينه، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾، فمن أراد طيب العيش والسعادة في الدنيا والآخرة لا بد له أن يدرك هذه الحقيقة جيداً؛ ويعمل جاهدا للعيش في ظل شرع الله من خلال قطع أي ارتباط مع الدول الداعمة من أجل استعادة القرار ومن ثم العمل مع المخلصين لإقامة الخلافة الراشدة التي بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد في مسنده بسند صحيح «...ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ؛ ثُمَّ سَكَتَ».
وأخيرا لا بد أن ندرك أن الغرب الكافر وعلى رأسه أمريكا؛ قد اعتمدوا الحل السياسي كطريقة نهائية لإجهاض ثورة الشام، وإن ما يحدث من اتفاقيات وما يعقد من مؤتمرات إنما هو في هذا السياق مهما اختلفت الأدوات ومهما تنوعت أساليب المكر والخداع، ولا بد أن نعلم جميعاً أن نجاح أمريكا في حلها السياسي؛ يعني تضييع دماء أكثر من مليون شهيد؛ وتضييعاً لكل التضحيات التي ضحى بها أهل الشام على مدى ثماني سنوات...
بقلم: الأستاذ أحمد عبد الوهاب
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
جريدة الراية: https://bit.ly/2RzgHlQ