press

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

إمارة السوء وبطانة الشر تجلب على الأمة الهلاك

 

 

 

إن من أعظم ما ابتليت به الأمة بعد إمارة السفهاء ، هو تلك العصبة التي تحيط بالحاكم الفاسد أو القائد الجبان ، وهؤلاء الذين يُسمون البِطانة ، والاسم آتٍ من قرب هذه الفئة من الحاكم فهي تتطلع على باطن الأمور وظاهرها ، والبطانة إن كانت سوءاً فهي تعين الظالم على ظلمه ، وتسدّ عليه كل طريق للتوبة ، وتمنع عنه كل أسباب الهداية .
لأجل هذا حرص القادة المسلمون العظام أن يُحاطوا ببطانة الخير ، فقربوا إليهم أهل التقى والصلاح ، وأبعدوا عن مجالسهم أهل الأهواء والمنافقين ، ومن باب أولى الكافرين ، فهذا أبو موسى الأشعري قدم على عمر رضي الله عنهما بحساب ، فرفعه إلى عمر فأعجبه ، وجاء عمر كتاب فقال لأبي موسى : أين كاتبك يقرأ هذا الكتاب على الناس؟ فقال: إنه لا يدخل المسجد ، فقال لمَ ! أجُنُب هو؟ قال: إنه نصراني ، فانتهره وقال : لا تدنهم وقد أقصاهم الله ، ولا تكرمهم وقد أهانهم الله ، ولا تأمنهم وقد خونهم الله .

أما المفسدون في الأرض فإن الله يبتليهم ببِطانة تأخذ بأيديهم إلى مسالك الغواية ، فيظنون أن لهم أعواناً وسنداً على باطلهم ، إلا أن هذه البطانة السيئة سرعان ما تستغل قربها من الحاكم الفاسد فتسعى لتحقيق مآربها ، ثم تكون أسرع من تغدر بسيدها ، وأعجل ما تخونه بعد مسيرة من الثقة المخادعة ، كيف لا وهي التي كانت عوناً له في الظلم والطغيان ، وقد جاء في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أراد الله بالأمير خيراً جعل له وزير صدق ، إن نسي ذكره ، وإن ذكر أعانه ، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء ، إن نسي لم يذكره ، وإن ذكر لم يعنه» . ولا يريد الله بأحد سوءاً إلا بعد إعراضه عن أمر الله فقد قال تعالى: ﴿وَأَنِ احكُم بَينَهُم بِما أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِع أَهواءَهُم وَاحذَرهُم أَن يَفتِنوكَ عَن بَعضِ ما أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيكَ فَإِن تَوَلَّوا فَاعلَم أَنَّما يُريدُ اللَّهُ أَن يُصيبَهُم بِبَعضِ ذُنوبِهِم وَإِنَّ كَثيرًا مِنَ النّاسِ لَفاسِقونَ﴾ [المائدة: ٤٩]
بل إن أحد أهم أسباب تمادي الظلمة في ظلمهم هو بطانة السوء ، وإعانة الظالم على ظلمه ، قال تعالى عن قوم فرعون: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف: 26]. قيل إن فرعون قال للناس : أنا ربكم ، يقصد سيدكم ومولاكم ، وصاحب النعم عليكم ، كما يقال : رب المنزل ، أي صاحبه ، لكنهم سجدوا له ، فقال : أنا ربكم الأعلى .
لأجل هذا كان لزاماً على المخلصين في الأمة وهم يسعون لتغيير الحكام الظلمة الذين يحكمون بغير ما أنزل الله ، أن لا يغفلوا عن البطانة التي تحيط بهم ، وأن لا يُخدعوا بظاهر بعضهم الذي يُعلنه للناس كي يبرر للظالم ظلمه ، أو ليبرئ نفسه من المفاسد والجرائم التي يرتكبها الحاكم الفاسد وأعوانه .
كما أنه يجب على العاملين للنهوض بأمتهم أن يبحثوا عن الصادقين وأهل التقوى والعلماء العاملين ليكونوا لهم أعواناً في الحق الذي يسعون إليه ، فهذا ما فرضه الله على المؤمنين بأن يتقوه ويكونوا مع الصادقين وأن يتعاونوا على البر والتقوى ، وأن لا يتخذوا بطانة شر تخونهم وتودّ هلاكهم وشقاءهم ، قال تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا لا تَتَّخِذوا بِطانَةً مِن دونِكُم لا يَألونَكُم خَبالًا وَدّوا ما عَنِتُّم قَد بَدَتِ البَغضاءُ مِن أَفواهِهِم وَما تُخفي صُدورُهُم أَكبَرُ قَد بَيَّنّا لَكُمُ الآياتِ إِن كُنتُم تَعقِلونَ﴾ [آل عمران: ١١٨]

=====
منير ناصر