تستغرق العوامل التي تساهم في إيجاد الثورات سنين عديدة، وقد تمتد لعشرات السنوات، فإذا ما تجمعت هذه العوامل وتكدست بالشكل الصحيح: الحشوة المتفجرة، والحشوة الدافعة، والصاعق، كانت الثورة. وإن التغيرات الفكرية التي تحدث في الأمم لها النصيب الأكبر في إيجاد الثورات. فالأفكار تتغير عند الأمة ولا يتغير سلوكها، وذلك لثقل النظام عليها - بخلاف الفرد - فإذا ما أتتها الظروف التي تحرك مشاعرها، أو خف عليها ضغط الأنظمة، تراها بدأت بالتحرك في محاولة لإيجاد أفكارها على أرض الواقع مستهينة بالتضحيات.
وقد جمعت ثورة الشام هذه العوامل وبأعلى درجاتها وذلك قبل البدء بالتحرك، فمفهوم الخلافة والحكم بما أنزل الله كانا عميقين عند أهل الشام، والأفكار العلمانية لم تستهوهم، وإن كان قد وجد بعض الأفراد العلمانيين إلا أنهم لم يستطيعوا تشكيل تيار بينهم، رغم وجود طوائف امتلكت القرار ردحا طويلا من الزمن.
أما المشاعر في الشام فهي الشحنة الدافعة كاملة الاحتراق، تدفع ذلك الذراع دون أي تهريب أو تنفيس، وهذه المشاعر لا تشتت فيها، تضغط باتجاه الفكر الذي اقتنعت به ما يعطي الجدية في الأعمال، وقد قال رسول الله ﷺ إن الإيمان حين تقع الفتن يكون بالشام.
وأما النظام ما قبل الثورة، فقد كان محاربا لله سبحانه ورسوله ﷺ، يجاهر بالعداء لدين الله، معلنا ذلك غير موارب ولا مخادع كبعض الأنظمة الأخرى في بلاد المسلمين، هذا الوضوح سهّل على أهل الشام فكرة إسقاطه بل وحتى قتاله.
هذه العوامل الثلاثة: التغير الفكري نحو مفهوم الخلافة، والمشاعر الجادة التي تدفع بالشكل الصحيح، والنظام المجاهر في العداء لدين الله، شكلت كمية هائلة من الغاز عالي التفجير ينتظر شرارة أو أقل، وقد جاءت من تونس ثم مصر وليبيا، فكانت ثورة البركان في الشام. وإن قوة هذا الانفجار عند قياسها تكفي للوصول إلى الهدف المنشود، وهو تغيير النظام بل تغيير النظام العالمي، وهذا ما أدركته أمريكا منذ البداية، فسخرت معظم القوى العالمية لمحاربة ثوره الشام حتى إنها أجلت جميع الملفات الدولية خمس سنوات.
وبدون تنبؤ بالمستقبل، فإن قياس قوة ثورة الشام منذ البداية تعطي يقينا بإذن الله على أنها ستصل إلى هدفها وهو تغيير النظام العالمي، فكما أن قياس قوة البركان تعطي المؤشر إلى حجم تأثيره، كذلك ثوره الشام حتى لو مر عليها الكثير من التقلبات، بل إن هذه التقلبات تساهم في التأكيد أنها ستصل إلى هدفها وهو تغيير النظام العالمي.
لقد أضافت التضحيات التي قدمها أهل الشام خلال 13 عاما قوة استثنائية لهذه الثورة، ذلك أن ثباتها هذه المدة يؤكد أن انطلاقتها كانت بقوة جبارة كافية للوصول إلى الهدف مهما طال الزمن، فكيف إذا أضيف إليها حجم التضحيات الهائل وهي أكثر من مليون ونصف المليون شهيد، وأكثر من عشرة ملايين مهجر، فضلا عن الجوع والجراح، فكانت هذه التضحيات محفزا آخر للاستمرار في طريق الثورة فلم يعد هناك شيء يمكن خسارته، وقد استوى مفهوم الحياة والموت، بل بات الموت أجمل وأكثر طمأنينة.
لقد تمسك النظام العالمي بمعادلة مفادها أنه لا بد لأهل الشام بعد هذه الثورة من أن يعلنوا استسلامهم الكامل دون قيد أو شرط ويعودوا إلى السجون والمقاصل، ويسميه النظام (حضن الوطن)، أي يعودوا إلى نظام أسد صاغرين وهو ما يسميه النظام العالمي الحل السياسي، فكان هذا الأمر عاملا ثالثا إضافيا في قوة ثورة الشام، فالثورة تجبر أهلها على متابعة طريقهم وذلك بعامل الخوف من العودة إلى مقاصل ومسالخ النظام المجرم.
ثورة الأمة في الشام هذه لا بد أن تصل إلى هدفها بإذن الله، فالمشهد على الشكل التالي:
أولاً قوة ابتدائية كافية للوصول. وثانياً تضحيات على طول الطريق والسنين قل نظيرها. وأخيراً، إن العلاقة مع نظام أسد بل نظام أمريكا هي علاقة صفرية، ما يمنعك من الاستسلام مهما كانت درجة التعب.
هذه هي ثوره الشام ثابتة ومستمرة حتى تصل بإذن الله إلى هدفها لتكون خلافة راشدة على منهاج النبوة.
------------
بقلم: الأستاذ شكري ضياء الدين