إن المال الذي يؤخذ من التجار الذين يحملون تابعية الدولة على الثغور، وما يسمى اليوم (حدود الدولة)، هو أخذٌ لمالهم ظلما بغير وجه حق، وهو ليس أخذ لمال التجار فحسب، بل أخذ لمال جميع الناس من رعايا الدولة؛ لأن التاجر سوف يُحمِّل هذا المال على رأس مال البضاعة، فيأخذه من جيوب الناس. فهذا المال المأخوذ من التجار بغير حق هو المكس الذي عرفه الفقهاء: بالمال الذي يُؤخذ بغير وجه حق على التجارة، حين تمرّ على ثغور الدولة.
وقد وردت عدة أحاديث في ذم المَكْس، والتغليظ على من يأخذه، مثل ما رَوَى عقبة بن عامر أنّه سمع رسول الله ﷺ يقول: «لا يدخل الجنّة صاحبُ مَكْس» [رواه أحمد والدارمي وأبو عبيد]، وعن بُرَيْدَة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في المرأة الغَامِدِيَّة التي زنت ثم تابت: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ»[صحيح مسلم]. قال الإمام النووي - رحمه الله - في شرحه على صحيح مسلم: (إن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات).
وفي الأثر عن كُرَيْز بن سليمان قال: «كتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الله بن عوف القاري أن اركب إلى البيت الذي برفح، الذي يقال له بيت المكس فاهدمه، ثم احمله إلى البحر فانسفه فيه نسفاً» [رواه أبو عبيد في الأموال]. كما كتب إلى عَديّ بن أرطأة أن ضع عن النّاس الفدية، وضع عن النّاس المائدة، وضع عن النّاس المكس، وليس بالمكس، ولكنه البخس الذي قال الله فيه: ( وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ)[هود 85] فمن جاءك بصدقة فاقبلها منه، ومن لم يأتك بها فالله حسيبه»[رواه أبو عبيد في الأموال].
فجميع هذه الأحاديث والآثار فيها ذم المكس، وتشديدٌ وتغليظٌ على فاعله، مما يدل على تحريم أخذه.
وكذلك وردت آثار أُخرى تبيّن أن العشر لم يكن يؤخذ من المسلمين، ولا من أهل الذمّة على تجاراتهم التي يمرون بها على الثغور، وإنّما كان العشر يؤخذ من تجار أهل الحرب ليس غير معاملةً بالمِثْل، فعن عبد الرحمن بن مَعْقِل قال: «سألت زياد بن حُدَيْر: من كنتم تعشرون؟ قال: ما كنا نعشر مسلماً، ولا معاهداً. قلت: فمن كنتم تعشرون؟ قال: تجار الحرب، كما كانوا يعشروننا إذا أتيناهم»[رواه أبو عبيد في الأموال].
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
محمد صالح