قال تعالى: (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون). هذه الآية الكريمة من كتاب الله عز وجل تدل دلالة واضحة على أن الكفر بأنعم الله يؤدي الى عقوبة شديدة جدا: (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف)، والله سبحانه وتعالى أمرنا أن نشكر نعمته لا أن نكفرها، فالعقوبة هنا تمس أهم أمرين عند الناس: الأمن والجوع. وإذا أردنا أن نفهم هذه الآية فهماً سياسياً نقول: إن الملف الأمني والملف الاقتصادي مرتبطان ببعضهما في أي بلد من بلدان العالم ارتباطا محكما، فعندما ينعدم الأمن في بلد ما، تهرب رؤوس الأموال إلى بلد آخر بحثا عن الأمن فتزيد البطالة والفقر، والعكس صحيح، فإن أي بلد يتفشى فيه الفقر وتنعدم فيه سبل العيش تكثر فيه الجريمة، تبدأ بالسرقة على مستوى الأفراد، وتمر بحالة السطو المسلح من قبل الجماعات وقد تصل الأمور إلى أبعد من ذلك بكثير، فانعدام الأمن من شأنه أن يورث الفقر، ومن شأن الفقر أن يورث انعدام الأمن. ولذلك ترى القرآن الكريم يربط بين هذين الملفين في أكثر من موضع، قال تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع). وقال عز من قائل: (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف). وقال سبحانه: (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف). ومن هنا يتبين أن ارتباط هذين الملفين ببعضهما أمر طبيعي. ولذلك ترى في بعض الدول المتقدمة تُحسب نسبة البطالة بدقة، وعندما تنخفض نسبة البطالة في زمن رئيس ما، تحسب له نقطة ايجابية ويتباهى بها، لأن انخفاض نسبة البطالة يؤدي ولو بشكل نسبي لانخفاض معدل الجريمة، وهذا هو الحال عند جميع الدول.
أما نحن المسلمين، فإننا أبناء أمة محمد صلى الله عليه وسلم والوضع عندنا له تفصيل أبعد من ذلك، وهو أن الملفين، الاقتصادي والأمني، مرتبطان ارتباطا محكما ووثيقا بملف ثالث، وهو ملف نظام الحكم. فالمسلون ما لم يطبقوا الإسلام كنظام حكم فلن يهنؤوا يوما بالأمن ولا بالراحة، لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى). فإعراضنا عن ذكر الله سيورثنا الضنك في العيش في الدنيا والعذاب في الآخرة والعياذ بالله. فالقرية التي كانت آمنة مطمئنة، ويأتيها رزقها رغدا من كل مكان، أذاقها الله لباس الجوع و الخوف لأنها كفرت بأنعم الله.
ومن المعلوم بداهة أن اكبر نعمة وأجمل نعمة وأغلى نعمة أنعم الله بها علينا هي نعمة الاسلام، فكيف نترك شريعة الله ونحتكم لشريعة غيرها والله سبحانه وتعالى يقول: (إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه)!
ومن يقرأ قصص الأنبياء في القرآن الكريم، يرى كيف أهلك الله أمما كثيرة أعرضت عن رسالات ربها، ولم تؤمن بالله ولم تحتكم الى شرعه.
والله سبحانه وتعالى يحذر النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك ولو حكما شرعيا واحدا، قال تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون). فمعنى قوله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) أي بكل ما أنزل الله، لأن (ما) هنا من صيغ العموم، ومعنى قوله تعالى أيضا: (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك) أي وإن كان حكما شرعيا واحدا. وإن الحيد عن الحكم الشرعي، وإن كان حكما واحدا يعتبر معصية تستحق العقوبة، قال تعالى: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).
والخلاصة:
إن نهضة المسلمين لم ولن تكون إلا باتباع أوامر الله سبحانه وتعالى، وهذا يقضي بأن نأخذ الأمر على محمل الجد، وأن نتخذ قضية تحكيم الشريعة قضية مصيرية، ومعنى قضية مصيرية أي أن نتخذ حيالها موقف الحياة او الموت، كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: (يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه، ما تركته). ففي هذا عز الدنيا والفوز بالآخرة بإذن الله، والحمد لله رب العالمين.
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
سامر عيد