تمكن أهل الشام من إسقاط طاغية الشام بعد ثبات وصبر قل نظيره، وتم تتويجه بالنصر ودخول دمشق وإزاحة العصابة الأسدية عن الحكم في سوريا بعد ستة عقود من الاستبداد والطغيان والعمالة والإجرام، ولكن مشغلي النظام البائد من المؤكد أنهم لن يقفوا عند زوال عميلهم بل سيواصلون مسيرتهم أملاً منهم في إعادة السيطرة على حكم البلاد عبر أدوات جديدة أو قديمة، وما محاولة فلول النظام البائد التمرد والانقلاب في الساحل السوري إلا محاولة سيتبعها محاولات أخرى، والهدف على الأقل وضع الإدارة الحالية في سوريا تحت الضغط عبر تحريك هذه الشراذم هنا وهناك، فيما تواصل دوائر المخابرات العالمية وعلى رأسها الأمريكية المكر بأهل الشام لإفشال ما تحقق حتى الآن ومحاولة إعادة البلاد للمربع الأول.
فرغم استجابة إدارة المرحلة لكثير من متطلبات القوى الكبرى إلا أنها لم تنل ما يوازي هذه الاستجابة وعلى رأسها رفع العقوبات عن سوريا، في استغلال رخيص ودنيء من القوى الغربية للحالة التي يعيشها أهل الشام، فالابتزاز هو طريقة هذه القوى في التعامل مع المسلمين الذين عليهم مواجهة ذلك بمبدئية وجرأة لا التلون والتماهي ومجاراة هذه القوى التي كلما استجبت لأحد مطالبهم سيطلبون المزيد حتى يصلوا إلى أهدافهم في إعادة النظام الرأسمالي العلماني المجرم ليسوس الشام وأهلها مرة أخرى.
لقد خرج أهل الشام بثورة مباركة قدموا فيها تضحيات هائلة وثبتوا على مطالبهم رغم التكالب الدولي والإقليمي والذي ما زال مستمرا رغم الانتصار الساحق، وإننا إذ نعتبر ما تحقق هو إنجاز لكل شعبنا وروحه الثورية والجهادية المعطاءة إلا أن هناك من لا يروق له ذلك ويريد لنا أن نركب سكة الدول لتنفيذ إراداتها ولو على حساب البلاد وتضحيات الشعب، فرغم أن مطلب الثورة وأهلها واضح منذ بدايتها وعلى رأسها تحكيم شرع الله الذي جسده شعار "قائدنا للأبد سيدنا محمد" إلا أن ما ورد في الإعلان الدستوري بعيد كل البعد عن مطالب وطموحات وتطلعات أهل الشام، فهو لا يختلف كثيراً عن دساتير الأنظمة العربية والإقليمية، بل إنه شابه إلى حد بعيد دستور نظام بشار عام 2012، وهذا ليس مستغربا من حيث المبدأ ممن يريد إسقاط نظام وليس بحوزته بديل سياسي واضح ومبلور من قبل، وغياب البديل يدفع باتجاه التخبط لأن الدول هي مشروع يتمثل بدساتير وقوانين ولا يمكنها العيش بدونها فترة طويلة، فجاء الإعلان الدستوري بعد أكثر من ثلاثة أشهر مكشوفا عنه الغطاء حتى أنه لم يعجب جميع القوى السياسية في سوريا من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، لكن ما يهمنا من كل هؤلاء هم أهل الثورة والتضحيات وخصوصا المجاهدين الذين عاهدوا الله أن يقيموا شرعه على أرض الشام المباركة كثمرة لجهادهم وتضحياتهم طوال هذه السنوات، فقد تفاجؤوا بهذا الإعلان الدستوري الذي أقل ما يقال فيه أنه علماني رغم كافة أنواع المساحيق لتجميله واضفاء الصبغة الإسلامية عليه لخداع الناس ولامتصاص غضبهم، ولكن الوعي على الإسلام عند أهل الشام لا تخدعه هذه المساحيق .
إن التنازل عن ثوابت الثورة والدين عاقبته وخيمة، فديننا وعقيدتنا هي مصدر عزنا وكرامتنا لا يجوز الاقتراب منها أو التنازل عن شيء منها، ولا يمكننا بأي شكل من الأشكال أن نرد على معية الله سبحانه وتعالى ونصره لنا بحمده وشكره بلساننا فقط، بل إكرام الله ونصره لنا في إسقاط نظام طاغية الشام لا يعادله إلا إقامة حكم الإسلام كاملا غير منقوص ، فمن نصرنا بعد أربعة عشر عاما هو كفيل أن ينصرنا إن أقمنا دينه وطبقنا أحكامه.
إن جعل الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا وليس وحيدا للدستور، إنما هو إشراك لغير الله بالحكم و جعل الإنسان قيما على شرع الله، و لهذا الأمر تبعات خطيرة فهو تعبيد الناس لغير الله، رغم علمنا أساسا أن هذا الإعلان هو ما يتطلع له أعداء الإسلام وأهل الشام وفيه مفاسد عظيمة، ورغم علمنا بأنه مؤقت ولكن النهايات تُعرف من البدايات.
إن خوض غمرات الكفاح السياسي أخطر بكثير من العمل العسكري لأن الخطأ السياسي يمكنه أن يسحق جميع الإنجازات العسكرية بقرار سياسي واحد وإضاعة الجهود الكبيرة المبذولة وجعلها هباء منثورا، ومن هذا المنطلق فقد كنا حريصين طوال الفترة الماضية أن نكون عونا لإخواننا المجاهدين وناصحين للصادقين من أبناء الشام.
إن الإعلان الدستوري يؤسس لمرحلة جديدة خطيرة، وليس هناك مجال لذكر وتفنيد طامات جميع مواد هذا الإعلان وانعكاساته الخطيرة على البلاد وعلى شعبنا وثورته المباركة، ولذلك ندعو العقلاء من المجاهدين وأصحاب الرأي من الحريصين على تتويج تضحيات أهل الشام من أبناء أمتنا بما يرضي الله للضغط على إدارة المرحلة لتصحيح الأخطاء، لأن شعبنا لن يعبد غير الله إلها واحدا لا معبود غيره، ولن يقبل بأقل من أن تكون العقيدة الإسلامية أساس الدولة ودستورها وقوانينها، وأن تكون الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع وليس أن الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع، فنحن لا نشرك مع الله أحدا.
لقد كنا و ما زلنا ناصحين حتى تستعيد الأمة مجدها وعزها، والذي لن يكون إلا بالتمسك بالإسلام عقيدة ونظاما، والعمل بجد لإقامة الدولة الإسلامية التي ليست غايةً بحد ذاتها وإنما وسيلة لتبليغ رسالة الله لعباده في الأرض، ومن غاب عنه هذا المفهوم وانغمس بالواقع فمن المؤكد أنه سيرى مشروع إقامة الدين أوهاما سياسية وأحلاما، وستكبر قوة الكفار المادية بعينه حتى يراها أكبر من قوة الله (والعياذ بالله) ويواجه خطر التثاقل الى الأرض والقبول بما يلقيه أعداء الإسلام من فتات.
لقد أعطت الثورة دفعة قوية باتجاه عملية التغيير المنشود الذي تسير في طريقه أمة الإسلام وفي مقدمتهم أهل الشام الذين لن يخيبوا أمل أمتهم في الخلاص من عباءة الاستعمار ونير العبودية لغير الله والسعي للتحرر من جميع أفكار الكفر والخور التي عشعشت في عقول بعض أبناء أمتنا، في الوقت الذي يجب أن يكون التحدي الصريح والواضح عنوان المرحلة لتعبئة الأمة لمواجهة قوى الاستعباد الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وربيبها كيان يهود المسخ الذي ما كان له أن يتطاول على بلادنا لو وجد ردا حازما و موقفا صادقا من أبناء الأمة.
إن جميع القوى في العالم تمر بحالة ضعف تحاول تغطيته بالبروباغاندا الإعلامية، وهذه فرصة عظيمة لرفع السقف وعدم الخشية فالمستقبل لأمة الإسلام للعودة لريادة العالم مرة أخرى واستعادة المسلمين مكانتهم التي تليق بهم وبدولتهم الخلافة الراشدة القائمة قريبا بعون الله في الشام عقر دار الإسلام.
(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِين).
-----------
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
أحمد معاز