بعد أن منّ الله على أهل الشام بإسقاط أسد المجرم، ها هي الدول الكبرى في العالم وعلى رأسها أمريكا، تسارع في الكيد لهم كي لا تخرج سوريا عن السيطرة، وأن تكون امتداداً لنظام بشار، أي تبقى كما كانت دولة تابعة عميلة وحامية لحدود كيان يهود، فبدأت تلك الدول تضع الشروط والمواصفات لسوريا ما بعد الأسد، مُجْمِعَةً في تأكيدها على محاربة الإسلام، فراحت هذه الدول التي تتقاطر وفودها إلى دمشق تربط ملف رفع العقوبات باستجابة الإدارة الحالية للضغوطات الغربية ورؤيتها لشكل الحكم في سوريا، مدعومةً بإعلامٍ علماني يُسَوِّق أن مستقبل سوريا سيكون دولة ديمقراطية مدنية علمانية تقصي الإسلام عن الحكم والدولة والمجتمع، مع تشكيل حكومة لا تقصي أحداً، ويدّعون زوراً وبهتاناً بأنها مطالب الناس، ولكنّ أهلنا الذين صمدوا على مدار 13 عاماً في وجه آلة القتل والدمار وبذلوا الدماء والأشلاء وعظيم التضحيات لا يرون غير الإسلام والحكم بما أنزل الله مستقبلاً لسوريا، ومن أجل هذا الهدف العظيم جاد أهلنا بما يقرب من مليوني شهيد، صابرين ومحتسبين.
لذلك، فإنه من الضروري تبيان شكل الحكم في الإسلام لتنتقل القضية من شعار يتوق المسلمون لعودته إلى واقع واضح في أذهانهم ومنضبط في أفكارهم، يبذلون كل جهد من أجل ترسيخه وتحقيقه، وعليه نقول:
1- نظام الحكم في الإسلام هو نظام الخلافة: فالخلافة شرعاً هي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لإقامة أحكام الشرع الإسلامي، وحمل الدعوة الإسلامية إلى العالم، وهي عينها الإمامة، وهي الشكل الذي وردت به الأحكام الشرعية لتكون عليه الدولة الإسلامية كما أسسها رسول الله ﷺ في المدينة المنورة، وكما سار عليها الصحابة الكرام من بعده، وهذا الرأي جاءت به أدلة القرآن والسُّنة وعليه إجماع الصحابة.
2- نظام الحكم في الإسلام ليس جمهورياً ولا ديمقراطياً: فالنظام الجمهوري الديمقراطي هو نظام من وضع البشر يقوم في أساسه على فصل الدين عن الحياة وتكون السيادة فيه للشعب، فالشعب هو الذي يملك حق الحكم وحق التشريع، حتى لو كان تشريعه مخالفاً بشكل صريح لأحكام الإسلام وضوابطه، فيملك حق الإتيان بالحاكم، وحق عزله، ويملك حق تشريع الدستور والقوانين. بينما يقوم نظام الحكم الإسلامي في أساسه على العقيدة الإسلامية، وعلى الأحكام الشرعية، والسيادة فيه للشرع لا للشعب، ولا تملك الأمة فيه ولا الخليفة حق التشريع، فالمشرع هو الله سبحانه، لكن الإسلام قد جعل السلطان والحكم للأمة، فهي تنتخب من يحكمها بالإسلام وتبايعه على ذلك، وما دام الخليفة قائماً بالشرع، مطبقاً لأحكام الإسلام فإنه يبقى خليفة، مهما طالت مدة خلافته، ومتى أخلَّ بتطبيق أحكام الإسلام انتهت مدة حكمه ولو كانت يوماً أو شهراً، يجب أن يُعزل. ومنه نرى أن هناك تناقضاً كبيراً بين النظامين في الأساس وفي الشكل الذي يقوم عليه كل منهما، وعليه فلا يجوز مطلقاً أن يقال إن نظام الإسلام نظام جمهوري، أو أنه يقرُّ الديمقراطية.
3- نظام الحكم في الإسلام ليس ملكياً: ولا يُقرّ النظامَ الملكي، ولا يشبه النظامَ الملكي، فالنظام الملكي يكون الحكم فيه وراثياً، يرثه الأبناء عن الآباء، كما يرثون تركتهم، والنظام الملكي يخصّ الملك بامتيازات وحقوق خاصة، ويمنع ذاته من أن تُمسّ، بينما نظام الإسلام لا يخصّ الخليفة أو الإمام بأية امتيازات أو حقوق خاصة، فليس له إلا ما لأي فرد من أفراد الأمة، ونظام الحكم في الإسلام لا وراثة فيه والخليفة ليس ملكاً بل هو نائب عن الأمة في الحكم والسلطان، اختارته وبايعته بالرضا ليطبق عليها شرع الله، وهو مُقيَّد في جميع تصرفاته وأحكامه ورعايته لشؤون الأمة ومصالحها بالأحكام الشرعية.
4- نظام الحكم في الإسلام ليس إمبراطورياً: فالنظام الإمبراطوري بعيد عن الإسلام كل البعد، لأنه لا يساوي بين الأجناس في أقاليم الإمبراطورية بالحكم، بل يجعل ميزة لمركز الإمبراطورية في الحكم والمال والاقتصاد، وطريقة الإسلام في الحكم هي أنه يساوي بين المحكومين في جميع أجزاء الدولة، وينكر العصبيات الجنسية، ويعطي لغير المسلمين الذين يحملون التابعية حقوق الرعية وواجباتها، فلهم ما للمسلمين من الإنصاف، وعليهم ما على المسلمين من الانتصاف، فهو بهذه المساواة يختلف عن الإمبراطورية، وهو بهذا النظام لا يجعل الأقاليم مستعمرات، ولا منابع تصب في المركز العام لفائدته وحده، بل يجعل الأقاليم كلها وحدة واحدة مهما تباعدت المسافات بينها، وتعددت أجناس أهلها، ويعتبر كل إقليم جزءاً من جسم الدولة، ولأهله سائر الحقوق التي لأهل المركز، أو لأي إقليم آخر، ويجعل سلطة الحكم ونظامه وتشريعه كلها واحدة في كافة الأقاليم.
5- نظام الحكم في الإسلام ليس اتحادياً، تنفصل أقاليمه بالاستقلال الذاتي، وتتحد في الحكم العام، بل هو نظام وحدة تعتبر فيه الولايات أجزاء من الدولة الواحدة، وتعتبر مالية الأقاليم كلها مالية واحدة وميزانية واحدة تنفق على مصالح الرعية كلها، فنظام الحكم وحدة تامة يحصر السلطة العليا في المركز العام، ويجعل له الهيمنة والسلطة على كل جزء من أجزاء الدولة صغر أو كبر، ولا يسمح بالاستقلال لأي جزء منه، حتى لا تتفكك أجزاء الدولة.
والحاصل أن نظام الحكم في الإسلام هو نظام خلافة. وقد انعقد الإجماع على وحدة الخلافة، ووحدة الدولة، وعدم جواز البيعة إلا لخليفة واحد. وقد اتفق على ذلك الأئمة والمجتهدون وسائر الفقهاء.
ونقول لأهلنا الثابتين على أرض الشام، أهل الملاحم والبطولات:
إنه لا يكافئ دماءكم التي قدمتموها وتضحياتكم التي بذلتموها إلا الحكم بالإسلام في ظل دولة ترضي الله سبحانه ورسوله ﷺ، دولة الخلافة التي تنتهي بها وحدها كل مآسي المسلمين ومشكلاتهم.
وإن حزب التحرير قد وضع بين أيديكم التصور الواضح لنظام الحكم في الإسلام الذي حكم به أئمة الهدى سادتنا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، وحريٌّ بكم الالتزام بما أمركم به ربكم الذي بيده وحده نصركم وعزكم، وقد رأيتم معيته سبحانه التي حملتكم إلى دمشق منتصرين، ولا يليق بكم أيُّ نظامٍ علماني يُطرح عليكم يُسخِط اللهَ ويشقي عباده، حتى ولو كان مُجمَّلَ الوجه مُزكّىً من القنوات الفضائية المسيّسة، وحتى لو تمسّح بذكر الإسلام ما دام مضمونه هو الديمقراطية والحكم بغير ما أنزل الله. قال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾.
نسأل الله لأهلنا في سوريا وكل بلاد الإسلام الثبات على الحقّ، والعزةَ بحكم الإسلام ودولته الخلافة التي بشرنا النبي ﷺ بعودتها على أنقاض الحكم الجبري حيث قال: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»، فبها وحدها نستعيد عزنا المفقود وقدسَنا من يهود، وبها وحدها نعيد كتابة التاريخ من جديد ونعود بحقٍ خيرَ أمة أخرجت للناس، وما ذلك على الله بعزيز.
------------
كتبه: الأستاذ ناصر شيخ عبد الحي
المصدر: https://tinyurl.com/5n6j3v42