press

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

333

 

 

إن ما حدث في سوريا من سقوط الطاغية أسد وهروبه إلى خارج البلاد بتاريخ 08/12/2024م لهو حدث عظيم، يستدعي التأمل فيه في ضوء السنن الإلهية المتعلقة بالنصر والتمكين.

فقط أحد عشر يوماً من الحراك العسكري كانت كفيلة بانهيار بشار وجيشه وكافة المليشيات الموالية له، في وقت وقفت فيه قوى دولية كأمريكا وروسيا مذهولة أمام ما جرى، عاجزة عن إنقاذ عميلها والحيلولة دون سقوطه. اضطرت هذه القوى إلى التسليم بالأمر الواقع، والتعامل مع واقع جديد، ومع إدارة جديدة يراد لها أن تملأ الفراغ السياسي والأمني الذي حصل بعد سقوط بشار المجرم.

وصلت إدارة العمليات العسكرية إلى دمشق بقيادة أحمد الشرع، الذي نُصِّب رئيساً للمرحلة الانتقالية في 29 كانون الثاني/يناير 2025. وقد استعان بعدد من قادة هيئة تحرير الشام السابقين لتولي مراكز السلطة والحكم.

لا شك أن معركة تحرير سوريا كانت منحة إلهية عظيمة، عامة لأهل الشام بتخليصهم من الظلم، وخاصة لمن أوصلهم الله إلى سدّة الحكم، لاختبار أهليتهم ومدى استحقاقهم للتمكين وفق الشروط الشرعية، ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

ونجد في قصة نبي الله موسى عليه السلام وبني إسرائيل مع فرعون إضاءة سننية تغييرية فيما يخص قضية التمكين وشروط استمراره. فقد جاء في سورة الأعراف على لسان سيدنا موسى عليه السلام ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾، فهو يُصبِّر قومه على ما يلاقونه من بطش فرعون وزبانيته وهو يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، وقد زاد ذلك البطش بعد ظهور دعوة موسى عليه السلام ومواجهته فرعون وقومه فكان جواب قومه: ﴿قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا﴾ فرد عليهم موسى عليه السلام: ﴿قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾.

نعم أشار سيدنا موسى عليه السلام إلى إمكانية إهلاك فرعون ولكن بعد الصبر والاستعانة بالله والعمل وفق التوجيهات الإلهية، وقد جاء الأمر الإلهي لموسى عليه السلام بعدها بأن يخرج هو وقومه فارين بدينهم متجهين نحو اليمّ، حيث كان مهلكة فرعون وجيشه إذ أغرقهم الله ونجى موسى عليه السلام والمؤمنون معه.

نعم هلك فرعون وهامان وجنودهما فسقط نظامهم المعادي لله، وأصبح الطريق ممهدا للمؤمنين ومعهم نبي الله موسى عليه السلام لأن يعودوا إلى مصر ويمكنهم الله ويورثهم الأرض ويستخلفهم فيها فيحكمون بشرع الله ويقيمون العدل بين العباد.

إلا أن بني إسرائيل وهم في طريق العودة لم يشكروا النعمة العظيمة التي منّ الله بها عليهم بإهلاك عدوهم وإعطائهم الملك وتمكينهم في الأرض، فما كان منهم إلا أن عبدوا العجل بمجرد غياب موسى عليه السلام عنهم برهة للقاء ربه عند جبل الطور، فماذا كانت النتيجة؟ فقد غضب الله عليهم وكتب عليهم التيه؛ ﴿أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ﴾، وهكذا جرت سنة الله عليهم فنزع منهم الملك وعاقبهم بالضياع والفرقة والشتات.

وهنا الدرس البليغ لقادة الإدارة الجديدة في سوريا بأن النصر المؤقت الذي حظوا به مشروط، لا يتحول إلى تمكين دائم إلا بتحقيق شروطه؛ أن تكون السيادة لله، وأن يحكموا بشرع الله، وأن يعلنوها خلافة راشدة على منهاج النبوة، يحكمها خليفة يبايع على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله.

أما ما نراه اليوم من استنساخٍ للنظام السابق، والاحتكام للدستور الوضعي، وتسمية الدولة بأنها "جمهورية سورية"، فهو انتكاسة تعيد إنتاج الظلم وتضيع تضحيات الثوار، كما خان بنو إسرائيل الأمانة حين عبدوا العجل بعد نجاتهم من فرعون وظلمه.

إن التمكين هبة إلهية واختبار في آنٍ معاً. فإما أن يُحسن من يصل إلى سدة الحكم أداء الأمانة، ويقيم حكم الله وعدله، فيبارك الله خطواته ويفتح له أبواب النصر، وإما أن يعيد أخطاء من سبقه، فيذوق مرارة التيه والخذلان. فالفرصة سانحة، والمرحلة مفصلية، فإما طريق موسى عليه السلام والفوز بالدنيا والآخرة، أو تكرار أخطاء وخطايا بني إسرائيل، ومن ثم الخسران المبين والخزي في الدنيا والآخرة!

-------------
بقلم: الأستاذ أحمد الصوراني

 

 

المصدر: https://tinyurl.com/3kpxkvks