
في مسائل الحكم الرشيد ذكر لنا القرآن قصة الملك القوي العادل (ذي القرنين) عندما امتحنه الله واختبره في كيفية تعامله مع الناس عند الفتح، وقد كان من عادة الملوك إن أخذوا أرضا استباحوها وأعملوا القتل في رجالها وسبوا النساء وسرقوا الأرزاق دون تمييز بين صالح ومفسد.
وقد ذكر القرآن الكريم في سورة الكهف قصة ذي القرنين بعد أن مكنه الله في أرض فتحها واستولى عليها: (حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا) وهنا وقع الاختبار والتخيير: هل ستعذبهم كلهم كما جرت العادة أم سترحمهم. وقد ذكر القرآن الكريم ماهي الاجراءات التي سيتخذها ذو القرنين في حكمه: (قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا). وهنا كان نجاحه في الاختبار عندما قرر معاقبة الفئة الظالمة والأخذ على يدها بالشدة والقوة، ومكافأة الفئة الصالحة وملاطفة القول معهم بالرحمة والعدل.
قال بعض المفسرين أن هذه قاعدة من قواعد الحكم الرشيد، فقانون العدالة الإلهية أن الظالم يعاقَب ويؤخذ على يديه، فإذا أنت رحمت الظالم فلن تصلحه في الغالب الأعم، خاصة في المراحل الأولى التأسيسية لدولتك. وقد وردت هذه القاعدة في خطبة الصحابي الجليل والعبقري الفذ سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه عندما تولى الخلافة فقال في خطبته: "القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له). ولذلك فإن محاسبة المجرمين حق واجب على الدولة، وتهاونها في محاسبة المجرمين لدواعٍ مختلفة لن يجلب سوى الاضطراب والقلاقل، فلا المظلوم سيترك حقه في المحاسبة ولا المجرم سيرتدع إذا انت عفوت عنه ولم تعاقبه، ونكون قد خسرنا معية الله وتوفيقه إذا تركنا حقوق الناس وتهاونا فيها.
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
إياد أبو حازم
