بينما يستشعر الطاغية الكبير خطر زوال حكمه وتسلطه على العباد ، جمع عنده أهل التأويل والتفسير ، وسألهم عن منشأ هذا الخطر الكبير ، فكان جوابهم أنه طفلٌ سيولد في هذه الأيام ، وسيبلغ من أمره أن ينهي حكم الظُلّام ، ففكّر وقدّر ثم أجمع أمره وقرر ، فأمر بقتل كل الأطفال الذكور ، وهكذا عند الطاغية تعالج الأمور ، ثم تفطَن بعض حاشيته لخطر انقراض خدمه وسدنته ، فخفف من حكمه إلى النصف ، فأمر بقتلهم عاماً وتركهم أحياء عاماً ، وظنّ أنّ مكره سيقضي على الخطر في مهده ، قبل أن يبلغ الطفل مبلغاً لا يمكنه من مواجهته ، إلا أن الله قد خيّب ظنه ، ورد كيده في نحره ، فقدّر الله أن يولد موسى عليه السلام في العام الذي يقتل فيه الأطفال ، وقدّر الله أن يعيش في قصر فرعون ويتغذى في حضن أمه ، ليظهر أن مكر الطاغية لم يمنع الخطر الذي خسر في مواجهته فيما بعد .
وهذا حال طغاة هذا الزمان ، طريقتهم واحدة وأساليبهم ذاتها ، يستشعرون خطر زوالهم ، فيمكرون للقضاء على مكمن الخطر في مهده ، فيمكر الله بهم ويأتيهم من حيث يحذرون ، ويقوّض ما كانوا يمكرون ، ثم يرد كيدهم خائبين خاسرين .
فإيّاك أن تكون من اليائسين ، واعلم أن لكل فرعون موسى يواجهه ، وأن لكل موسى ربّ يرعاه ويحفظه ، وأن مكر الكافرين والمنافقين إلى بوار ، وأن العاقبة للمتقين .
===
منير ناصر