منذ مدة والمواجهات تستعر بين فصائل المعارضة في الغوطة بين جيش الإسلام من جهة؛ وفيلق الرحمن وجيش الفسطاط من جهة أخرى، وكل طرف يلقي باللوم على الطرف أو الأطراف الأخرى، وقد سقط نتيجة هذا الاقتتال مئات القتلى من الفصائل ومن المدنيين، كما زاد هذا الاقتتال من ترويع الأهالي فوق ترويع طاغية الشام لهم... وقد بات واضحا أن جزءا مهما من الخطة الأمريكية لإضعاف الثورة والقضاء عليها هو جعل القتال بين الفصائل نفسها. ويوم الأحد 22/05/2016 أعلنت مصادر تابعة للنظام والمعارضة سيطرة قوات النظام على عشر بلدات في الغوطة الشرقية بريف دمشقبينها دير العصافير التي تشكل خسارة استراتيجية، وذلك إثر انشغال فصائل المعارضة بالاقتتال في ما بينها.
لقد عملت أمريكا، منذ أن اتخذت ثورة الشام المنحى العسكري، على زج الفصائل في اقتتال فيما بينها، ولا يعد الاقتتال الحاصل الآن في الغوطة الشرقية هو الأول من نوعه على الرغم من أنه الأخطر؛ بل سبقه إلى ذلك اقتتال بين فصائل عدة وبأسماء مختلفة وتوجهات مختلفة، وقد ساعد على وجود مثل هذا الاقتتال بين الفصائل عوامل عدة كان من أهمها:
- ربط بعض قادة الفصائل بالدعم العسكري والتمويل مما أفقدها السيادة على قرارها وجعلها رهينة القرار الخارجي؛ وجعل بعض قادة الفصائل يتحولون إلى أمراء حرب لنيل أكبر قسط ممكن من الدعم.
- تقسيم الفصائل بين جيش حر وإسلاميين رسخته وسائل الإعلام، متناسين أننا جميعنا مسلمون ويحاربنا الغرب دون تمييز.
- محاولة بعض الفصائل قطف الثمار قبل نضوجها فسارعت لفرض سيطرتها على بعض المناطق، مما جعلها في مواجهة مباشرة مع الفصائل الأخرى.
هذه العوامل وغيرها مهدت الطريق أمام اقتتال الفصائل فيما بينها؛ متناسين ما خرجوا من أجله وهو إسقاط النظام بكافة أشكاله ورموزه، متجاهلين الأحكام الشرعية المتعلقة بحرمة سفك دم المسلم، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾. وقال جل في علاه: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. وعن الأحنف بن قيس قال ذهبت لأنصر هذا الرجل فلقيني أبو بكرة فقال أين تريد؟ قلت أنصر هذا الرجل، قال: ارجع، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار». فقلت يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصا على قتل صاحبه»، رواه البخاري. كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما». رواه البخاري، وقال صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع: «لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض». رواه البخاري، فهذه النصوص وغيرها تجعل التنازع بين الفصائل والاقتتال فيما بينها سببا لذهاب ريحها وبالتالي سيطرة طاغية الشام على المناطق الموجودة فيها، وهذا عين ما حصل في الغوطة الشرقية، فخطورة الاقتتال بين الفصائل ليست على الفصائل فحسب؛ وإنما على ثورة الشام المباركة؛ التي قدمت الغالي والنفيس من أجل إسقاط هذا النظام المجرم وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه، فلذلك كان على قادة الفصائل أن يتقوا الله في أنفسهم أولا؛ وأن يتقوا الله في أهلهم؛ وأن يتقوا الله في دماء الشهداء وتضحيات أهل الشام، فأهل الشام لم يخرجوا لقتال بعضهم بعضا. كما يجب على قادة الفصائل أن يعالجوا المشكلة من أساسها لا أن يغرقوا في التفاصيل فيضع كل قائد فصيل اللوم على الآخرين، فكان لزاما فك الارتباط بالقوى الخارجية التي تبين للجميع أن دماء أهل الشام لا تعنيها؛ وإنما تعنيها مصالح أسيادها، كما يجب عدم الاستعجال في قطف الثمار قبل نضوجها؛ والعمل جميعا (جيش حر وإسلاميين) بوصفنا مسلمين بما أوجبه علينا ربنا سبحانه وتعالى لإسقاط طاغية الشام في عقر داره وإقامة حكم الله على أنقاضه، ولا يكون ذلك إلا بالاجتماع على ثوابت ثورة الشام المباركة والتي هي إسقاط النظام بكافة أشكاله ورموزه، والتحرر من دول الكفر وإنهاء نفوذها، وإقامة الخلافة على منهاج النبوة، فيجب أن يدرك قادة الفصائل؛ أن الغرب الكافر يسعى لجعل الاقتتال بين الفصائل فيما بينها، أو بينها وبين تنظيم الدولة لإنهاك جميع القوى الفاعلة في الثورة؛ تمهيدا لتيئيس أهل الشام من إمكانية التغيير ومن ثم الخضوع لما تمليه عليهم، فيكون بذلك قد أجهض ثورة الشام المباركة وأهدر تضحياتها. وعلى أهلنا في الشام تقع مسؤولية تقويم المعوج من قادة الفصائل بالوقوف سدا منيعا في وجوههم ومنعهم من خرق سفينة الثورة فالكل معني بذلك شرعا، فكلنا في سفينة واحدة فإما أن ننجو جميعا وإما أن نهلك جميعا.
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا».
كتبه لجريدة الراية: الأستاذ أحمد عبدالوهاب رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا، بتاريخ الأربعاء 25 أيار\مايو 2016م
المصدر: http://goo.gl/Tepu3S