انطلقت يوم الاثنين 11/11/2024م، في العاصمة السعودية الرياض، أعمال ما سمي بالقمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية، بمشاركة عدد من حكام البلاد الإسلامية، من بينهم الطاغية أسد، وأردوغان الذي يسارع للتطبيع معه، بزعم تنسيق موقف عربي وإسلامي موحد إزاء التصعيد العسكري في غزة والأوضاع الإنسانية المتدهورة هناك، ووقف التصعيد والتهجير القسري وإنهاء الأزمة وضمان وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين من عمليات كيان يهود العسكرية، والدعوة إلى تعزيز جهود إحلال السلام والاستقرار في المنطقة، إضافة إلى دعوتهم للاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 1967م في سياق حل الدولتين (الذي يقر يهود على اغتصاب فلسطين)، بالتوازي مع التسويق لحل سياسي في سوريا على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي يثبت نظام الإجرام ويحارب كل من خرج ثائراً عليه.
وبالتوقيت نفسه أيضاً، انطلقت في العاصمة الكازاخية أستانة، الجولة 22 من اجتماعات "مسار أستانة" بشأن سوريا، بمشاركة وفود من دول التآمر "الضامنة"، تركيا وروسيا وإيران، بالإضافة إلى ممثلي النظام المجرم والمعارضة المدجّنة وممثلين عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والصليب الأحمر الدولي، ومراقبين من الأردن ولبنان والعراق، بزعم إيجاد حل للأزمة السورية، وإجراءات بناء الثقة بين الأطراف، وإعادة الإعمار وعودة السوريين إلى بلادهم.
وسبق ذلك لقاءات واجتماعات عدة ضمت ضباطاً من المخابرات الروسية والتركية في قرية ترنبة غرب مدينة سراقب، للحديث عن إدلب وتخفيف التوتر والعمل على فتح الطرق الدولية والتجارية (M4) و(M5)، وسبقت هذه الاجتماعات لقاءات تركية مع الفصائل المعارضة في السياق ذاته.
بعد عام من القتل والدمار لم تشهد البشرية له مثيلاً، وإجرام ممنهج طال البشر والشجر والحجر، تأتي قمة الرياض كحلقة جديدة من حلقات التآمر على الأمة الإسلامية ومقدساتها، فغزة العزة تذبح منذ أكثر من سنة، وشلال الدماء فيها لم يتوقف، وأطفالها يدفنون أحياء، أو يموتون جوعاً بلا مأوى ولا ماء ولا غذاء، تحت مرأى الحكام العملاء المتراقصين على جراحها، بل بمشاركتهم وحراستهم لحدود كيان يهود المجرم من غضب الأمة وثورة البركان في صدور أبنائها، يريدون بذلك إكمال ذبح غزة واستكمال تنفيذ ما يحوكه الغرب الصليبي الحاقد من مؤامرات على شعوبنا وفرضهم لواقع جديد علينا.
وما استقبالهم للطاغية بشار، بضوء أخضر بل بأمر من أمريكا، إلا لتعويم نظامه المتهالك وتثبيت أركانه المتصدعة المهترئة وإعطائه شرعية كاذبة، وهو الذي ولغ في دماء أهل الشام وارتكب بحقهم أفظع المجازر وأمعن في قصفهم وتهجيرهم وتدمير مدنهم وقراهم.
مكر كبّار لتصفية الثورة ونسف تضحيات أهلها وإعادتهم صاغرين لمقصلة الجلاد وقهره وبطشه، وقد خسئوا بإذن الله.
أما اجتماع أستانة وتآمر المؤتمرين فيه، فهو حلقة مكر جديدة من مسلسل تآمري يستهدف وأد الثورة وتركيع أهلها وتسليم مناطقها المحررة، ويعين أعداءنا على ذلك "معارضة" مخترقة وتابعة ذليلة، لا ترد يد لامس، الثورة منها ومن خبثها وإجرامها براء لأنها الوجه الآخر لنظام الإجرام، ولا أدل على ذلك من الموقف المخزي لأحمد طعمة، رئيس وفد المعارضة في اجتماعات أستانة، الذي أشار، وفق ما ورد من أنباء، إلى أنه طلب من روسيا "دوراً أكبر في تقريب وجهات النظر بين المعارضة والنظام"، مؤكداً أنه "إذا أدى التقارب بين دمشق وأنقرة إلى إيجاد حل في سوريا، فنحن مع التقارب"!
إن دماء أهل غزة تستنصر المسلمين وتستصرخ فيهم عزة الإسلام ونخوة المعتصم. وإن ثورة الشام تستنهض همم أهلها لضبط البوصلة وتصحيح المسار من جديد. ونقول لأهلنا الثائرين: ها أنتم ترون أنظمة الضرار ودول العالم مجتمعة لا تدخر جهداً في حربنا والتآمر علينا والكيد بثورتنا للقضاء عليها، وإن سكوتكم اليوم عن عملية البيع الموصوفة التي تتم عن سابق إصرار وترصد من المتآمرين هو انتحار سياسي قد يساهم بإنهاء الثورة ونسف تضحياتكم، والواجب عليكم هو التبرؤ من الدول المتآمرة ومشاريعها القاتلة وتبني المشروع الذي فيه عزنا ونصرنا وخلاصنا، مشروع مفصل مبلور منبثق من صميم عقيدتنا، به نرضي ربنا ونستحق معيته.
فحري بكل مخلص من أبناء ثورتنا، الذين قدموا عظيم التضحيات، وجادوا بالدماء وأشلاء الشهداء، أن يوحدوا جهودهم وينظموا صفوفهم ويستعيدوا قرارهم ويتمسكوا بثوابت ثورتهم ويعتصموا بحبل الله وحده. ونؤكد عليهم أن هلمّ بنا لنبذ كل حاقد يكيد لنا ويمكر بثورتنا، هلمّ لاستعادة قرارنا والاعتماد على أنفسنا والتمسك بثوابت ثورتنا لنكمل مشوارنا في زلزلة النظام المجرم المتهالك الذي يحكي انتفاخاً صولة الأسد، لإسقاطه في عقر داره وإقامة حكم الإسلام عبر دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة على أنقاضه وأنوف أعداء الله مجتمعين راغمة، فمعية الله بإذن الله معنا، وهو ناصرنا بإذنه ولو كره الكافرون، فهو القائل في كتابه سبحانه: ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ﴾.
---------
بقلم: الأستاذ ناصر شيخ عبد الحي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا