تأسس “مؤتمر الإسلام الديمقراطي” في سنة 2018م، في شمال وشرق سوريا “قسد”، كمظلة للمؤسسة الدينية، التي تم تغيير اسمها من “اتحاد علماء المسلمين واتحاد مؤسسات المرأة المسلمة” إلى “مؤتمر المجتمع الإسلامي الديمقراطي في شمال وشرق سوريا”، وبذلك انضوت تحت سقفه جميع المؤسسات والمنظمات والمكاتب الدينية.
كما تقرَّر، افتتاح معاهد لتحفيظ القرآن والسنة النبوية والأخلاق، ومركز بحوث للعقائد والأديان. ويحاول المؤتمر متابعة أنشطة المساجد عن كثب، من خلال تشكيل لجنة خاصة لاقتراح وكتابة مواضيع شهرية لخطب الجمعة، وتضاف إليها المواضيع الطارئة. وكذلك انبثق عن هذا المؤتمر، “أكاديمية الإسلام الديمقراطي”، والذي أُعلِن في سنة 2022م عن تخريج أول دفعة من طلاب هذه الأكاديمية، تتألف من واحد وخمسين طالبا وطالبة.
والجدير بالذكر، أن مصطلح الإسلام الديمقراطي، تم التطرق إليه في رسالة عبد الله أوجلان - زعيم حزب العمال الكردستاني - إلى مؤتمر الإسلام الديمقراطي، في السنة الأولى من تأسيسه في مدينة القامشلي، والتي ورد فيها هذا المصطلح مع ميل أوجلان إلى مصطلح “الإسلام الثقافي”، وذلك حين قال: "باعتقادي أنه سيكون من الأنسب تسميته الإسلام الثقافي نظراً لقابلية هذه التسمية في احتواء الجميع". وقبل ذلك ورد هذا المصطلح، في بحث نشرته مؤسسة “راند” الأمريكية، في سنة 2005م بعنوان: “الإسلام الديمقراطي المدني”، للباحثة في مؤسسة راند “شيريل بينارد”.
ومن العجيب، أن يُجمَع بين نقيضين لا يجتمعان؛ الإسلام والديمقراطية، فالديمقراطية هي: أن يمارس الإنسان إرادته باختيار رب له، يُنظِّم له حياته، ويملك زمام أمره، أو ينيب عنه رَبَّا لاختيار من ينفذ مشيئة هذا الرب، فيُطبق عليه، ما يتخذ من قرارات، وما يضع من تشريعات، لتنظيم حياته كما يشاء، وله أن يستبدل هذا الرب أو بعض أُجَرَائه حين يبدو عليها التلف أو الضعف أو انتهاء المدة المقررة لهذه الربوبية؛ هذه حقيقة الديمقراطية، التي تناقض الإسلام كل المناقضة، فهي نظام كفر؛ لأن الإسلام يُقرِّر بأدلة قطعية الثبوت قطعية الدلالة، أن السيادة للشرع، وبمعنى آخر: إن القوانين والتشريعات والأحكام يجب أن تنبثق من العقيدة الإسلامية، أي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليس بتشريعٍ من الشعب. قال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[سورة النساء 65]. إن هذه الآية وغيرها، تقضي وتقطع، بأن الحاكمية لله وحده، وأن السيادة للشرع لا للشعب، وهذه هي القاعدة الأولى من قواعد نظام الحكم الإسلامي، بل هي قاعدة الإسلام العظمى، إذ أنها مفهوم العقيدة ومقتضى الرسالة، التي تُبيِّن أن الإسلام نظام حياة متكامل، مصدره رب السموات والأرض ورب الناس، نزل به الروح الأمين جبريل عليه السلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
والشيء بالشيء يذكر، عندما راجت الاشتراكية وأفكارها بين المسلمين، وآمن بها أفراد وقامت عليها أحزاب، مما جعل بعض المسلمين يحاولون التوفيق بينها وبين الإسلام - كما يُوفَّق اليوم بين الإسلام والديمقراطية - ليقولوا: إن الإسلام اشتراكي أو أن الاشتراكية من الإسلام، كما فعل الشيخ مصطفى السباعي في كتابه (اشتراكية الإسلام). وقد انبرى علماء مسلمون، فهموا الإسلام الفهم الصحيح، فبيّنوا حقيقة الاشتراكية وحكم الإسلام فيها، ومن هؤلاء العلماء الشيخ عبد العزيز البدري، صاحب كتاب (حكم الإسلام في الاشتراكية)، وكتاب (نقض الاشتراكية الماركسية) للأستاذ غانم عبده، وكتاب (نظام الإسلام) للعلامة الشيخ تقي الدين النبهاني.
وعودٌ على بدء، فالديمقراطية نظام انبثق عن عقيدة المبدأ الرأسمالي؛ عقيدة فصل الدين عن الحياة، وهذه العقيدة تناقض الإسلام؛ لأن القوانين والتشريعات والأحكام يجب أن تنبثق من العقيدة الإسلامية، وليس من تشريع البشر، الذي جعل مجلس النواب - في النظام الديمقراطي - رباً من دون الله. قال تعالى: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ)[التوبة 31]. جاء في تفسير ابن كثير، لهذه الآية: {قدم عدي بن حاتم الطائي المدينة، وكان رئيساً في قومه، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول يقرأ قوله تعالى: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ)، فقال عدي: "إنَّا لسنا نعبدهم"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أليسَ يُحرِّمونَ ما أحلَّ اللهُ فتحرِّمونَه، ويُحلُّونَ ما حرَّمَ اللهُ فتحلُّونَه»، قال عدي: "قلتُ: بلى"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فتلك عبادتُهم»}. وجاء أيضاً في التفسير نفسه: {وهكذا، قال حذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وغيرهما، في تفسير هذه الآية: "استنصحوا الرجال ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم"}.
فالديمقراطية تقول: إن الإنسان حر ليس لأحد سلطان عليه، وهو يتصرف حسب رغبته وهواه. والإسلام يقول: إن الإنسان عبدٌ لله تعالى، وهو مأمور أن يتصرف حسب أوامر الله ونواهيه.
وبالتالي، فإن الديمقراطية مناقضة لما جاءت به العقيدة الإسلامية وما انبثق عنها، فهما قطعا لا يلتقيان. وكيف يلتقي من كان مصدره الوحي، مع من كان مصدره العقل؟! وكيف يلتقي من يحتكم إلى خالق الكون والإنسان والحياة، مع من يحتكم إلى الإنسان المخلوق؟!
وأخيراً، فالمسلم يفخر أنه عبدٌ لله تعالى، والديمقراطي يفخر بأنه حر ليس مقيداً بأي شيء.
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
محمد صالح