من مهمة السياسي في الحياة رعاية شؤون أمته وتسليط الضوء على مجريات الأحداث، والأهم من كل ذلك رسم الطريق الصحيح لها وأن يكون فاعلا في توجيهها بالاتجاه الذي يرى فيه الخير لأمته وفتح الطريق أمامها وإزالة الألغام والمؤامرات من طريقها وفق المبدأ الذي تحمله ويحقق مصالحها على كافة المستويات القريب منها والبعيد..
وانطلاقا من هذه البداية يمكننا القول أن ما يحصل هذه الأيام في ثورة الشام المباركة هو شيء عظيم نرى فيه معية الله وتوفيقه وتسديده للعاملين بجد لنجاح الثورة المباركة وتحقيق أهدافها بغض النظر عن الثمن الكبير من سجن واعتقال وملاحقة على طريق خلاص أمتهم الذي يدفعه أبناؤها المخلصون الذي صدقوا في دعوتهم فكانوا الرائد الذي لا يكذب أهله.
فبعد مضي سنة وخمسة أشهر على انطلاق الحراك الشعبي أصبح هناك حقائق لا يمكن تجاوزها وثوابت قبضت عليها الأمة بكلتا يديها ولم يعد بإمكان أعدائها وأعداء ثورتها تمرير مؤامراتهم عليها، وأهم ما في هذا الأمر أن الأمة أصبحت على قناعة تامة بأن ارتباط الثورة بالنظام التركي هو ما يكبلها ويمنعها من استئناف طريقها لتحرير بلادها وإسقاط النظام المجرم، ولذلك نراها متمسكة بفكرة استعادة القرار العسكري بكل قوة وتعمل عليه بكل جد من أجل انتزاعه مهما كلفها فقد أصبح قضية مصيرية يتوقف عليها انتصارها.
وما حصل من انشغال إيران بضربات الكيان ومقتل أغلب قادة حزب إيران في لبنان الذي ارتكب المجازر الوحشية بحق أهل الشام وأسهم بتهجير الملايين عبر قتاله إلى جانب النظام المجرم، نقول إنه جاءت الفرصة الذهبية للثورة للتحرك وانطلاق أعمال التحرير في ظل توارد الأنباء عن انسحاب ميليشياته من عدة مواقع شمال سوريا وتوجهها إلى لبنان.
ومع كل الدعوات والرأي العام الكاسح بضرورة استغلال الفرصة إلا أن القيادات الفصائلية جميعا بما فيهم الجولاني انكشفت حقيقتهم عارية، أنهم ليسوا أصحاب القرار بفتح الجبهات، وأنهم مجرد أدوات للنظام التركي الذي طالما حاول إخفاء دوره في كل جرائمهم بحق الثورة ودفعهم للواجهة والتحكم بهم من الخلف، لكن الضغط الشعبي باتجاه فتح الجبهات وممانعة النظام التركي لذلك دفع أهل الثورة أكثر للتمسك والعمل على فكرة استعادة القرار العسكري ومطالبة المجاهدين بأخذ دورهم في مواجهة قيادات المنظومة الفصائلية وانتزاع القرار منهم.
حاول الجولاني ركوب موجة فتح الجبهات بدفع من النظام التركي، حيث أعلن الجولاني عبر إعلامه عن معركة مزعومة لتحرير حلب في محاولة لاحتواء الرأي العام الضاغط لاستعادة القرار العسكري وفتح الجبهات، ولجمع الناس حوله مرة ثانية لكنه فشل بذلك رغم محاولة النظام التركي إعطاءه دعما غير مباشر عبر إرساله قادة من جيشه إلى جبهات القتال في أرياف إدلب وحلب، لأن أهل الثورة أصبحوا على يقين تام أن القادة الذين سلّموا حلب وغيرها الكثير من المناطق التي حررها أبناؤهم بدمائهم لن يحرروها.
عقب هذا الفشل تدخل الدب الروسي منذ أيام وبشكل يومي بشن عشرات الغارات على مناطق متفرقة في إدلب بهدف بث الخوف والرعب في أهل المحرر برسائل واضحة لأهل الثورة هذه المرة وليس لقادة الفصائل بضرورة التوقف عن المطالبة باستعادة القرار العسكري وفتح الجبهات، وبنفس الوقت تبريرا للجولاني وقادات المنظومة الفصائلية بأن التحرك ستكون نتائجه وخيمة ولن يتورع الروسي عن ارتكاب المجازر بحق أهل الشام.
الرسالة الروسية وصلت واضحة وتبرير المنظومة الفصائلية ومن خلفهم النظام التركي أيضا كذلك، والرد من أهل الثورة والحراك بأن الجولاني وبقية القادة العملاء هم من أوصلوا الحال لما هو عليه، وتغيير هذا الحال يتطلب بدايةً العمل الجاد على انتزاع القرار العسكري ووضعه في يد المجاهدين الصادقين المخلصين غير المرتبطين وغير الملوثين بالمال السياسي القذر، ومن ثم فك الارتباط بالنظام التركي والتوجه إلى جبهات العز والشرف لكتابة التاريخ من جديد صفحات ناصعة لثورة نقية صافية لوّثها قادات عملاء وداعمهم المتآمر، فثورة الشام مباركة لأنها دفعت ثمن التحرر مرات ومرات ولن تبخل بدفع المهر مرة أخرى لأنها ثورة لله وفي سبيل تحكيم شرعه وإقامة دولته التي تقيم العدل وترفع الظلم وتُسقط الطاغية المجرم المستبد ونظامه وكل من سار على نهجه..
(لِمِثْلِ هَٰذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُون).
----------
كتبه للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
أحمد معاز