- التفاصيل
نشر موقع (زمان الوصل، الأحد، 19 جمادى الأولى 1442هـ، 03/01/2021م) خبرا قال فيه: "رحب الائتلاف الوطني السوري بالالتزام الذي أبدته الحكومة البريطانية تجاه محاسبة المسؤولين عن الجرائم في سوريا، وعلى وجه الخصوص قرارها بنقل عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد النظام وشركائه إلى نظام العقوبات الخاص بالمملكة المتحدة.
وأعرب الائتلاف في بيان له أمس الجمعة استعداده الكامل للتعاون مع المملكة المتحدة من خلال فريقه المخصص لمتابعة تطبيق قانون العقوبات الأمريكي "قيصر" إلى حين محاسبة المجرمين، وتنفيذ الحل السياسي وفق قرارات مجلس الأمن.
وأوضح أن جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية والانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان التي ارتكبها النظام بحق الشعب السوري تتطلب مواقف استثنائية من الأطراف الدولية الفاعلة بما يضمن محاسبة المجرمين وضمان العدالة الانتقالية في إطار الحل السياسي".
الراية: إن تدخل بريطانيا هي الأخرى على خط دعم الحل السياسي الأمريكي في سوريا، عبر بوابة فرض عقوبات على نظام الإجرام الأسدي، فيما يقابلها ائتلاف العمالة والخيانة بالترحيب، كما فعل مع عقوبات قيصر الأمريكية التي كانت ولا زالت الهدف منها تعويم نظام أسد، ولاحقاً إعادة إنتاجه لينخرط في الحل السياسي الذي تدفع باتجاهه الولايات المتحدة للحفاظ على نفوذها في الشام. إن الحلول السياسية المسمومة التي أنتجتها المنظومة الدولية في جنيف وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لا تخرج عن هذا السياق، وهي بالمحصلة إجهاض لثورة الشام وتثبيت لنظام البغي والإجرام.
جريدة الراية: https://bit.ly/3i7qHjU
- التفاصيل
▪ من بيوت الله، انطلقت ثورة الشام قبل عشرة أعوام، تلهج ألسنة الثائرين بالتكبير، وتصدح حناجرهم بهتاف الثورة الأجمل: "قائدنا للأبد.. سيدنا محمد"، هتاف ألهب حماس الثائرين وأحيا في نفوسهم نبض العزة بالإسلام والشوق للحكم به؛ هتاف أغاظ رأس الكفر أمريكا التي أدركت تميّز ثورة الشام عن باقي انتفاضات المنطقة، وأيقنت حاجتها لتجييش عملائها لوأد الثورة قبل أن يستفحل أمرها ويزداد خطرها، فاستنفرت خيلها ورجلها لحماية عميلها نظام أسد المجرم، فكان أن وزعت الأدوار على الأعداء ومن يلبسون نفاقاً ثوب "الأصدقاء" لاحتواء الثورة وحرفها عن مسارها، عبر القصف والبطش والتدمير تارةً، وعبر المكر السياسي الذي يقطر سماً زعافاً تارةً أخرى.
▪ أما القصف والبطش والتدمير، فقد تقاسمت أدواره كل من روسيا وإيران وحزبها في لبنان ومن لف لفيفها من مليشيات إجرام حاقدة على الإسلام وأهل الشام. وأُوكل دور المكر السياسي ونصب الفخاخ السياسية لعرقلة مسيرة الثورة لكلٍّ من النظام التركي والقطري والسعودي، فكانت سياسة الاحتواء وإغداق الأموال لشراء الذمم من أخطر وأمضى أسلحة أعدائنا للفتك بثورتنا.
▪ وبعد أن بلغت مساحة المحرَّر ما يقارب 80 بالمائة في سنوات الثورة الأولى، اضطربت البوصلة وانحرف المسار، وبدأ مسلسل خسارة المناطق التي بُذلت لتحريرها الدماء والأشلاء، منطقة تلو الأخرى، بالتزامن مع إجرام هستيري مستمر طال البشر والشجر والحجر بضوء أخضر أمريكي وتواطؤ أممي، مترافقاً مع سلاسل متلاحقة من المؤامرات والمؤتمرات، من جنيف إلى فينّا إلى الرياض وأستانة وسوتشي.
▪ أما أحدث ما وصل إليه كيد المجرمين، فهو الحديث عن مسرحية انتخابات هزلية تحت إشراف نظام الإجرام ومشاركة طاغيته، مع "منافسة" محتملة من وجهه الآخر، ائتلاف العمالة والدياثة السياسية التي جسّدها رئيسه نصر الحريري عبر الحديث عن "لجنة انتخابية" تعطي النظام شرعية زائفة وتمهد لوأد الثورة كخطوة في خطة تدفع باتجاهها أمريكا عبر أدواتها وصنائعها لفرض الحل السياسي الأمريكي الذي يثبت أركان النظام ويحارب كل من خرج ثائراً عليه، مع الإبقاء على المؤسسات الأمنية والعسكرية جاثمة على صدور العباد.
إلا أن ردة فعل أهل الشام التي أثبتت أن جذوة الثورة لا تزال متقدة في نفوسهم، رغم الصعاب والألم وعظم التضحيات، أجبرت الائتلاف، ومَن وراءه، إلى الإعلان عن "تجميد" خطوة التطبيع ووصمة العار هذه لا إلغاءها.
أما الموقف الأمريكي الممعن في التضليل، فهو ما أعلنه المبعوث الأمريكي الأسبق الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، أن بلاده لن تطبّع العلاقات مع النظام السوري، ما لم يتخذ خطوات لتبني القرار الأممي 2254، المتعلق بالعملية السياسية في البلاد، وما أعلنه قبل ذلك من أن أمريكا لا تريد إخراج روسيا من سوريا ولا إسقاط النظام ولا تغيير بشار، إنما فقط "تعديل سلوكه". أمريكا التي تتلطّى في مواقفها خلف خونة عملاء لها اضطرت أن تحرق أوراقهم بل وأن تكشف سوءاتهم!
▪ أما تشكيل ما تسمى "اللجنة الدستورية" وما عقدته من جولات بين النظام وظله برعاية أممية، تمهيداً لصياغة دستور علماني خالص، يعلن الحرب كسابقه على دين الله وشريعته، ويقصي الدين عن الحياة والمجتمع والدولة، لتبقى الشام ترزح تحت نير ثقافة الغرب الكافر وسمومها؛ نقول: إن تشكيل هذه اللجنة وما ترمي إليه يلخصه ويعبر عنه ما تداوله المبعوث الأممي بيدرسون وجوقته في خضم حديثهم عن "عدالة تصالحية"، ما كانوا يجرؤون على ذكرها عند تدشين مكر مؤتمراتهم في جنيف1 عام 2012.
▪ طبعاً هذا مكر أعداء الله، ولا يعني أنهم نالوا مرادهم، فهم وإن كسبوا بعض جولات من الصراع المحموم بين الحق والباطل، إلا أن العقبات أمام الأعداء كأداء، وعلى رأسها الحاضنة الشعبية التي يحاولون كسر إرادتها بكل وسيلة شيطانية ممكنة لتكفر بثورتها وتخضع لما يملى عليها، وعلى رأسها التضييق الاقتصادي الممنهج ممن تسلطوا على رقاب الأمة من قادة وفصائل وحكومات زعمت تمثيل الثورة، والأمة تضعها في خانة واحدة مع كل من يتآمر عليها لإجهاض ثورتها.
▪ إن عدم نجاح أعدائنا حتى الآن في تحقيق مرادهم لا يعني أننا انتصرنا. ولكن جرح الأمة النازف على أرض الشام يستنهض همم الصادقين ونخوة الغيورين على دين الله وعباده لضبط البوصلة وتصحيح المسار، وإلا فإن الثورة وأهلها، حقيقةً، في خطر عظيم.
▪ فنظام الإجرام ما كان ليقضم المناطق واحدة تلو الأخرى بقوته، فهو ضعيف مستنزف يحكي انتفاخاً صولة الأسد.
▪ وما كان ذاك لضعفنا، فنحن أقوياء بديننا، ثم بما حبانا الله به من مقومات انتصار على نظامٍ مستنزَف يعاني كل مقومات الانهيار.
▪ وإن ما وصلنا إليه من تقهقر، إنما هو بسبب خيانات من رهنوا قرارهم للخارج ممن توسدوا الأمر وسلبوا الأمة سلطانها فضاعوا وأضاعوا.
▪ لذلك كان لا بد أن تتحمل الأمة مسؤوليتها، ومنها عناصر الفصائل، وتقوم بمحاسبة المتاجرين بثورتنا المنخرطين فعلياً في جريمة تنفيذ الحل السياسي الأمريكي الذي يحلم به نظام الإجرام وأسياده من أعداء الإسلام. وقد حذرنا رسول الله ﷺ من عدم الأخذ على أيدي الظالمين بقوله: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّه بِعِقَابٍ مِنْهُ».
▪ إضافة إلى وجوب سعي الأمة الحثيث لاستعادة سلطانها ممن رضوا أن يكونوا مطايا ذليلة لأعداء الله، يذللون لهم العقبات ويمعنون في التضييق على الأمة، بشكل مدروس ومنظم وممنهج، ترعاه مخابرات الدول، لإيصالها إلى حالة من اليأس والقنوط، لتقبل بما يملى عليها من حلول استسلامية قاتلة، يسمونها "سياسية".
▪لقد آن لأهل الشام الصادقين أن يطرقوا باب النجاة ويسارعوا في الطريق التي ترضي ربنا وتسخط أعداءنا، ألا وهي اتخاذ قيادة سياسية واعية تحمل مشروع خلاصٍ حقيقي من صميم عقيدة الأمة، وهو مشروع الخلافة بكامل تفاصيله، لإيقاف الجرح النازف وتوحيد كلمة الأمة من جديد على قلب رجل واحد، لإسقاط نظام الإجرام في عقر داره وإقامة حكم الإسلام في ظل دولة الخلافة، وأنوف أعداء الله راغمة. ولمثل هذا الخير العظيم فليعمل العاملون.
▪ هكذا ننصر الله فيرضى عنا وينصرنا، فهو القائل في كتابه سبحانه: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾
======
كتبه الأستاذ ناصر شيخ عبد الحي
عضو لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير في ولاية سوريا
جريدة الراية: https://bit.ly/38CC4NO
- التفاصيل
لقد مرت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بعدة أطوار ومراحل، فقد بدأت بالمرحلة السرية التي دامت قرابة ثلاث سنوات وكانت هذه مرحلة التعليم والتثقيف والإعداد الفكري والروحي لكتلة الصحابة رضي الله عنهم الذين هم أول من آمن به صلى الله عليه وسلم وبدعوته. ثم بعد السنة الثالثة للبعثة، بدأت مرحلة الجهر بالدعوة، والتي بدأها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوقوف على الصفا ودعوته أهل مكة، وذلك بعد ما نزل قوله تعالى: (فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِينَ) وقد اتسمت هذه المرحلة بنشر الدعوة عن طريق الصراع الفكري والكفاح السياسي، الأمر الذي أغاظ أكابر قريش فانعكس ذلك بأن ازداد الأذى والتعذيب على النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام بالرغم من اعتصامه صلى الله عليه وسلم بعشيرته وحماية عمه أبو طالب له.
ولكنْ من أصعب الفترات التي مرت على النبي صلى الله عليه وسلم على الإطلاق كانت الفترة التي سميت بعام الحزن. ففي هذا العام، توفي أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وتوفيت زوجته أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فقد كانا سند النبي صلى الله عليه وسلم الداخلي والخارجي.
وقد أُمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الفترة بطلب النصرة من القبائل، فقد ورد في فتح الباري شرح صحيح البخاري ما نصه: «أخرج الحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل بإسناد حسن عن ابن عباس، حدثني علي بن أبي طالب قال: لما أمر الله نبيه أن يعرض نفسه على القبائل، خرج وأنا معه وأبو بكر إلى منى…» الحديث. ويذكر في هذا الحديث الطويل كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه يقصدون مجالس العرب بمنى بموسم الحج. ويقول المقريزي: «ثمَّ عرض صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل أيَّام المواسم، ودعاهم إلى الإسلام، وهم بنو عامر، وغسَّان، وبنو فَزَارة، وبنو مرَّة، وبنو حنيفة، وبنو سُليم، وبنو عبس، وبنو نصر، وثعلبة بن عكابة، وكندة، وكلب، وبنو الحارث بن كعب، وبنو عذرة، وقيس بن الخطيم، وأبو اليسر أنس بن أبي رافع» وقد استقصى الواقديُّ أخبار هذه القبائل قبيلةً قبيلةً، ويقال: إنَّه صلى الله عليه وسلم بدأ بكندة، فدعاهم إلى الإسلام، ثمَّ أتى كلبًا، ثمَّ بني حنيفة، ثمَّ بني عامر، وجعل يقول: «مَنْ رجلٌ يحملني إلى قومه فيمنعني حتَّى أبلغ رسالة ربِّي؛ فإنَّ قريشًا قد منعوني أن أبلِّغ رسالة ربِّي؟» هذا وأبو لهب وراءه يقول للنَّاس: لا تسمعوا منه؛ فإنَّه كذَّاب» (أحمد (3/492، 493) وابن هشام (2/64 – 65).
لقد كان طلب النصرة من القبائل أميزَ عملٍ أُمر به النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الفترة الحرجة، وقد ذهب صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بداية الأمر وخاطر بالخروج من مكة لما لهذا الخروج من تبعات، لكن أمله في العثور على من ينصره في الطائف جعله يقوم بذلك؛ لكن زعماء الطائف كانوا على درجة من السوء والحقد، فقد قاموا بفضح أمر النبي صلى الله عليه وسلم وسلَّطوا عليه وعلى مرافقه زيد بن الحارثة رضي الله عنه السفهاء والعبيد فرموهما بالحجارة حتى أدمَوا قدميه الشريفتين في موقف شديد الأسى والحزن في يوم كان من أشد أيام دعوته صلى الله عليه وسلم.
فطلب النصرة ليس بالأمر السهل، فهو طلبٌ من أصحاب القوة والملك بأن يتخلُّوا عن مفاهيمهم ومعتقداتهم بل وعن سلطانهم ويسلموك قيادتهم وينزلوا تحت سلطانك. وواقع حال النبي صلى الله عليه وسلم أنه مستضعفٌ في قومه لا يملك من الأمر شيئًا، هكذا ينظر من قَصُرَ نظره عن عِظمِ المبدأ الذي يحمله هذا النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك يفعل من ينتهج نفس التفكير للأسف من الذين يَعدُّون أنفسهم يعملون في الشأن الإسلامي في وقتنا الحاضر.
ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة ودخلها بجوار المـُطعِم بن عَديّ بعد أن ساقه الله عز وجل لنبيه ليحميه ويدخله في جواره، لم تمضِ فترة قصيرة وهو في مكة حتى أرسل الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم في رحلة عظيمة يثبّت فيها نفس النبي صلى الله عليه وسلم وينسيه ما حل به بعد تجربة الطائف الشاقة، فكانت رحلة الإسراء والمعراج، التي رأى فيها النبي صلى الله عليه وسلم الآيات الكبرى، قال تعالى: (لَقَدۡ رَأَىٰ مِنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلۡكُبۡرَىٰٓ) وأُنزلت بعد ذلك سورة الإسراء التي يقول فيها الله عز وجل: (وَلَوۡلَآ أَن ثَبَّتۡنَٰكَ لَقَدۡ كِدتَّ تَرۡكَنُ إِلَيۡهِمۡ شَيۡٔٗا قَلِيلًا).
لقد كان الأذى الذي لقيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله عنهم فظيعًا، خصوصًا في هذه الفترة، فلم تنل قريش منه صلى الله عليه وسلم إلا في هذه الفترة؛ إذ إنها أدركت أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بتحييدها، فهو يتقصد القبائل من حيث هي كيانات، ويتقصد الرؤساء والسادة والأشراف ومن لهم مكانة، فهو لا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف إلا وتصدَّى له ودعاه إلى الله وعرض عليه ما عنده. فقريش تعلم مدى خطورة دعوته صلى الله عليه وسلم، ويعلم أسيادها أن هذه الدعوة إن وجدت المنعة المطلوبة فستقلب الطاولة، ليس على جبابرة قريش فحسب بل على كل جبار عنيد.
فما وجدت قريش وأسيادها للحيلولة دون أن يحصل النبي صلى الله عليه وسلم على المنعة والنصرة المطلوبة إلا زيادة الضغط عليه وعلى أصحابه الكرام، ومحاولة منع اتصاله صلى الله عليه وسلم بالناس، وإذا حصل اللقاء، فمحاولة إفشاله بشتى الطرق، حتى إن عمه أبا لهب كان يسير وراءه وهو يقول للنَّاس: لا تسمعوا منه؛ فإنَّه كذاب. وقد كان أبو جهل، وأبو لهب – لعنهما الله – يتناوبان على أذيَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يدعو في الأسواق والمواسم، وكان يجد منهما عنتًا كبيرًا إضافةً إلى ما يلحقه من المدعوِّين أنفسهم.
وظلَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في تردُّده على القبائل يدعوهم، فيردُّون عليه أقبح الرَّدِّ، ويؤذونه، ويقولون: قومه أعلم به، وكيف يُصلحنا مَنْ أفسد قومه؟! فلفظوه، وكانت الشَّائعات الَّتي تنشرها قريشٌ في أوساط الحجَّاج تجد رواجًا، وقبولًا، مثل: الصابئ، وغلام بني هاشم الذي يزعم أنَّه رسول، وغير ذلك، ولا شكَّ: أنَّ هذا كان ممَّا يحزُّ في نفس الرَّسول صلى الله عليه وسلم، ويضاعف من ألم التَّكذيب وعدم الاستجابة.
في هذه الأثناء «في عام الحزن» أنزل الله سبحانه وتعالى ثلاث سور تحمل أسماء أنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهي سور يونس وهود ويوسف، هذه السور من جملة ما نزل من آيات القرآن التي حملت طابع هذه الفترة، وعكست معالمها مدى تحدِّي قريش وتعدِّيها، فهذه الفترة هي من أحرج الفترات وأشقها كما أسلفنا في تاريخ الدعوة، وخاصة بعد حادثة الإسراء والمعراج وغرابتها، واستهزاء المشركين به، وارتداد بعض من كانوا قد أسلموا قبلها – يضاف إلى ذلك وحشة رسول الله صلى الله عليه وسلم بفقد خديجة – رضي الله عنها – زد على ذلك تجرؤ قريش عليه وعلى دعوته حيث بلغت الحرب المعلنة عليه وعلى دعوته أقسى وأقصى مداها؛ وتجمَّدت حركة الدعوة حتى ما كاد يدخل في الإسلام أحد من مكة وما حولها.
فآثار هذه الفترة وجوّها واضحة في جو هذه السور وظلالها وموضوعاتها! وبخاصة ما يتعلق بتثبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه على الحق؛ والتسرية عنه مما يساور قلبه من الوحشة والضيق والغربة في ذلك المجتمع الذي تحجَّر في وجه دعوته صلى الله عليه وسلم. والذي زاد في إضفاء الملامح العاصفة على جو هذه المرحلة ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: «شيبتني هود» فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم آية هي أشد عليه من هذه الآية (فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ). إنّ آيات هذه السور قد واكبت الأحداث في هذه الفترة وعالجتها، ورسمت وأكدت على ضرورة سير النبي صلى الله عليه وسلم وفق الطريقة التي أمره الله عز وجل أن ينتهجها، ليس هو فحسب، بل وكل من تاب معه، وكل من سار على دربه يبتغي التغيير وينشده، تغيير مجتمع الكفر والجاهلية إلى مجتمع يحتكم إلى شريعة الله وأحكامه (وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡمٗا لِّقَوۡمٖ يُوقِنُونَ ) فقد قال تعالى: (فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ) وسنجمل ما تحدثت به الآيات التي نزلت في هذه الفترة بشكل عام وهذه السور الثلاث بشكل خاص بالأمور التالية:
أولًا: الاستقامة على منهج الله سبب النصر
لقد كان ينقص دعوةَ النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الفترة قوةٌ تنصرها وتمنعها حتى تقيم دين الله عز وجل، فإن هذا الدين لا يمكن أن يؤثر في الحياة التأثير الحقيقي إلا إذا كان له سلطان ودولة تقوم على فكرته الأساسية التي هي «لا إله إلا الله، محمد رسول الله» وتطبِّق شريعته على الناس، وتنشر هذه الدعوة بالجهاد إلى جميع أصقاع المعمورة. وقد كان الأمر الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل هذه القوة من طريق العرض على القبائل وطلب النصرة منهم، وهذا ما دفع النبي صلى الله عليه وسلم للخروج من مكة إلى الطائف في بداية الأمر.
لكن ما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم في الطائف لم يكن بحسبانه صلى الله عليه وسلم، فقد كان وقعه على نفسه صلى الله عليه وسلم شديدًا جدًا، فقد أخرج البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لقد لقيت من قومك وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة؛ إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهمومٌ على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم. قال: فناداني ملك الجبال وسلم علي ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا الله عز وجل بدعائه المشهور وقت ذلك حيث قالصلى الله عليه وسلم: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي. إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تُنزلَ بي غضبَك، أو تُحلَّ عليَّ سخطَك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك». فدعاؤه صلى الله عليه وسلم يكشف مدى الضيق ومدى الأذى النفسي الذي اعتراه، بعد هذه الحادثة. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل لقي الرسول صلى الله عليه وسلم من قومه أصنافًا من العذاب والأذى، فقد روى البخاريُّ في تاريخه، والطَّبرانيُّ في الكبير عن مدرك بن منيب أيضًا، عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه أنه قال: رأيت رسول صلى الله عليه وسلم في الجاهليَّة، وهو يقول: «يا أيها النَّاس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا» فمنهم من تفلَ في وجهه، ومنهم من حثا عليه التُّراب، ومنهم من سبَّه؛ حتَّى انتصف النَّهار، فأقبلت جاريةٌ بِعُسٍّ من ماءٍ، فغسل وجهه ويديه، وقال: «يا بنية! لا تَخْشَيْ على أبيك غلبةً، ولا ذلَّةً!» فقلت: من هذه؟ قالوا: زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي جاريةٌ وضيئةٌ. (البخاري في التاريخ الكبير (4/2/14) والطبراني في المعجم الكبير (20/342) ومجمع الزوائد (6/21)).
وبالرغم من شدة الأذى الذي أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الفترة إلا أننا نراه مستقيمًا ثابتًا على طريقته، متمسكًا بها لا يحيد عنها قدر أنملة، بينما حدثتنا آيات هذه السور التي نزلت في هذه الفترة عمّا قام به بعض النبيين عليهم السلام من قبله وذلك خلافًا للأولى، قال تعالى : (وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ ءَاتَيۡتَ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَأَهُۥ زِينَةٗ وَأَمۡوَٰلٗا فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَۖ رَبَّنَا ٱطۡمِسۡ عَلَىٰٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ وَٱشۡدُدۡ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلۡعَذَابَ ٱلۡأَلِيمَ ٨٨ قَالَ قَدۡ أُجِيبَت دَّعۡوَتُكُمَا فَٱسۡتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ ٨٩) فهذه الآيات تحدثنا عن استعجال رسولَي الله عليهما السلام بالنصر وطلب وقوع هلاك القوم الكافرين؛ لكن الله سبحانه عاتبهما وذكّرهما بضرورة الاستقامة على طريق الدعوة، مع أنه سبحانه وتعالى قد أخبرهما بأنه قد استجاب دعوتهما؛ لكن تحقيق ذلك لم يأتِ إلا بعد أربعين عامًا حسبما ذكر أغلب المفسرين. بينما نجد النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاءه جبريل مع ملك الجبال وعرض عليه إطباق الأخشبين على أهل الطائف الذين كذَّبوه وآذَوه، رفض ذلك وقال كلمته: «أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئًا» وصدق الله العظيم فقد وصف نبيه صلى الله عليه وسلم بالرؤوف الرحيم، قال تعالى: (لَقَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولٞ مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ عَزِيزٌ عَلَيۡهِ مَا عَنِتُّمۡ حَرِيصٌ عَلَيۡكُم بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ١٢٨).
كما وقد حدثتنا آيات هذه السور عن نبي الله يونس عليه السلام، حيث استعجل الخروج من قومه ظانًّا أن عذاب الله عز وجل قد وقع عليهم لا محالة، ولكن ما حدث مخالفٌ لما ظنَّه يونس عليه السلام، فقد سارع قوم يونس فآمنوا قبيل نزول العذاب عليهم بقليل، فرفع الله عنهم العذاب ومتعهم إلى حين، فقد استحق نبيُّ الله يونس عليه السلام اللوم على عمله هذا وعوقب بأن التقمه الحوت وهو مُليم، ولولا أنه كان من المسبِّحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون.
وكذلك حدثتنا آيات هذه السور عن نبي الله لوط عليه السلام لَمَّا رَأَى اسْتِمْرَارَ قومه فِي غَيِّهِمْ، وَضَعُفَ عَنْهُمْ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِمْ، تَمَنَّى لَوْ وَجَدَ عَوْنًا عَلَى رَدِّهِمْ، فَقَالَ عَلَى جِهَةِ التَّفَجُّعِ وَالِاسْتِكَانَةِ: (قَالَ لَوۡ أَنَّ لِي بِكُمۡ قُوَّةً أَوۡ ءَاوِيٓ إِلَىٰ رُكۡنٖ شَدِيدٖ)فقد تمنَّى أن تكون له قُوَّة أَيْ أنصارٌ وأعوانٌ، وَمُرَادُ لُوطٍ بِالرُّكْنِ الْعَشِيرَةُ، وَالْمَنَعَةُ بِالْكَثْرَةِ» كما ذكر القرطبي في تفسيره. وقد قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ…»
لم تكتفِ آيات هذه السور بالطلب من النبي صلى الله عليه وسلم الاستقامة على طريقة الدعوة للتمكين فحسب، بل وحذرته صلى الله عليه وسلم من أمور قد تخطر على بال حملة الدعوة، راسمةً له صلى الله عليه وسلم طريق دعوته بدقة متناهية، فقد قال تعالى: (فَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطۡغَوۡاْۚ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ ١١٢ وَلَا تَرۡكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ). فذكرت هذه الآيات بعض موانع النصر ومنها الطغيان، والركون إلى الذين ظلموا، ولم تقل إلى الظالمين فحسب. كما أن بيان هذه الطريقة والإشارة إليها وطلب الاستقامة عليها لم يقتصر على السور والآيات التي نزلت في هذه الفترة «عام الحزن» بل بقيت تتنزَّل الإشارات والتوجيهات حتى قبيل إقامة دولة المدينة وقبيل هجرته صلى الله عليه وسلم فقد أنزل الله في سورة الشورى: (۞شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِۦ نُوحٗا وَٱلَّذِيٓ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ وَمَا وَصَّيۡنَا بِهِۦٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰٓۖ أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ كَبُرَ عَلَى ٱلۡمُشۡرِكِينَ مَا تَدۡعُوهُمۡ إِلَيۡهِۚ ٱللَّهُ يَجۡتَبِيٓ إِلَيۡهِ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَن يُنِيبُ ١٣) وقال سبحانه: (فَلِذَٰلِكَ فَٱدۡعُۖ وَٱسۡتَقِمۡ كَمَآ أُمِرۡتَۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡۖ وَقُلۡ ءَامَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَٰبٖۖ وَأُمِرۡتُ لِأَعۡدِلَ بَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمۡۖ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡۖ لَا حُجَّةَ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُۖ ٱللَّهُ يَجۡمَعُ بَيۡنَنَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ١٥) ففي هذه الآية يبين الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم مهمته بدقة متناهية، وهي أن الله قد أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعدل بينهم، أي أن يقيم فيهم شرعه ويطبق عليكم أحكام شريعته التي هي عنوان العدل «وأُمرت لأعدل بينكم» ولن يكون ذلك إلا بإقامة سلطان الإسلام من خلال دولة تقيم أحكامه.
فمنهج الله سبحانه إنما أنزله لرفع الظلم والطغيان، وليس بهما ينتصر؛ ولهذا لم يستعِن النبي صلى الله عليه وسلم بالذين ظلموا على كفار قريش، فلم يستعن بالروم النصرانية، ولا بملك الحبشة النصراني بالرغم من وصف النبي صلى الله عليه وسلم له: «إنه لا يظلم جواره»، وهنا لا بد من التذكير بحال العاملين في الشأن السياسي الإسلامي، وخاصة من وقع في حبال الاستعانة والركون إلى الذين ظلموا، فتلقَّوا منهم المال السياسي القذِر، فإذا هم مكبَّلون به، الأمر الذي أدى بهم إلى الطغيان، فسفكوا الدم الحرام، ودخلوا في نفق التنازلات، فضاعوا وضيّعوا، فأصبحوا عبئًا كبيرًا على الأمة، وعقبةً في طريق استرجاعها لهويتها ولسلطانها.
وقد بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم مواظبًا على الطريقة مستقيمًا كما أمره الله عز وجل بالرغم من كل الأذى الذي لاقاه؛ لكننا قد رأيناه صلى الله عليه وسلم يتفنَّن في أساليب طلب النصرة، فقد كان يأتي القبائل في منازلهم محاولًا الوصول إليها بعيدًا عن أعين قريش، حتى لو اضطر لأن يأتيهم في الليل. هذا وقد خاض مع زعماء القبائل الذين التقى بهم، مفاوضات شاقة ونقاشات، وقد تعرض كذلك لمساومات وإغراءات، في الوقت الذي كان أشد ما يكون بحاجة لمن ينصره ويمنعه، في هذه الفترة الحرجة من الدعوة؛ لكنه صلى الله عليه وسلم رفض كل تنازل مهما كان بسيطًا، فقد رفض إعطاء وفد قبيلة عامر بن صعصعة أي امتيازات مقابل نصرة مؤزّرة! ولسان حاله يقول «لا بد أن الله ناصر دينه». وكذلك رفض صلى الله عليه وسلم نصرةً منقوصةً عرضها عليه مفاوضو وفد بني شيبان، مفصحين له عن وضعهم مع كسرى ملك الفرس؛ إذ قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: «وإنَّا إنما نزلنا على عهدٍ أخذه علينا كسرى، ألا نحدث حدثًا، ولا نُؤوِيَ مُحدِثًا، وإني أرى هذا الأمر الذي تدعونا إليه يا أخا قريش مما تكرهه الملوك، فإن أحببت أن نُؤويك وننصرك ممَّا يلي مياه العرب فعلنا».
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أسأتم في الردِّ إذ أفصحتم بالصِّدق، وإنَّ دين الله – عزَّ وجلَّ – لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلًا حتَّى يورِّثكم الله تعالى أرضهم وديارهم، ويفرشكم نساءهم، أتسبِّحون الله وتقدِّسونه؟» فقال النُّعمان بن شريك: «اللَّهمَّ فلك ذاك». (أبو نعيم في دلائل النبوة (214)).
فالنبي صلى الله عليه وسلم يحدثهم «وهم الكفار» حديث الواثق بنصر ربه عز وجل، ويصوِّر لهم أن أمر الله نافذ لا محالة، وأنها مسألة وقت ليس إلا، فما عليكم إن أردتم العزة إلا أن تنصروني وتمنعوني!!
فحريٌّ بالمسلمين، وخاصة حملة الدعوة في هذه الأيام، التزام هذه الطريقة التي أمر الله بها، وحريٌّ بالمسلمين نصرة هذا الدين وخاصة أهل القوة والمنعة، قادة جيوش المسلمين، فإنه لن يُمكَّن هذا الدين إلا وفق هذه الطريقة، ولن يَنصرَ دينَ الله إلا أبناؤه من أصحاب القوة، هذه هي طريقة إقامة الدين التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بها، وكذا هي طريقة إقامة دولته!.
ثانيًا: إفراغ الوسع في الدعوة:
عندما يأمر الله عباده بأمر ما، فليعلموا أن الخير كل الخير فيما أمر الله سبحانه وتعالى، فيجب عليهم أن يبذلوا الغالي والنفيس في سبيل تنفيذ ذلك الأمر وتحقيق الهدف الذي جعل الله عز وجل فيه سعادة الإنسان في الدنيا، وكذلك سعادته ونجاته في الآخرة؛ لهذا كان لزامًا على حامل الدعوة أن لا يكلَّ ولا يملَّ وأن يستمر مثابرًا في عمله، ماضيًا في طريقته التي اختارها الله له حتى يصل مبتغاه.
فحملة الدعوة ديدنهم دعوتهم، في الليل والنهار، في كدّهم وراحتهم، في حلّهم وترحالهم. فآيات القرآن تخبرنا عن يوسف عليه السلام بأن فترة السجن على الرغم من شدتها على النفس كانت توطئةً للتمكين، على عكس الفترة التي قضاها عليه السلام في بيت عزيز مصر، الذي واقعه أقرب للمُلك، ولكن كان مآل هذه الفترة هو السجن!! لهذا وجب على حملة الدعوة أن ينتبهوا لهذا الأمر، وأن الإنسان لن يصل بعقله إلى تمييز الخير من الشر، فما على المسلم إلا التزام أمر الله فحسب، فأمر الله أحق أن يتبع. وإفراغ الوسع في العمل هو السبيل لتحقيق الهدف، فلن يصل إلى الهدف متوانٍ ولا متكاسلٌ، وآياتُ القرآن تنطق بذلك وخصوصًا في هذه المرحلة التي نحن بصددها فهي تشير لذلك وتنبه إليه، وتعِد العاملين المؤمنين المحسنين إحدى الحسنيين.
فقد نزلت سورة الفرقان قبل سورة الإسراء، وفيها يقول الله عز وجل مخاطبًا رسوله صلى الله عليه وسلم: (وَلَوۡ شِئۡنَا لَبَعَثۡنَا فِي كُلِّ قَرۡيَةٖ نَّذِيرٗا ٥١ فَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادٗا كَبِيرٗا ٥٢) فمقارعة الكفر تحتاج مجاهدةً بل وجهادًا كبيرًا، وهو عين إفراغ الوسع، وتحتاج إيمانًا قويًا ثابتًا، بل تحتاج الإحسان، وهو أعلى درجات الإيمان بالله. قال تعالى: (۞لِّلَّذِينَ أَحۡسَنُواْ ٱلۡحُسۡنَىٰ وَزِيَادَةٞۖ وَلَا يَرۡهَقُ وُجُوهَهُمۡ قَتَرٞوَلَا ذِلَّةٌۚ أُوْلَٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ ٢٦ ).
فإحسان العمل أو الإحسان فيه يجب أن يكون صفة حامل الدعوة، فلا يكفي مجرد القيام بعملٍ ما لاستحقاق نصر الله عز وجل، بل لا بد من الإحسان في ذلك، بل يجب أن يكون الإحسان شيمة حامل الدعوة، مهما تعقَّد المشهد حوله، ومهما واجه من صعوبات، بل حتى لو تسيَّد وعلت مراتبه، فآيات الله تخبرنا بأن الإحسان كان ظاهرًا على نبي الله يوسف عليه السلام طيلة حياته التي شهدت تقلبات حادة، فقد كان من المحسنين وهو في بيت العزيز عبدًا مملوكًا، وكذلك كان الإحسان ظاهرًا عليه وهو في غياهب السجن، وهو سجينٌ مظلومٌ، بل أبعد من ذلك فقد كان ظاهرًا عليه الإحسان وهو عزيزٌ عند الملك. قال تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ وَكَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٢٢) وقال تعالى: ( وَدَخَلَ مَعَهُ ٱلسِّجۡنَ فَتَيَانِۖ قَالَ أَحَدُهُمَآ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَعۡصِرُ خَمۡرٗاۖ وَقَالَ ٱلۡأٓخَرُ إِنِّيٓ أَرَىٰنِيٓ أَحۡمِلُ فَوۡقَ رَأۡسِي خُبۡزٗا تَأۡكُلُ ٱلطَّيۡرُ مِنۡهُۖ نَبِّئۡنَا بِتَأۡوِيلِهِۦٓۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٣٦) وقال تعالى: ( قَالُواْ يَٰٓأَيُّهَا ٱلۡعَزِيزُ إِنَّ لَهُۥٓ أَبٗا شَيۡخٗا كَبِيرٗا فَخُذۡ أَحَدَنَا مَكَانَهُۥٓۖ إِنَّا نَرَىٰكَ مِنَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٧٨) .
فمن قام بأداء مهمته في حمل الدعوة ووصل إلى الإحسان في ذلك، فما بقي له إلا أن ينتظر إنجاز وعد الله سبحانه وتعالى، فقد وعد الله عز وجل ووعده الحق، وعد عباده المؤمنين بالتمكين والنصر، فضلًا عن أنه سبحانه لن يضيع عمل المحسنين في الآخرة،
قال الله تعالى: (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيۡنَا نُنجِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ١٠٣) وقال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَتَبَوَّأُ مِنۡهَا حَيۡثُ يَشَآءُۚ نُصِيبُ بِرَحۡمَتِنَا مَن نَّشَآءُۖ وَلَا نُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٥٦) وقال تعالى: (قَالُوٓاْ أَءِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُۖ قَالَ أَنَا۠ يُوسُفُ وَهَٰذَآ أَخِيۖ قَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيۡنَآۖ إِنَّهُۥ مَن يَتَّقِ وَيَصۡبِرۡ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٩٠) فبذل الوسع في العمل والإحسان فيه يجب أن يكون سجية حامل الدعوة. كيف لا، وهو الداعي إلى منهج الحق، والحامل لمشعل النور الذي يهدي به الله طريق الناس، ويبدد به ظلماتهم.
روى البخاري عنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: «دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلاَفِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ». (يتبع)
الدكتور محمد الحوراني -الشام المباركة
مجلة الوعي: https://bit.ly/34QjVtG
- التفاصيل
يا أهل الشام الصابرين: هل تنتظرون وعود أردوغان الذي كذبكم مرات ومرات؟!
أم تنتظرون حل أمريكا السياسي الذي سيعيدكم إلى حضن النظام صاغرين مذلولين مكسورين؟!
أم أنكم تنتظرون الغرب الكافر كي يحنو قلبه عليكم ويخرج لكم حلولاً على مقاسه ولتحقيق مصالحه؟!
أليس الأولى بكم أن تُصدِّقوا وعد ربكم ووعد رسوله ﷺ وتجدّوا بالعمل لتحقيقه؟!
أليس الأولى أن تسترجعوا قراركم المسلوب، وتقطعوا أيدي الداعمين، وترصُّوا صفوفكم، وتعملوا لاسترجاع المناطق التي حررتموها من النظام بدمائكم، من أيدي الداعمين والضامنين وأدواتهم من فصائل وجماعات؟!
واعلموا أن استرجاعكم للمناطق التي سلبت منكم يسبقها استرجاعكم لقراركم، وعندها سترون كيف أن الله تعالى سيفتح عليكم البلاد بطولها وعرضها، فتسقطوا النظام العميل وتقيموا حكم الإسلام، وتستظلوا بظل الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
جريدة الراية: https://bit.ly/3ojixYf
- التفاصيل
لقد كانت مهمة التدخل التركي في سوريا بالأساس هي تسليم المناطق للنظام، لأن قادة الفصائل في إدلب وما حولها تبين أنهم لا يستطيعون فعل ذلك منفردين لأنهم سيسقطون شعبياً، ما يمكن أن يؤدي إلى انعتاق الثورة من الارتباط الخارجي، فتم إدخال النقاط التركية في البداية ما دفع الناس للركون إليها خصوصاً عندما شاهدوا أرتاله الكبيرة تتجول في طول المحرر وعرضه، هذا من طرف ومن طرف آخر كان هذا مبرراً لقادة فصائل العار وشرعيي الترقيع والدولار ادعاء أن تركيا لها مصالحها القومية، طبعا حتى مصطلح الأمن القومي لا يفهمون معناه لأن ما تفعله تركيا مخالف جذرياً لمصالح الأمن القومي التركي الذي من مصلحته ألا تنسحب نقطة دخلت مهما كلفها ذلك لأن تدخلها يوازي الأمن القومي وكل تراجع يعني تراجع الأمن القومي، هذا إن كان تدخلها له علاقة بالأمن القومي التركي.
ومع تسليم طريق إم-5 ومدن خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب وانكشاف حقيقة دور النقاط التي توجه انسحابها من مناطق النظام بعد وعود الرئيس التركي بإرجاع النظام إلى ما بعد مورك، دفعت بتركيا لإرسال تعزيزات عسكرية ضخمة لوقف تقدم النظام وشرعت ببناء قواعد عسكرية في مختلف المناطق بهدف ضبط عمليات التسليم والاستلام، ومع اقتراب شهر كانون الأول تركزت التعزيزات العسكرية في جبل الزاوية، والمراقب العادي يظن أن هذه التعزيزات الضخمة المتسارعة جنوب طريق حلب اللاذقية هي لحماية جبل الزاوية، ولكن رؤيتي وسماعي للنقارات الصخرية التي عملت ليل نهار في جبال قريتي دير حسان التي تعج بالمخيمات هي لتجهيز مخيمات نزوح جديدة، والتي تكاد تنتهي عمليات تجهيزها، وليس كما يقول بعض المحللين الطبالين الذي يحدثوننا صباح مساء عن خلاف تركي روسي.
اقتراب شهر كانون الثاني هو اقتراب للموعد المتفق عليه في مسرحية الاستلام والتسليم مع جهوزية أركان المسرح وأدواته ومعداته مع ما يلزم من تقارير صحفية ودراسات مراكز أبحاث تملأ الدنيا ضجيجاً، وهدفها الحقيقي هو ممارسة الحرب النفسية على الشعب السوري التي تعتبر من أهم أدوات الحرب بعد تجهيز المسرح على الصعيد السياسي وهنا أتذكر مقولة للجنرال الأمريكي ستانلي مكريستال القائد العام للجيش الأمريكي عندما سأله صحفي عن عجز أمريكا عن تحقيق النصر في أفغانستان رغم تفوقها عددا وعدة؟ فأجاب مكريستال: "هؤلاء الأفغان لا يشاهدون التلفاز ولا يعرفون شيئا عن أفلام رامبو وجيمس بوند ولهذا فهم لا يخافوننا"، ما يعني أن أفلامهم هي حرب نفسية، وهذا من ضمن ترتيبات المسرح الذي سيتم شن العملية العسكرية عليه.
إن المطلوب ليس مطلوبا فقط من الثوار بل مطلوب من جميع الناس في المناطق المحررة، فهذه معركتنا جميعاً ويجب أن تتضافر جميع الجهود لتحقيق الانتصار، وهذا يبدأ من أسئلة عديدة يجب أن نسألها لأنفسنا أهمها لماذا ننتظر الدفاع ولا نكون نحن المبادرين بالهجوم؟ خصوصاً بعد أن أصبح الإنسان العادي يرى ترتيبات المعركة القادمة على الجانبين، فالنظام يحشد مليشياته ويمنع عن مؤيديه في مناطق سيطرته الطحين والوقود في سبيل تأمينها لجيشه ومليشياته على جبهات إدلب، بينما فصائلنا على العكس تماماً تصرف ما تملك على شق طرقات وصرف صحي وكهرباء وماء في الوقت الذي يجب أن تكون هذه النفقات موضوعة في مكانها الصحيح لتجهيز السلاح والعتاد وفتح المعارك وإنهاك النظام بالغزوات وتحرير بلدات جديدة وتوسيع المناطق المحررة؟
أما على المستوى السياسي فإن خطوة الائتلاف العلماني صنيعة أمريكا هي خطوة متسرعة، فقد كان عليه الانتظار إلى ما بعد عملية تسليم جبل الزاوية فعندها يمكن أن تكون مقبولة بعد الهزيمة العسكرية والنفسية التي ستتلقاها الثورة، ولكن الائتلاف لم يكن هدفه أو هدف مصنعيه هذه الخطوة، بل إن ما أقدم عليه من تشكيل هيئة عليا للانتخابات له هدف آخر مختلف إن لم نقل يتوازى ويسير مع الهدف العسكري الذي تسير عليه الدول وهو الغاية الأساسية، فأمريكا ليس لديها مشكلة في الأرض فيمكنها استعادتها ولكن الهدف هو إطالة أمد الثورة لاستهداف الشعب الثائر وإنهاكه والقضاء على ثورته في داخله، ولذلك فإن أي عمل عسكري واقتطاع جزء من الأرض المحررة إن لم يحقق الهدف الأساسي وهو دفع الناس للاستسلام واليأس ولاحقاً القبول بما يُملى عليهم هو عين ما تسعى له أمريكا، وهذا ما هدفت له من دفع الائتلاف لهذا القرار، وهو بالتحديد خروج أصوات كانت ولا زالت شركاء للائتلاف وبشكل متزامن لرفض القرار واعتباره يخالف قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الذي ينص على تشكيل هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة لإعداد دستور وإجراء انتخابات في عموم البلاد، وهذا ما حاولوا تمريره على الحاضنة الشعبية للثورة، وهو اعتراف حاولوا نيله من الثورة الرافضة لكل القرارات الأممية التي تساوي بين الضحية والجلاد، هذه القرارات التي تطالب القاتل بالجلوس على الطاولة لمفاوضته وهو نفسه ما رفضته الثورة وترفضه منذ البداية بغض النظر عن خسارة الأراضي أو كسبها لأن الثورة صاحبة حق والحق لا يُجزّأ، وفي الطرف الآخر فإن المنظومة الدولية لا تريد تغيير النظام وترى في ثورة الشام خطراً عليها.
لذلك نرى أن ما يجري على الأرض من تجهيزات عسكرية بهدف قضم جزء آخر مما حررته الثورة بدماء وتضحيات أبنائها لا يختلف كثيراً عن عمليات قضم الوعي الجمعي المتراكم للثورة وأهدافها لسحبها إلى مستنقع التنازلات التي سارت فيه المعارضة المصطنعة وائتلافها في الخارج والحكومات وفصائل الارتباط في الداخل، والمعركتان لا تقل الأولى أهمية عن الثانية إن لم تكن أخطر لأن العدو يحاول ويسعى من البداية أن يمد يده لانتزاع ما أمكنه من اعتراف ولو بشيء بسيط لقرارات الأمم المتحدة ومن خلفها أمريكا للضغط على الثائرين وحملهم على التراجع ولو خطوة واحدة كافية للانحدار في المستنقع وهذا ما نجحوا فيه مع فصائل الثورة.
على أهل الشام الأحرار الذين خرجوا على النظام وطالبوا بإسقاطه أن يعلموا أن إفساد المؤامرات السياسية مهم جداً لمواصلة الطريق لتحقيق أهداف الثورة، كما هو الحال في تخريب عمليات التسليم والاستلام العسكرية التي تقوم بها الدول على حساب دماء شهدائنا وتضحيات مجاهدينا التي لن نتمكن منها في ضوء الارتباط الفصائلي بالدول والبقاء رهينة أوامره وتوجيهاته، هذان الجانبان هما الجناحان اللذان سيحلق بهما طائر الثورة نحو الانتصار والعزة والكرامة التي ننشدها جميعاً، لذلك كان علينا في هذه اللحظات التي يشتد فيها المكر والتآمر على أبناء ثورتنا أن نوجههم إلى الطريق الصحيح الذي يبدأ من الحاضنة الشعبية التي يتم الضغط عليها حتى في لقمة عيشها من حكومات وفصائل تعتاش على معاناتها وتنفذ أوامر الخارج لإرهاقها وجعلها تتمنى العودة لأحضان النظام، وعلى ذلك فإن الحاضنة يجب أن تعلم أنها هي بيضة القبان وهي من عليها أن تقرر، فالثورة قوية بقوة حاضنتها المتيقظة لما يحاك لها من مؤامرات، وثابتة على أهدافها رغم الفتن والمحن حتى نصل إلى ما يرضي الله عنا بإزالة الطغيان والقضاء على الطاغوت.
========
كتبه: الأستاذ أحمد معاز
جريدة الراية: https://bit.ly/3rpc8g3