- التفاصيل
كردّ فعل على المأساة الواقعة في حلب غصّت وسائل الإعلام الأيام الماضية بالمشاهد المؤلمة والمقاطع المؤثرة لما يحدث هناك؛ وتناقلها الناس على مواقع التواصل الإلكتروني بكثرة، لاهجةً ألسنتهم بالدعاء للمنكوبين في حلب بتفريج الكرب ومعبرين عن ألمهم لهول ما رأوه.
"إنهاّ لأهوال يوم القيامة" و"حلب تباد" و"مذبحة حلب" وغيرها عبارات حاول الناس من خلالها التعبير عمّا شاهدوه من مجازر مروعة وقصف عنيف متواصل وصدور للناس أشتاتا فرارا بحياتهم، وهو ما يدلّ على إحساسهم بإخوانهم وحرقتهم ووجعهم على ما يحدث واهتمامهم وتنغّص حياتهم بالواقع المأساوي الموجود في بلاد الشام.
إنّ التفاعل مع ما يحدث في حلب والدعاء للمسلمين هناك هو أمر مطلوب لا غنى عنه لكل مسلم يدرك قول النبيّ صلى الله عليه وسلم «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم»، وهو إن دلّ على شيء فهو يدلّ على حرارة ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ في صدور أولئك المتفاعلين وعدم نجاح الحدود المصطنعة والمفتعلة لتقسيم جسد الأمة الإسلامية في بناء السدود في وجدان الناس ونزع ما وقر في نفوسهم من أخوة إسلامية. ولكن...
هل الاكتفاء بالدعاء أمر يرضي الله عزّ وجلّ ويبرئ الذمة وفي إمكانه أن يكشف الغمة؟؟
هل الشعور بالعجز الذي بات يكبل الكثيرين ويجعلهم يتألمون ثم يدعون ثم يتناسون أمر طبيعي؟؟
لقد تألم الناس وتفاعلوا بكثرة مع التهجير والقتل والترويع الذي حدث في نكبة 48 في فلسطين ثم تألموا أيضا مع نكسة 67 ومع كل مجزرة اقترفها يهود في دير ياسين وقلقيلية مرورا بجنين وصبرا وشاتيلا وغزة واللائحة تطول. وتألموا كذلك لكشمير والشيشان ولأبو غريب العراق، لتركستان الشرقية ولبورما وغيرها... وفي كل مرة كان الدعاء سلاح المتألمين سواء عامة الناس أو خاصتهم من شيوخ ومفتين، وكان أمثلهم طريقة من يدعو إلى التظاهر أو إرسال المساعدات. وبقي الحال على ما هو عليه لا بل ازداد فظاعة وازدادت الآلام والأوجاع... فسنة الله أن التغيير لا يكون بالدعاء فقط...
إنّ كل الهزات العنيفة التي مرت على الأمة الإسلامية يجب أن تكون دافعا للتفكير فيما يغير الحال؛ وتحتم علينا تلك المآسي ترجمة أحاسيس الألم والمعاناة لنجعلها نورا ونارا يغير هذا العالم فلا يُكتفي بالمشاعر بل ينتقل مباشرة بناء عليها للفكر والعمل المنتج.
إنها لمن السلبية المقيتة أن يقول الواحد منا أنه لا حول له بما يحدث وأنه يتألم ولا يقدر على شيء؛ فالأحاسيس الصادقة القوية تنطبع لدى النفس وتدفعها دفعا للوصول للحل بل والتشمير عن ساعد الجد والسير إليه.
حلب اليوم ومن قبلها فلسطين و أفغانستان و الشيشان وكل بلاد المسلمين المحتلة تحتاج منا سعياً لتغيير الحكام العملاء الذين سلمونا للأعداء إلى جانب الدعاء وكل ما من شأنه أن يخفف وطأة معاناة إخواننا في تلك البلاد.
حلب تحتاج من كلٍّ منا قرارا جريئا يقلب به حياته رأسا على عقب فيغدو إنسانا راقيا؛ همّه نصرة الدين والمستضعفين؛ إنسانا لا يفكر فقط في "الأنا"، إنساناً يتعالى على الأنانية والتفكير في المصالح الضيقة وتكون أسمى غاياته هي إخراج العباد، جميع العباد، من جور المبادئ المتوحشة إلى عدل الإسلام وإنسانيته.
إنّ فكرة قدرة الشعوب على التغيير إذا ما تحركت وتسلحت بالوعي قد باتت فكرة ملموسة يدلل عليها ما وقع في الربيع العربي وما عكسه من تعطش الناس للتغيير وضرورة رفع سقف الوعي إذا ما أردنا ربيعا إسلاميا يضع حدا لمآسي المسلمين في كل مكان.
إنّ السعي للتغيير فرض في عنق كل منا وضرورة ملحة لتجهيز مستندات دفاعنا ليوم التغابن حين يطلب منا الله تعالى ردّ تهم التخاذل والتواطؤ والتقاعس بل والمشاركة في سفك الدم الحرام عناّ.
إنّ تحرك الشعوب رأسا لقلع الحكام العملاء ودفعها الجيوش دفعا للقيام بواجبها الشرعي تجاه المسلمين في كل مكان ﴿وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ واختيار قيادة مخلصة همّها تطبيق الإسلام والذود عنه تسير خلفها هو الحل العملي القادر على تغيير حال الأمة وكشف الغمة، وما دون ذلك يبقى مجرد أدوية تسكين قد تخفف الوجع ولا تؤمن الشفاء.
فيا أمة الإسلام هبي كفاك هوانا؛ قومي انفضي عنك غبار الوهن وانصري دينا وأعراضا ومقدسات؛ عودي لعزك ورفعتك وأعيدي الأفاعي إلى أوكارها، فوالله ما عادت تطيب لنا هذه الحياة التي لا ترضي الله؛ فلميتة في طاعة الله خير من عيشة في معصية. أفَلا نتحرك لهذه الأوضاع وكل يوم صواريخ الروس الملاعين تمزق أبناءنا أشلاء؟؟ أفَلا نتحرك وحرائر المسلمين في سوريا وبورما تغتصب؟؟ أفَلا نتحرك و الأقصى أسير والمسلم ذليل وشرع الله معطل؟؟
يا أمة الإسلام! ها هو حزب التحرير منذ أمد يقدم لك الدواء من كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم ويدعوك للتحرك معه فاستجيبي لدعوة صادقة نقية ترجو أجرها من الله وحده والْتحمي معه لاستنصار الجيوش والأنصار، فحلب لن تكون الأخيرة إن لم نبايع حامياً وراعياً لبيضة الإسلام والمسلمين.
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: 55]
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هاجر اليعقوبي
المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/41006
- التفاصيل
لا شك ونحن ننظر إلى ما وصلت إليه ثورة الشام المباركة؛ وما يحصل في مدينة حلب من مجازر جماعية وخسارة بعض المناطق؛ لا يسعنا إلا أن نقف وقفة صادقة مع ذاتنا لنضع الأمور في نصابها ونسترجع زمام المبادرة من جديد.
لا بد أن ندرك بداية أن الأمة الإسلامية أمة حية لا تموت؛ وقد أناط الله بها حمل الإسلام إلى العالم كافة، فهي أمة تحمل رسالة محمد ﷺ، تمرض ولكن لا تموت؛ تنام ولكن لا بد من أن يأتي يوم وتنتفض من جديد، وهذه حالها على مر العصور.
لقد قدر الله سبحانه وتعالى عليها أن تواجه العالم أجمع لتنشر في ربوعه دين الله عز وجل رسالة رحمة للعالمين، وهذا ما جعل قوى الكفر قاطبة تجتمع عليها وتحاول القضاء عليها المرة تلو المرة؛ ولكن هيهات هيهات فأمة محمد ﷺ باقية ما بقي دين الله سبحانه وتعالى؛ ودين الله عز وجل حي لا يموت؛ ومحفوظ من خالق الكون والإنسان والحياة، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾.
إن نظرة واحدة إلى مجريات الأمور ترينا بوضوح مكمن الخلل الذي لحق بثورة الشام المباركة؛ والذي أوصلها إلى ما وصلت إليه الآن من انتكاسٍ وضع مصيرها على المحك، فقد نجحت أمريكا في السيطرة على مجريات الأحداث عندما وثقت قيادات الفصائل في أعدائها بل بالغت في هذه الثقة؛ حتى أصبحت مطية مخططات الغرب تدور معها حيث دارت وهي تحسب أنها تحسن صنعا! ويتجلى نجاح أمريكا في أمور عدة أهمها:
أولا: تحويل الصراع عن عميلها طاغية الشام وجعل الأولوية لمحاربة ما أسمته (الإرهاب)؛ فعلى الصعيد الخارجي شكلت أمريكا التحالف الصليبي الدولي وجعلت من محاربة الثورة أولوية حتى عند من يدّعون صداقة الشعب السوري، ونستطيع أن نقول الكلام نفسه على الصعيد الداخلي؛ فقد جعلت محاربة ما أسمته (الإرهاب) أولوية عند قادة الفصائل وذلك نتيجة الممارسات الخاطئة لتنظيم الدولة من جهة وبضغط من الداعمين وبتوجيه إعلامي مركز من جهة أخرى، وليس أدل على ذلك من توجه قيادات الفصائل للمشاركة في درع الفرات وترك مدينة حلب وحيدة تواجه مصيرها أمام تجمع أعدائها!
ثانيا: إغراق الثورة بالمال السياسي القذر؛ وربط قيادات الفصائل بالداعمين؛ والذي نتج عنه ما نتج من مصادرة القرار وفقدان السيادة، فلم تعد قيادات الفصائل سيدة نفسها؛ ولم تعد تستطيع أن تتخذ قراراتها بعيدا عن ضغوطات الداعمين وتوجيهاتهم وشروطهم التي كبلت الفصائل وشلت حركتها؛ فأبعدتها عن المناطق الاستراتيجية التي حُددت كخطوط حمراء يحرم الاقتراب منها؛ وحصرت أعمالها في مناطق استنزفت طاقاتها وأوهنت قواها، كما حرص الداعمون على إبقاء الفصائل مشرذمة متنازعة تحمل رؤوسا متعددة أفرزت مناطق سيطرة لكل فصيل وأهدافا ومصالح مختلفة مما أدخلها في صراع مع بعضها فذهبت ريحها، وهذا ما حذر منه رب العزة سبحانه وتعالى في قوله ﴿... وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين﴾.
ويعتبر فقدان الوعي السياسي من أهم العوامل التي أوقعت قادة الفصائل في فخاخ أعدائها؛ وجعلت منهم مطية لتحقيق مصالحهم؛ فأمريكا كما هو معلوم تقود الصراع من خلف ستار وتزج بعملائها وحلفائها بعد أن قسمت الأدوار بين الاحتواء والمساندة، فزجّت بإيران وحزبها في لبنان ومن ثم روسيا لإسناد عميلها طاغية الشام؛ كما زجت بتركيا و السعودية وغيرها لاحتواء قادات الفصائل، وهذا ما لم تدركه هذه القيادات؛ فارتمت في أحضان أعدائها الذين ادعوا صداقتها وسلمت رقبتها للذبح عند أية محاولة للتمرد على قراراتهم، أضف إلى ذلك عدم قدرة قيادات الفصائل التمييز بين المكتسبات؛ فوقعت ضحية أوهام المكتسبات الهشة التي لا تستطيع المحافظة عليها، وبالتالي أخذت تفقدها الواحدة تلو الأخرى عندما سارت على طريق الهدن والمصالحات التي نتج عنها إفراغ المناطق من أهلها وسيطرة نظام الطاغية عليها من جديد؛ مما جعل الخناق يضيق حتى انحصر في الشمال السوري آخر قلاع الثورة، أضف إلى ذلك الممارسات الخاطئة التي فصلت الفصائل عن حاضنتها الشعبية أو كادت، وهذا كله نتيجة غياب الوعي السياسي عند من تصدر الدفاع عن أهل الشام وأعراضهم.
إن هذه الحقائق الصارخة تدفعنا لإعادة النظر في مسار الثورة بشكل عام والعمل على تصحيحه قبل أن تفقد الثورة بوصلتها تماما وتضيع في أمواج بحر الفوضى المتلاطمة، وهذا يقتضي من كل مخلص تحمل مسؤولياته، فقطع يد الداعمين أصبح ضرورة ملحة بعد العبث الذي جرى بمصير الثورة والذي نراه ماثلا أمام العيان، وهذه الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح لأنها تعيد لقيادات الفصائل سيطرتها على قراراتها وسيادتها على ذاتها فتستطيع السير في الطريق القويم؛ وتستطيع بعدها أن تتوحد حول مشروع سياسي وقيادة سياسية واعية ومخلصة، ومن ثم تستطيع كسر الخطوط الحمر التي رسمها أعداء الثورة وأبعد الفصائل عنها؛ والتي تعتبر مناطق استراتيجية للأطراف كافة، فالوقت لم يفت ولا تزال الفرصة سانحة لقلب موازين اللعبة.
يجب أن يعلم الجميع أن سقوط حلب، لا سمح الله، لا يعني انتهاء الثورة وإن كان ضربة قوية لها فالله سبحانه وتعالى يقول: ﴿... وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ فعسى أن توقظ هذه الهزة النيام من غفلتهم وإننا نرى علامات هذا الاستيقاظ من خلال توحد الفصائل في جيش واحد داخل حلب؛ ومن خلال خروج المظاهرات ضد القيادات التي باعت دماء مئات الآلاف من الشهداء وتضحيات الملايين من أهل الشام؛ ومن خلال الأعمال الجماعية هنا وهناك، فهذا كله دليل على أن الأمة لا تزال حية وأنها ستستعيد عافيتها من جديد بإذن الله وما ذلك على الله بعزيز.
كتبه لجريدة الراية: أحمد عبدالوهاب/ رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا، بتاريخ الأربعاء 8 كانون الأول/ديسمبر 2016م
المصدر: http://bit.ly/2g8bjlD
- التفاصيل
هذا السؤال تأخر بعض الناس عن طرحه، حتى الذين ثاروا، لكن هناك من أجاب عليه منذ أكثر من نصف قرن، وهم المخلصون المدركون من أين تؤكل الكتف، لكن هناك حركات إما قصر نظرها، أو قل إخلاصها، أو ملأ الكسل والملل طريقها، فلا تعرف.
ماذا ينقص الثورات حتى تنجح؟ في الماضي كان القتال هو خيار الثائرين، فلم يكونوا يعملون عن إدراك للواقع وكيفية تغييره، حتى فشلت ثورتهم المسلحة، وأخرجت أنظمة ركبت التيار وتحايلت عليه ووجهته لخدمة مصالحها الدنيوية، فأصبحت لدينا أنظمة قمعية ظالمة متغطرسة. وما إن أفاقت الأمة وأدركت مدى استحكام الكافر المستعمر في بلادها وسيطرته على مقدراتها، بعد سبات عميق دام ما يقارب قرنًا، حتى أصبحت تريد استرجاع ماضيها ومقدراتها، فكان أول ما فكرت فيه الحركات لاسترجاع ماضي الأمة هو القيام بالأعمال المادية التي لا تفرق بين الحق والباطل وبين العدو والصديق، ففشلت وخمدت وأيقنت أن عملها لن يوصلها إلى ما ترجوه، وبعد مدة أرادت أن تجرب عملًا آخر، فخرجت إلى الشوارع ونادت بأعلى صوتها بأنها تريد تغيير النظام وإزالة الحكام، وبهذا كان عملهم سليمًا، لسبب بسيط، هو إدراكهم أس الداء وهو النظام الحاكم، فصدع الناس بأصواتهم لكن الصورة بقيت غير مكتملة كتلك الكلمات التي صدعوا بها. الجميع كان يسأل نفسه ماذا بعد إسقاط النظام وإزالة الحكام، ماذا سيحدث بعدها، ومن سيقود بعد الثورة؟؟؟
سارعت أصوات خبيثة تجيب عن هذه الأسئلة، لتوجه الثورة لمصالحها، فتحايلت على الثوار بشعاراتها وركبت مركبهم ونصّبت نفسها عليهم لفقر الوعي عندهم وعدم إدراكهم لخبثها، فبقي السؤال من غير إجابة شافية واضحة تشفي الصدور وتعزّز الهمم وتنجح العمل. لكن المخلصين في هذه الأمة يعرفون الجواب، وقد خرجوا للثائرين ناصحين وموجهين ومرشدين، أجابوهم عن الأسئلة، وكان جوابهم نابعًا من فكر مستنير دقيق، فكانت إجابتهم إن كانت الثورة صحيحة أم لا: نعم؛ لأنها تستهدف تغيير الأنظمة والحكام الذين هم أس البلاء والداء، وكانت إجابتهم على ما الذي تحتاجه الثورة: أنها تحتاج أخيارًا يقودونها إلى بر الأمان، ويستبدلون بالنظام نظامًا يرضي الله سبحانه وتعالى ويرضي الناس ويطمئنون لهم بأنهم المناسبون لهذه المهمة الربانية، وعلى رأس هؤلاء الأخيار حاكم مسلم يحكم بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام، هو خليفة عادل راشد ينصر هذه الأمة.
عرف الناس هذه الأجوبة، فتلكأ من تلكأ وهادن من هادن، ولكن الحقيقة تبقى ثابتة، وعندما سارت الثورات غير متبنية لهذه الأجوبة تخبطت يمنة ويسرة، ولم تفلح حتى هذه اللحظة أية ثورة في الوصول إلى مبتغاها، فإلى متى تظل هذه الثورات تتخبط ولا تجد المخرج؟
إن هذا الزمان لا يصلح إلا بما صلح به أوله، عندما خرج رسول الله ﷺ على كفار قريش صادعًا بأوامر الله، وأخبرهم أن يعبدوا الله تعالى ويحكّموا شرعه سبحانه، وهذا حزب التحرير أخبر الناس بهذا منذ أول يوم تأسس فيه.
إن مهمة المسلم في هذه الأرض هي إعمارها ونشر رسالة الهداية والعدل بين شعوبها، والمسلمون هم ورثة الأنبياء في تبليغ الرسالة وحملها إلى العالم حتى قيام الساعة، وهذا لا يتحقق إلا بأن تجتمع الأمة على فكرة وتسير عليها وتنشرها بين الأمة، هذه الفكرة هي أن الأمة الإسلامية صاحبة السلطان في الأرض تحكم بكتاب الله وسنة نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام، فكرة خالصة لا يشوبها شيء ولا تدنسها حضارة الغرب، وهذا الهدف يتحقق بالعمل المخلص لله ورسوله عليه الصلاة والسلام لوضع الإسلام في سدة الحكم وجعله المصدر الوحيد للتشريع، ثم حمله للناس بالدعوة والجهاد بعد قيام دولة الإسلام.
فلا يعقل أن نترك الطريق الذي سلكه خير البشر المصطفى عليه الصلاة والسلام، ونسلك طريقًا من صنع البشر. علينا أن نسير على خُطا رسول الله ﷺ ونحرص كل الحرص على ذلك، حتى نحقق النصر الذي حققه عليه الصلاة والسلام، وإلا بقينا على حالنا، بل وساء أمرنا.
إن هذا الدين له رجال ووجنود، رجال اختاروا حمل رسالة الإسلام، مخلصين لا يهدفون في هذا العمل لمغنم أو شيء من الدنيا، بل إلى مرضاة الله عز وجل ونوال رحمته وجنته التي أعدّها للمخلصين، وجنود كثيرة تحتاج هؤلاء الرجال المخلصين لقيادتها.
إن هذه الثورات كلها لن تنتصر إلا إذا أراد الله ذلك، وما يريده الله نعلمه كلنا ولا يخفى على أحد، وهو أن نكون على ما يرضاه عز وجل من السعي لتحكيم شرعه عز وجل، حتى يسدّد الله خُطانا وينزل علينا نصره، ولهذا يعمل حزب التحرير وسيبقى يعمل ويدعو حتى يُستجاب له أو تنفرد سالفته، فإما الموت في سبيل الدعوة وإما تحقيق النصر والتمكين لهذا الدين.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. ماهر صالح – أمريكا
المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/40188
- التفاصيل
يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾ [هود: 113]
الركون إلى الشيء في اللغة العربية هو الميل إليه. ومعنى الركون في هذه الآية هو الميل إلى الطغاة والموافقة على ظلمهم، وإظهار الموافقة والرضا عن حكمهم وأساليبهم، والتعبير عن موافقتهم ومداهنتهم أمامهم أو أمام الآخرين، والتعاون معهم في اقتراف الآثام ومصاحبتهم والتشبه بهم [الزمخشري، والرازي، والشوكاني]
ومن هم بالضبط الذين ظلموا؟ وهل تنطبق على المسلمين وغير المسلمين؟
قال ابن عباس: "إنه ينطبق على العموم بلا أي فرق بين مسلم أو غير مسلم، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب" [الشوكاني]
وأضاف الزمخشري: "لا يجوز الميل اليسير!" وكتب أيضًا أنّ الخليفة الموفق صلى مرة خلف الإمام فقرأ بهذه الآية فغشي عليه، فلما أفاق قيل له، فقال: "هذا فيمن ركن إلى من ظلم، فكيف بالظالم".
زيارة الحكام
ويعطي الزمخشري هذه الآية اهتمامًا حقيقيًا، فقد نقل عن سفيان الثوري قوله: "في جهنم واد لا يسكنه إلا القرّاء الزائرون للملوك".
وقال الأوزاعي: "ما من شيء أبغض إلى الله من عالم يزور عاملا".
وقال محمد بن مسلمة: "الذباب على العذرة، أحسن من قارئ على باب هؤلاء".
ولقد سئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية، هل يسقى شربة ماء؟ فقال: "لا"، فقيل له: يموت؟ فقال: "دعه يموت".
وروى الزمخشري أنه لما خالط الزهري السلاطين كتب إليه أخ له في الدين: "عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو لك الله ويرحمك: أصبحت شيخاً كبيراً وقد أثقلتك نعم الله بما فهمك الله من كتابه وعلمك من سنة نبيه، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء، قال الله سبحانه: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: 187]، واعلم أنّ أيسر ما ارتكبت وأخفّ ما احتملت: أنك آنست وحشة الظالم، وسهلت سبيل الغي بدنوّك ممن لم يؤدّ حقاً ولم يترك باطلاً حين أدناك، اتخذوك قطباً تدور عليك رحى باطلهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلائهم وسلماً يصعدون فيك إلى ضلالهم، يُدخلون الشكّ بك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهلاء، فما أيسر ما عمروا لك في جنب ما خرّبوا عليك، وما أكثر ما أخذوا منك في جنب ما أفسدوا عليك من دينك، فما يؤمنك أن تكون ممن قال الله فيهم: ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾ [مريم: 59] فإنك تعامل من لا يجهل، ويحفظ عليك من لا يغفل، فداوِ دينك فقد دخله سقم، وهيئ زادك فقد حضر السفر البعيد، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء، والسلام".
وروى الزمخشري، عن الحسن البصري قوله: "جَعَلَ اللَّهُ الدِّينَ بَيْنَ لَاءَيْنِ: وَلا تَطْغَوْا وَلا تَرْكَنُوا". أي، لا تتجاوزوا حدود الحلال وتركنوا للظلم والظالمين.
ورُوي عنه أيضًا أن خياطًا قال له: "أنا أخيط ملابس الحكام، فهل أعد ممكن يركن إلى الذين ظلموا؟"، فقال الحسن: "إنك لست ممن يركنون إلى الذين ظلموا، بل إنك واحد منهم!"
أيها المسلمون! أيها العلماء وأهل العلم!
انتبهوا! فلا تركنوا إلى الذين ظلموا بمؤازرتهم وبأقوالكم وأفعالكم. قولوا لهم قول الحق وخذوا العبرة من سلفكم الصالح.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عبد الله حكيم
المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/cultural/40830
- التفاصيل
الأخ الكريم... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أرض الشام المباركة تحية طيبة لكم ولكل ساكن في مركز الأرض المباركة، وعبر أثير راديو حزب التحرير / ولاية سوريا نلتقي بكم في هذا اللقاء الطيب حول "قضية فلسطين وثورة الشام أوجه التشابه وسبيل الخلاص"؛ فحياكم الله وبياكم
السؤال الأول: الأخ علاء أبو صالح؛ يقول الشاعر:
ما زِلْنا نَذْكُرُ أَنْدَلُساً *** نَبْكِيهَا فِيْ صُبْحٍ وَمَسا
لَيْسَتْ أَنْدَلُساً واحِدَةً *** فَلَكَمْ ضَيَّعْنا أَنْدَلُســــــا
ضاعت الأندلس فردوس المسلمين المفقود، وها هي فلسطين تكاد تضيع وهناك عدة أشياء اتبعها الغرب لإضاعة فلسطين؛ حبذا لو تخبرنا ببعض هذه الأشياء بشكل موجز...
الجواب: حياكم الله، وأهلاً ومرحباً بكم وكل التحية لأهلنا الصابرين المرابطين في شام رسول الله صلى الله عليه وسلم...
أخي الكريم، فلسطين هي جرح غائر في جسد الأمة الممزَّق، وهي جرح لا زال ينزف، واحتلالها كان علامة انحدار الأمة ونتيجةً لهدم خلافتها. لقد عمل الغرب منذ إنشائه لكيان يهود على تثبيته خنجراً مسموماً في خاصرة الأمة واتخذ لذلك خطوات عدة، كان أبرزها إنشاؤه لمنظمة التحرير التي ولدت من رحم الأنظمة العربية العميلة، ومن ثم عزل فلسطين عن عمقها وامتدادها الإسلامي بحصره تمثيل أهلها بمنظمة التحرير، ومن ثم حرف البوصلة عن الحل الصحيح لهذه القضية، فبدل أن تكون قضية فلسطين قضيةً عسكرية، قضية أرض احتُلَّت يجب تحريرها، باتت قضية سياسية تفاوضية، وضاعت في دهاليز الأمم المتحدة وقراراتها الظالمة المتآمرة، ومن ثم أنتجوا سلطة هزيلة، تعادي أهل فلسطين ضيعت الأرض والعرض والمقدسات، وها هي تحمي أمن المحتلين ولا زالت المؤامرة مستمرة...
السؤال الثاني: هل الغرب يتبع في ثورة الشام نفس الخطط؟ أم أن هناك أساليب أخرى؟
الجواب: أخي الكريم، لكل قضية ملابسات وخصوصية، لكن قد تتشابه الأساليب والخطط. ما يحدث اليوم في ثورة الشام، يشابه أشياء كثيرة مما حصل في فلسطين وهو أمرٌ يدعو أهل الشام إلى الحذر وأخذ العبر لكي لا يلدغوا من جحر واحد مرتين. لقد أنشأ الغرب وأدواته من الأنظمة العربية العميلة ائتلاف المعارضة تماماً كما فعلوا مع منظمة التحرير، وجعلوه في اجتماع الرياض الممثل الشرعي والوحيد، وتمخض من رحم هذا الائتلاف حكومةٌ منبتّة لا قرار لها على الأرض على غرار السلطة وهو الآن - أي الغرب - يسعى لحرف بوصلة الثورة في الشام عن إسقاط النظام والانعتاق من التبعية والمطالبة بإقامة الخلافة على منهاج النبوة، إلى جعلها قضية تفاوضية، وحلولاً سياسية ومناصب وزارية بل إلى قضية معونات إنسانية. هذه بعض الأساليب المتشابهة، لكن لا شك أن هناك أساليب أخرى يقوم بها الغرب لمواجهة ثورة الشام، كادعاء محاربة (الإرهاب)، وإنشاء التحالفات الدولية، والإجرام المتزايد في القتل والتدمير...
السؤال الثالث: الغرب صبر عقوداً حتى تمكن من تضييع وتمييع قضية فلسطين؛ فلماذا نرى الغرب مستعجلاً على حلحلة ثورة الشام؟
الجواب: نعم، ثورة الشام مثّلت منذ انطلاقها بشعاراتها وأهدافها أملاً للأمة بأسرها، أملاً لأهل فلسطين ولأهل الأردن ولأهل إندونيسيا ولكل مسلم يتطلع للعزة؛ لذلك رأينا يا أخي ضخامة المؤامرة على الشام وتواطؤ القوى الغربية وروسيا وأدواتها وأشياعها على هذه الثورة المباركة. لقد وضعت القوى الاستعمارية كل ثقلها في الشام لا لإنقاذ أهل الشام ولا لوقف المجازر بل لزيادتها سعياً لإخضاعهم للشروط الأمريكية الاستعمارية، فاهتمام الغرب بهذه الثورة إنما كان لمحوريتها وانعكاساتها على المسلمين وعلى العالم، حتى أصبحت الشغل الشاغل للغرب، وسبباً لشيب رؤسائه وأَرَقِهِم الدائم فاستعجاله إنما هو نابع من خوفه...
السؤال الرابع: هناك صراع دولي وصراع مشاريع دولية في فلسطين فهل مثل هذا الصراع الدولي موجود اليوم في الشام؟ أم أن هناك صراعاً من نوع آخر مختلف؟
الجواب: الصراع الدولي في فلسطين كان ناتجاً عن تضييعها وتسليم قيادتها لحفنة خانت أمتها ودينها وارتمت في أحضان أوروبا تارة وأمريكا تارة أخرى. أما الوضع القائم الآن في ثورة الشام، فهو صراع من نوع آخر، صراع أمة ضد المستعمرين، صراع أمة تريد أن تتخلص من ربقة العبودية وتحمل مشروعاً ينبثق من عقيدتها ويدعو لتحررها ضد مشروع الغرب الرامي لتكريس التبعية التي تضمن هيمنته على البلاد والعباد والثروات. لذلك فأمنية الغرب أن يكون الصراع في الشام صراعاً دولياً بين قوى استعمارية متنافسة، فحينها يكون الصراع ضمن قواعد اللعبة - كما يقولون - ولا خشية من الأمة حينها، بل تضيع تضحياتها في سبيل رفاهية ساكن البيت الأبيض أو عش داونينغ ستريت أو الإليزيه. ومن هنا، أغتنم هذا السؤال بتوجيه النصح للفصائل المجاهدة في الشام ألا يقعوا في فخ العلاقة مع المستعمر أو عملائه من الأنظمة، فالارتهان للغرب معصية للرب ومضيعة للحقوق وفقدان للقرار.
السؤال الخامس: من أساليب الغرب لحرف بوصلة ثورة الشام أسلوبان خبيثان، المال السياسي القذر، واصطناع الاقتتال والفتنة بين الفصائل؛ هل هذان الأسلوبان استعملهما في فلسطين؟ وكيف أو متى؟ حبذا لو تضرب لنا مثالاً.
الجواب: نعم لقد استطاع الكافر المستعمر أن يرهن قرار الفصائل الفلسطينية عبر ما يسمى بالمنح أو المساعدات أو المال السياسي الملوث وكما يقال "من يملك المال يملك القرار"، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصى. فما تقدمه ما تسمى بالدول المانحة لمنظمة التحرير وسلطتها الفلسطينية هو كله مال سياسي ملوث، تملي من خلاله هذه الدول على أهل فلسطين تغيير المناهج الدراسية والتخريب الثقافي لأبنائنا ومحاربة ما يسمى بالإرهاب والرضا باحتلال فلسطين المحتلة عام 1948م، بل وتنفق هذه الأموال على حماية المحتل، فثلث ميزانية السلطة يذهب للأجهزة الأمنية التي تحمي يهود وتقمع أهل فلسطين وتلاحق المقاومين. وكذلك ما تقدمه الأنظمة العميلة مثل قطر وغيرها لغزة، فهي أموال سياسية؛ ومخادع من يدعي غير ذلك، فالغرب والأنظمة العميلة ليسوا جمعيات خيرية. أما الاقتتال، فأثره لا زال ماثلاً للعيان في انفصال الضفة عن غزة وتخاصُم فتح مع حماس؛ ولو عقل هؤلاء أنهم يعيشون تحت احتلال، وأن كلا سلطتيهما ليستا سوى بلديات وأن الهدف يجب أن ينصبّ على تحرير فلسطين... ما وصلوا إلى هذه الحال، لكن نعم ضاعت البوصلة فضاعوا وأضاعوا الناس. والله نسأل ألا يتكرر ما حدث في فلسطين مع فصائل الشام المجاهدة، وأن تركز هذه الفصائل جهودها على إسقاط النظام وأن تنبذ الاقتتال الداخلي المحرم، عسى الله أن يمن عليها بالفرج والنصر والتمكين. يقول الله سبحانه: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
السؤال السادس: تمكن الغرب من ترويض معظم الفصائل الفلسطينية بأساليب شتى؛ فهل كان لاغتيال القيادات دور كبير في ذلك؟ وهل ما حدث في فلسطين من اغتيالات يحدث في الشام الآن؟
الجواب: نعم، فهذا أسلوب متبع لدى الغرب الذي لا يتورع عن القيام بالأعمال القذرة لتحقيق مخططاته، فهو أسلوب يضغط فيه على الفصائل لتقديم التنازلات ولتبقى ضمن قواعد اللعبة المسموح بها، فإذا ما شذّت أو خرجت عن هذه القواعد أو ربما فكرت بذلك تفكيراً... استخدم أسلوب الاغتيالات للقيادات. لكن الحركات المبدئية المتمسكة بدينها تبقى ثابتة على نهجها. ما نراه اليوم في الشام من اغتيال القيادات كقيادات الأحرار وجيش الإسلام وغيرهم، إنما يأتي في هذا السياق. نصيحتنا إلى هذه الفصائل أن تبقى متمسكة بدينها، بإسلامها، وأن تنبذ ما سوى ذلك وأن لا تخضع لإملاءات الكافر المستعمر.
السؤال السابع: قد فشلت الفصائل الفلسطينية بالتحرير بسبب ارتباطها بالأنظمة العميلة وتفرقها فهل التاريخ سيكرر نفسه مع الفصائل في الشام؟
الجواب: أخي الكريم، الارتهان للأنظمة العميلة مصيبة، ولقد كان سبباً رئيساً لضياع فلسطين، فهذه الأنظمة تسير وفق المخططات الاستعمارية ولا تقوم بأية خطوة في علاقاتها الخارجية إلا بتوجيه من أمريكا أو أوروبا. فهذه الأنظمة غير مأمونة الجانب، سواء النظام السعودي أو النظام القطري أو التركي أو الإماراتي أو غيرها، فكلها أدوات للاستعمار وإن اختلفت أدوارها. لذلك لا بد من الوعي على هذه الحقيقة لكي لا تتكرر الأخطاء والمآسي. ثم إن الله عز وجل قد أمرنا بأن لا نركن إلى الظالمين، فهو سبيل الهزيمة ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ﴾. وهل يختلف اثنان على ظلم هذه الأنظمة ومعاداتها للإسلام والمسلمين؟!.
السؤال الثامن: قيل لنا إن أهالي بيت المقدس بالذات ينتظرون اللحظة التي يسقط فيها نظام أسد لأنه في سقوطه تحرير الأقصى، إلى أي مدى هذا الكلام صحيح؟
الجواب: نعم هو كلام صحيح بكل تأكيد، إن أهل الشام منا ونحن منهم، مصابهم مصابنا، فرحتهم فرحتنا. ثم إن لثورة الشام خصوصية أخرى، فهي ثورة أمة وهي محط أنظار أهل بيت المقدس وكل المسلمين ومعقد آمالهم... نعم، نحن على يقين أن نجاح الثورة في الشام سيقود حتماً إلى تحرير كل فلسطين، لأننا ندرك أن نظام الأسد وبقية أنظمة الجوار هي أنظمة قائمة لحماية كيان يهود من الأمة وجيوشها، وإن استعادة الأمة لزمام أمرها سيقود حتماً لتحركها لتحرير مسرى نبيها وعسى أن يكون ذلك قريباً.
السؤال التاسع: نحن نرى فشل أمريكا في أسلوب المفاوضات في ثورة الشام... فهل يمكن أن نرى مشروع ضفة جديدة وغزة جديدة؟ أي هل من الممكن أن ترضى أمريكا من الغنيمة بالإياب، فتقبل بالمحافظة على الوضع الراهن؟
الجواب: هدف أمريكا الأول في الشام أن تئد ثورتها، وأن تحول دون نجاحها وتحررها، وأن تحافظ على نفوذها الاستعماري. أمريكا، أخي الكريم، دولة براغماتية تغير من الخطط والأساليب بما يضمن تحقيق أهدافها، فهي الآن تقتل وتدمر للمحافظة على النظام العميل لها، ويمكن لها أن تنتهج أية خطة أخرى لتحقيق مخططاتها الشريرة؛ غير أننا لا ننظر إلى ما تريد أمريكا، بل عيوننا ترنو إلى المخلصين من ثوار الشام، ليردوا كيد أمريكا إلى نحرها ويبطلوا مشاريعها، فلا يبقى الواقع الراهن كما هو ولا تعود أمريكا بالإياب ولا تحقق أمريكا أية إنجازات، بل يقام للمسلمين خلافة على منهاج النبوة، فتطرد أمريكا من بلاد المسلمين وتقلع نفوذها من الشام والمنطقة بأسرها، بل وتلاحقها إلى عقر دارها بإذن الله.
السؤال العاشر: كيف ينظر أهالي فلسطين عموماً إلى ثورة الشام وخاصة أهالي بيت المقدس؟
الجواب: أخي الكريم... أنا لا أبالغ عندما أقول إن ثورة الشام هي محط أنظار أهل فلسطين ومعقد آمالهم - كما هم بقية المسلمين - وإن أهل فلسطين يتابعون مجريات الثورة في الشام أكثر من أخبارهم المحلية فهذه الثورة هي بحق ثورة أمة، رغم أن الذي يدفع فاتورتها هم أهل الشام الأخيار. أهل بيت المقدس يتضرعون إلى الله صباح مساء بالدعاء لأهلنا في الشام ولأهلنا في حلب أن ينصرهم الله نصراً عزيزاً مؤزراً، ودروسهم ووقفاتهم في الأقصى نصرة للشام وتضامناً مع أهلها لم تنقطع.
السؤال الأخير: ثورة الشام لم يمض عليها أكثر من ست سنوات وقضية فلسطين مضى عليها أكثر من ستين سنة فما هي العبر والنصائح التي تقدمها لثوار الشام حتى لا يغوصوا فيما غاص فيه أسلافهم من حفر ومستنقعات؟
الجواب: نعم... بارك الله فيك أخي الكريم
نصيحتي لأهل الشام وثوارها، أن اعتصموا بحبل الله، وأنتم أهل لذلك. لا تظنوا الخلاص في جنيف ولا في واشنطن ولا في موسكو، خلاصكم بتمسككم بدينكم، ونصركم من عند الله وحده وليس من عند أحدٍ سواه. لا تلتفتوا إلى المرتمين في أحضان المستعمرين؛ إلى الائتلاف وأمثاله صنو منظمة التحرير. لا تقبلوا بالحلول الاستعمارية ولا المفاوضات التفريطية. نجاح ثورتكم بتمسككم بثوابت هذه الثورة من إسقاط النظام بكل رموزه، وقطع أيدي التدخل الخارجي الاستعماري العابثة، وإقامة الخلافة على منهاج النبوة؛ بذلك وحده تفلحوا؛ وبغير ذلك يمكن لمعاناتكم لا سمح الله أن تستمر سنين أخرى، وتضيع تضحياتكم وتكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا! والله أسأل أن يحفظكم ويرعاكم ويثبتكم، وأن يجمعنا وإياكم في المسجد الأقصى المبارك وقد سقط نظام الأسد وسارت جيوش التحرير من دمشق صوب الأقصى لتطهره من رجس المحتلين، فتصافحكم قلوبنا قبل أيدينا، ونردد سوياً قول الله سبحانه: ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
وبارك الله فيكم.
المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/articles/39988