press

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

1

 

(الوعي العدد الخاص 438-439-440) في 19/02/2023م، صرحت نائبة الرئيس الأمريكي، كامالا هاريس، أن الولايات المتحدة "قررت رسميا" أن روسيا ارتكبت جرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا.

وفي 16/03/2023م، أفاد تقرير صادر عن لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن أوكرانيا بأن روسيا "ارتكبت مجموعة واسعة من الانتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي" في أوكرانيا. وذكر التقرير أن "جرائم الحرب" التي ارتكبها الروس تشمل "الهجمات على المدنيين والبنية التحتيَّة المتعلِّقة بالطاقة، والقتل العمد، والحبس غير القانوني، والتعذيب، والاغتصاب، وغير ذلك من أشكال العنف الجنسي، فضلاً عن عمليات النقل والترحيل غير القانونية للأطفال". ومن جانب آخر، وكما هي العادة، وحتى يظهر التقرير أنه محايد، وثَّق التقرير أيضاً عدداً صغيراً من الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الأوكرانية.

وفي 17/03/2023م، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لـ"مسؤوليته في جرائم حرب" ارتكبت في أوكرانيا، وجاء في المذكرة: "يفترض أنه مسؤول عن جريمة الحرب المتمثلة في الترحيل غير القانوني لسكان (أطفال) والنقل غير القانوني لسكان (أطفال) من المناطق المحتلة في أوكرانيا إلى الاتحاد الروسي". وأضافت أن هناك "أسباباً معقولة للاعتقاد بأن السيد بوتين مسؤول شخصيّاً عن الجرائم المذكورة أعلاه".

وتفاعلاً مع القرار، وصفت الخارجية الروسية الجمعة خطوة المحكمة الجنائية الدولية بأنها "عديمة الأهمية" و"باطلة قانونيّاً". وقالت المتحدثة باسم الوزارة ماريا زاخاروفا عبر تلغرام إن "قرارات المحكمة الجنائية الدولية عديمة الأهمية بالنسبة لبلدنا" وتابعت أن "روسيا ليست طرفاً في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وليست عليها التزامات بموجبه"، موضحة أن موسكو "لا تتعاون" مع المحكمة.

أما في الجانب الأوكراني، فقد قال أندريه يرماك، كبير موظفي الرئاسة، إن إصدار المذكرة "مجرد البداية".

الراية: إن هذه المجموعة من الأخبار المتصلة، تؤكد حقيقة باتت واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، وهي أن منظمة الأمم المتحدة أداة بيد الدول الاستعمارية الكبرى وخاصة أمريكا الصليبية، وأنها شاهد زور. ومن ذلك أن كل ما اتهمت روسيا بفعله في أوكرانيا واعتبرته جرائم، فعلت روسيا نفسها مثله من قبل في سوريا، وما زالت تفعله، فلماذا لم تتحرك لما اقترفته روسيا في سوريا ولم تتهمها به؟! أليس هو النفاق الغربي الذي يحتاج العالم كله للتخلص منه؛ ذلك أنه يؤدي للحروب والمآسي والصراعات الدولية؟ إن العالم اليوم بحاجة ماسة للإسلام ليخرجه من ظلمات الرأسمالية إلى نور الإسلام وهدايته.

 

 

المصدر: https://tinyurl.com/muv6adxz

photo 2023 05 02 10 44 19

 

 

خرجت مظاهرات ثورة الشام من المساجد، تصدح بشعار "مالنا غيرك يا الله" و "هي لله هي لله"، فنصر الله سبحانه عباده من أهل الشام وكادوا أن يسقطوا النظام في عقر داره، حتى أتت الدول المسماة "صديقة للشعب السوري" وانساق معهم كثير من الناس والفعاليات الثورية، فماذا كانت النتيجة؟!
خسرنا معظم ما حررناه من مناطق وحصرنا في هذه البقعة الضيقة، وها هي الدول المسماة صديقة تكشف عن وجهها الحقيقي في سعيها المحموم نحو التطبيع وإعادة العلاقات مع النظام المجرم في دمشق بعد أن كانت تتظاهر زورا وكذبا وخداعا بأنهم مع أهل الشام في مناصرتهم لإسقاط النظام المجرم!
وبعد كل ما رأيناه ولمسناه، هل نستكين ونبقى صامتين في طريق التطبيع مع سفاح العصر؟!
أم نرجع لنكون كما يرضى الله، فنقوم بالخطوات التي ترضيه لإسقاط الطغاة وتتويج التضحيات، فينصرنا على حلف المجرمين إن نصرناه سبحانه بحق وتوكلنا عليه وحده حق التوكل؟!

===
للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
أحمد أبو بديع

 

343729670 3514941692071448 9192262396685601626 n

تصدر بين الفينة والأخرى تصريحات استهلاكية ممن توسدوا أمر المحرَّر بدعم خارجي وإقليمي موجَّه، فاغتصبوا سلطان الأمة وتسلطوا على رقاب أبنائها. تصريحات أقل ما يقال عنها إنها تخديرية عامة تزعم "العمل لبناء المحرر وتحرير دمشق"، في الوقت الذي تخالف فيه أفعالهم أقوالهم، لدرجة أن كثيراً من أبناء الأمة باتوا يعتبرونهم عقبة أساسية أمام تحرك الصادقين لإسقاط النظام المجرم.

وحق لأهل "المحرر" المكبل أن يتساءلوا ها هنا: هل تتم عملية تحرير دمشق عبر تجميد الجبهات المستمر منذ سنوات بأوامر خارجية؟! وما هو سر الإصرار العجيب من هؤلاء على وصف النظام التركي المتآمر على ثورتنا بأنه حليف استراتيجي، رغم إصراره على المجاهرة بكل صفاقة وفجور بدعوة أهل الثورة للتصالح مع نظام الطاغية أسد بعد تضحيات أكثر من مليون شهيد؟!

أليس الأَولى من ذلك هو التبرؤ الكامل من النظام العلماني التركي كقيادة سياسية أرهقت ثورتنا، وهو المسيَّر بتوجيهات أمريكية مباشرة، فصادر القرار وعمل على محاربة أحرار الثوار وألجم بنادق من ارتبطوا به من القادة بعد أن أسكرهم المال السياسي القذر الذي قال كلمته وفعل فعلته، وعمل على احتواء وتحييد كل طرف من شأنه أن يشكل تهديدا مباشراً أو غير مباشر ضد نظام الطاغية أسد؟!

ثم أليس الأَولى قطع العلاقات مع الدول الداعمة ومن يزعمون نفاقاً صداقة الشعب السوري المهرولين بخسّة للتطبيع مع نظام الإجرام، كقطر والسعودية، وتركيا؟! والذين كان دورهم أخطر بكثير ممن جاهر ثورة الشام وأهلها بالعداء، فهم الذين تلطّوا خلف مسمى "أصدقاء الشعب السوري" لطعن الثورة واحتوائها وتجريدها من مكامن قوتها وتحييد الأعصاب والمفاصل المؤثرة فيها، فما زادت أموالهم المسمومة ثورتنا إلا رهقاً، وها قد حان وقت نزع القناع بالنسبة لهم ليصبح لعبهم على المكشوف في تنفيذ أوامر أمريكا في العمل لتثبيت نظام سفاح الشام ووأد ثورةٍ هي أعظم من مكرهم ومن إجرامهم.

وإضافة إلى ما سبق، هل يكون تحرير دمشق، كما يزعمون، باعتقال أحرار الأمة الذين أعلنوا رفضهم لجريمة التصالح المخزي مع سفاح الشام وطالبوا بفتح الجبهات، ومنهم الثائر الحر علي دلو ابن بلدة حربنوش المعتقل عند مخابرات هيئة تحرير الشام منذ شهور طويلة، وكذلك محمد حميدان الطالب في كلية الطب في إدلب وعبادة بيطار والمهندس أسامة اليوسف، وأبو عبد الحميد سرمين وأبو الوفا عرب سعيد، وغيرهم الكثير؟!

وهل يتطلب تحرير دمشق فصل بعض طلاب جامعة إدلب تعسفياً، لمواقفهم السياسية المبدئية الرافضة لأي حلول تصالحية استسلامية مع نظام الإجرام في الشام؟!

وهل يكون تحرير دمشق بالتضييق الممنهج على الناس في المحرر وفرض الضرائب والمكوس عليهم ليخضعوا لما يملى عليهم من حلول استسلامية تحت مسميات سياسية؟!

لقد كشفت سنيّ الثورة المتلاحقة معادن الرجال والحركات والمشاريع، وأظهرت بجلاء ووضوح من هو في صف الأمة يريد تحررها ونهضتها وعزتها وإقامة دولتها، ومن هو في صف أعدائها، وقامت بتعرية كل المشاريع والأطروحات العلمانية الرخيصة المرتبطة التي ترضي أعداء الإسلام وتتقوّى بهم، حتى وإن تستر بعضها مكراً بعباءة الإسلام. وأسقطت من اتخذ الإسلام مطيةً لا لنصرته وإيصاله للحكم، إنما للوصول به وتسخيره لتحقيق مآرب وأجندات مشبوهة عبر شعارات فضفاضة عامة خاوية تفتقد أي تصور تنفيذي عملي على الأرض، علاوة على مخالفتها للطريقة الشرعية لإقامة حكم الإسلام على أنقاض أنظمة الحكم الجبري المترنح. حتى بات الصراع اليوم واضحاً جليّاً بين مشروعين لا ثالث لهما؛ مشروع دولة تسلطية تحت مسمى الدولة المدنية الديمقراطية التي تقصي الدين عن الحياة والدولة والمجتمع، تشقي الناس وتسخط رب العباد، وبين مشروع الإسلام العظيم ودولته، مشروع الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة بإذن الله، والذي يحمل رايته حزب التحرير الذي يقدم مشروعاً مفصلاً لبلوغ المراد، ويستنهض همم صادقي الأمة لرص الصفوف وحشد كل الطاقات والإمكانات لجعل هذا المشروع واقعاً عملياً مطبقاً على الأرض عبر كيان ودولة، ففي ذلك وحده النجاح والفلاح، وبفضل الله فإن وعي الأمة في ازدياد واضح وملحوظ على المشروع الذي يحقق لها العزة والكرامة وتحكيم الإسلام، وآن أوان انحيازهم التام له ولحملته لنصرته والانتصار به.

وختاماً، وحتى تؤتي الثورة أكلها ويقطف الصادقون ثمرتها، لا بد من العمل على تصحيح مسارها وتوسيد الأمر لأهله في قيادتها من أهل القدرة والكفاية والمبدئية، ومن أولى الخطوات العملية الجادة لإنجاز ذلك قطع العلاقات مع أنظمة الضرار وأجهزة مخابراتها، وعدم ربط الحل بنظام دولي متآمر أو أمم متحدة حاقدة على الإسلام وأهل الشام وثورتهم. فكلهم لنا أعداء فضح الله لنا مكنون صدورهم. وإن ربط قضيتنا ومصيرنا ورقبة ثورتنا بغير أنفسنا، بأي جهة من هذه الجهات المتآمرة، هو خطر داهم بل هو انتحار سياسي بكل ما للكلمة من معنى. ولا أدل على ذلك من استماتتهم لفرض الحل السياسي الأمريكي الذي يثبت أركان نظام الكفر والجور، بدستوره العلماني ومؤسساته وأجهزته القمعية الأمنية منها والعسكرية، ويعيد الناس إلى نير العبودية ومملكة الخوف والرعب من جديد وتأديبهم لخروجهم على عميل أمريكا المدلل.

وإن العمل لاستعادة السلطان وقرار الثورة من مغتصبيه، ضمن عمل جماعي جاد وهادف ومنظم، هو بحق أولى خطوات تحرير دمشق، مع رص الصفوف وتوحيد الجهود خلف قيادة سياسية واعية ومخلصة تحمل مشروع خلاص الأمة المفصل والمنبثق من عقيدة المسلمين، ترسم للثائرين الصادقين خارطة طريق مفصلة واضحة المعالم لإسقاط النظام المجرم في عقر داره وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه في ظل خلافة راشدة ثانية على منهاج النبوة تعز الإسلام وأهله وتتوج تضحيات أهل الشام بما يشفي الله به صدورهم وصدور المسلمين. نسأل الله أن يكون ذلك قريباً.

كتبه: 

 عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا

 

المصدر: https://tinyurl.com/4ahexmkx

 

 

كانت العرب تلقّب الروم بـ«ذات القرون»، ففي كتب السيرة أنّ أبا سفيان وصف طاعة الصحابة لرسول الله عليه الصلاة والسلام: «ما رأيت كاليوم طاعة، قوم جمعهم من ههنا وههنا، ولا فارس الأكارم، ولا الروم ذات القرون بأطوع منهم له[1]».

وقيل لهم ذاتُ القُرُون لتوارثهم الملك قَرْنًا بعد قَرْنٍ، وقيل سُمُّوا بذلك لقُرُونِ شُعُورهم وتوفيرهم إياها[2].

وقد جاء حديث مرسل رواته ثقات يصف العلاقة بين الدولة الإسلامية والروم: «فَارِسُ نَطْحَةٌ أَوْ نَطْحَتَانِ ثُمَّ لَا فَارِسَ بَعْدَهَا أَبَدًا، وَالرُّومُ ذَاتُ الْقُرُونِ أَصْحَابُ بَحْرٍ وَصَخْرٍ، كُلَّمَا ذَهَبَ قَرْنٌ خَلَفَ قَرْنٌ مَكَانَهُ»[3].

ومن تتبَّع تاريخ دولة الخلافة وفتوحاتها في مشارق الأرض ومغاربها، وتتبَّع سياستها الخارجية أيضًا، وحروبها، يجد أنّ عامة الدول التي حاربتها سقطت وذهبت إلى غير رجعة، بينما كانت بلاد الروم ذات قرون، فكلما قطعت دولة الخلافة قرنًا من قرونها، نبت قرن لهم في مكان آخر. فبلاد الشام كانت قرنًا عظيمًا من قرونهم، حتى إنّ الشاعر الجاهلي المرقش ذكرها بذلك: «لاتَ هَنَّا وليْتَني طَرَفَ الزُّج وأَهلي بالشأْم ذاتُ القُرونِ[4]. أَراد الروم وكانوا ينزلون الشام.

ودولة الخلافة الراشدة قطعت قرون الروم في بلاد الشام ومصر، ثم جاءت الخلافة الأموية فقطعت قرون الروم في أفريقيا والأندلس، وقسمًا كبيرًا من جزر البحر المتوسط، وحاولت مرات عدة قطع القرن الأكبر للروم في القسطنطينية، ولكنّ هذه المحاولات لم تفلح.

ثم جاءت الخلافة العباسية فكانت الحروب بينها وبين الروم حروب مناوشات، وليست حروب فتوحات، ومع هذا فقد قطعت العديد من قرون الروم النابتة، ولعل أشهر تلك المعارك هي معركة فتح عمورية أمنع حصون الروم ومسقط رأس إمبراطورهم، وتخريبها، حتى إنها لم تسكن بعد ذلك، ثم معركة ملاذ كرد وأسر إمبراطور الروم نفسه.

فهذه المعارك قطعت الكثير من قرون الروم، ولكنها لم تستأصلهم، ثم نبتت قرونهم من جديد، فأعلنوها حربًا صليبية، وجاؤوا إلى بلاد المسلمين، واحتلوا قسمًا منها، فيسّر الله للمسلمين قطع قرونهم وطردهم من بلاد المسلمين.

وبعدها تمكّن المسلمون من قطع قرن الروم الأكبر في القسطنطينية؛ حيث فتحها العثمانيون، ودخلوا إلى قلب أوروبا ووصلوا إلى أسوار فينَّا.

وهنا نبتت للروم قرون أخرى هي أخبث من كل القرون السابقة، نبتت لهم قرون سياسية وفكرية، فقد ظهرت للوجود في أوروبا المسألة الشرقية، وكان معناها حينئذٍ اتقاء الخطر من زحف العثمانيين بقيادة محمد الفاتح في القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي، ومَنْ خَلَفَهُ من السلاطين، ذلك الزحف الذي استمر إلى أواخر القرن الحادي عشر الهجري، على يد سليمان القانوني، وتركَّز تركُّزًا قويًّا حتى أواسط القرن الثاني عشر الهجري/الثامن عشر الميلادي.

ثمّ، ونتيجة للضعف الفكري في الخلافة العثمانية، وتنامي القوى المادية لأوروبا والتقدم العلمي رجحت كفة أوروبا على كفة الخلافة العثمانية في الموقف الدولي رجحانًا عظيمًا، فتغيَّر مفهوم المسألة الشرقية، فلم تعدْ مسألة اتِّقاء الأخطار الإسلامية على أوروبا، وإنما صارت مسألة الإبقاء على الدولة العثمانية أو تقسيمها؛ حيث اختلفت عليها الدول تبعًا لاختلافها في المصلحة، وكان هذا الانقلاب في مفهوم المسألة الشرقية وما طرأ على أحوال أوروبا من الارتفاع الفكري، والتقدم العلمي، والثورة الصناعية، وما طرأ على الخلافة العثمانية من الضعف والتفكك؛ كل ذلك أدَّى إلى هذا الانقلاب السياسي بين الدولة الإسلامية ودول الكفر، فرجحت كفة الأوروبيين وخفت كفة المسلمين.

وكان العداء المتأصِّل في نفوس الأوروبيين للإسلام والمسلمين هو الذي حمل جميع النصارى في أوروبا أن يبعثوا الحركات التبشيرية في بلاد الإسلام، باسم المدارس والمستشفيات والجمعيات والنوادي، وأن يبذلوا في سبيل ذلك الأموال الطائلة والجهود الضخمة، وأن يتفقوا على هذه الخطة رغم اختلاف مصالحهم وتباين سياستهم، وأن يُجمع على ذلك جميعهم دولًا وشعوبًا، وأن يجعلوه من أعمال قناصلهم وسفاراتهم، كما هو من أعمال الموفدين والمبشرين[5].

وبمعنى آخر صار شكل الصراع مع الروم مختلفًا؛ حيث لم يعد عسكريًّا فقط، بل صار صراعًا فكريًّا وسياسيًّا وعسكريًّا؛ وكانت نتيجة هذا الغزو الفكري والثقافي أن دخلت مفاهيم الحضارة الغربية في عقول المسلمين، وتبنَّاها كثير من أبنائهم، إضافة إلى الفكر القومي والوطني، فضعف فهمهم للحضارة الإسلامية؛ ما مهّد للسقوط السياسي؛ حيث قامت قرون الروم في إنجلترا بالاتفاق مع عميلها مصطفى كمال بإلغاء الخلافة، فضاع عزُّ المسلمين وزالت هيبتهم وغاب الخليفة الذي وصفه النبي عليه الصلاة والسلام بأنّه «جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ»[6]،

هتَكوا بِأَيديهِم مُلاءَةَ فَخرِهِم

 مَوشِيَّةً بِمَواهِبِ الفَتّاحِ

نَزَعوا عَنِ الأَعناقِ خَيرَ قِلادَةٍ

 وَنَضَوا عَنِ الأَعطافِ خَيرَ وِشاحِ

ثم وبعد أقل من ربع قرن منَّ الله تعالى على المسلمين بإحياء فكرة إقامة الخلافة من جديد، فأنشأ الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله تعالى حزب التحرير لأجل استئناف الحياة الإسلامية وإقامة دولة الخلافة، وتحرير بلاد المسلمين من دول التبعية الفكرية والسياسية والحضارية والاقتصادية، وإعادة زمام المبادرة لهذه الأمة.

وقد أدركت قرون الروم متمثلة بالدول الغربية عامة وأمريكا خاصة، أنّ الخلافة على الأبواب، وأنّها ستقوم في أي لحظة غير متوقَّعة، فقامت بخطوات كثيرة استباقية لتأخير إقامتها، رغم إدراكها أنّها قائمة لا محالة.

وقد مرَّت الأمة الإسلامية بحالة مشابهة مع قرون الروم هذه، ولكن الفرق بين تلك الحالة وواقعنا اليوم، أنّ تلك الحالة كانت في ظل الدولة الإسلامية، بينما نحن اليوم بلا دولة تحكم بالإسلام.

فقد أخرج البخاري حديثًا طويلًا عن لقاء أبي سفيان بهرقل ملك الروم، في فترة صلح الحديبية، والحديث طويل جدًا؛ ولكننا سنأخذ منه الفكرة التي نحن بصددها، وهي (أَنَّ هِرَقْلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ: قَدْ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ. قَالَ ابْنُ النَّاظُورِ: وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النُّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النُّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ، فَمَنْ يَخْتَتِنُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ؟

فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتِنٌ هُوَ أَمْ لَا؟ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتِنٌ، وَسَأَلَهُ عَنْ الْعَرَبِ فَقَالَ: هُمْ يَخْتَتِنُونَ. فَقَالَ هِرَقْلُ: هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ…

… ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَةَ وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي الْعِلْمِ وَسَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ، فَلَمْ يَرِمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّهُ نَبِيٌّ…) انتهى.

فهرقل ملك الروم رجل سياسي، استقرأ الواقع الدولي بما لديه من علوم تاريخية، وبما يملك من معلومات سابقة وردت في كتبهم، خلاصتها أن المستقبل سيكون للإسلام؛ والذي يؤكد ذلك موافقة صاحب هرقل الذي في روما لهرقل في مقالته؛ فقد قال هرقل موضِّحًا رؤيته السياسية في أن المستقبل للإسلام (مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ) وقال: (هَذَا مُلْكُ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ)…

والتاريخ يعيد نفسه اليوم، فهذه أمريكا والدول الغربية، استقرأت الواقع الدولي الحالي، ولديها قراءة سياسية عنه، ولديها قراءة تاريخية عن سير الأمة الإسلامية في التاريخ، وعن حضارة هذه الأمة، وعن حيويَّتها وعن الإسلام نفسه.

فكما قرأ هرقل من ألف وأربعمئة عام الواقع الدولي، فأدرك أن المستقبل للإسلام، وأن المسلمين لا محالة سيحكمون بلاد الشام وبقية مناطق نفوذ الروم في المنطقة، كذلك قرأت أمريكا والدول الغربية الواقع الدولي اليوم؛ ووصلت إلى النتيجة نفسها؛ أن المستقبل للإسلام، وللدولة الإسلامية؛ ولو قرأتَ تحليلات السياسيين الغربيين لرأيتَهم جميعهم يتخوَّفون من عودة الخلافة إلى الوجود. والتاريخ يعيد نفسه كما قلنا؛ ذلك أن هرقل منذ ألف وأربعمئة عام قام بأعمال عسكرية وسياسية لتأخير دخول الإسلام والمسلمين إلى بلاد الشام، رغم يقينه أن الإسلام والمسلمين سوف يدخلان لا محالة؛ ولكنه يريد تأخير هذا الدخول قدر الإمكان.

واليوم التاريخ يعيد نفسه من جديد.

فهذه قرون الروم، أمريكا خاصة والدول الغربية عامة، تقوم جميعها بأعمال عسكرية وبأعمال سياسية لتأخير قيام الخلافة، ولتأخير عودة الإسلام سيِّدًا للعالم، رغم إدراكها يقينًا أنه هو البديل الحضاري الوحيد للحضارة الرأسمالية العفنة، ورغم يقينها أن الخلافة لا محالة ستدكّ جيوشها عروش الغرب وستطرد يهود من فلسطين.

نعم تدرك هذه الدول لا محالة أن الخلافة سترث الأرض، وستصبح الدولة الأولى عالميًا في سنوات معدودة فقط، ولذلك هي تعمل على تأخير هذا الأمر قدر المستطاع.

ولعلّ قائلًا يتوهم استحالة ذلك، فساسة أمريكا من أبناء الروم ذات القرون، وأمريكا تهيمن على العالم باقتصادها وسياستها وقوتها الجبارة التي تخاف منها كل دول العالم الكبرى، فنقول لهؤلاء اليائسين من روح الله والقانطين من رحمة الله، نقول لهم ونذكرهم بحديث النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أَبْشِرُوا، فَوَاللَّهِ لَأَنَا لِكَثْرَةِ الشَّيْءِ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ مِنْ قِلَّتِهِ، وَاللَّهِ لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِيكُمْ حَتَّى يُفْتَحَ لَكُمْ جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ الْمِائَةَ فَيَسْخَطُهَا»، قيل: وَمَتَى نَسْتَطِيعُ الشَّامَ مَعَ الرُّومِ ذَاتِ الْقُرُونِ؟ فقال: «لَيَفْتَحُهَا لَكُمْ، وَيَسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا حَتَّى تَظَلَّ الْعِصَابَةُ مِنْهَا الْبِيضَ قُمُصُهُمْ، الْمُحَلَّقَةُ أَقْفَاؤُهُمْ، قِيَامًا عَلَى الرُّوَيْجِلِ الْأُسَيْوِدِ مِنْكُمْ، مَا أَمَرَهُمْ بِشَيْءٍ فَعَلُوهُ»[7].

وقد تحقق هذا سابقًا، رغم وجود الروم ذات القرون، في ظل دولة الخلافة الإسلامية، تحقق كلام النبي عليه الصلاة والسلام. فعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ، قال: فَعَرَفَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَعْتَ هَذَا الْحَدِيثِ، فِي جُزْءِ بْنِ سُهَيْلٍ السَّلَمِيِّ، وَكَانَ قَدْ وَلِيَ الأَعَاجِمَ، وَكَانَ أُوَيْدِمًا قَصِيرًا، وَكَانُوا يَرَوْنَ تِلْكَ الأَعَاجِمَ حَوْلَهُ قِيَامًا، لا يَأْمُرْهُمْ بِشَيْءٍ إِلا فَعَلُوهُ، فَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ[8].

فالذي بشّر وتحققت بشارته بأن يكون المسلمون سادة، رغم وجود الروم ذات القرون، هو نفسه الذي بشّر بإقامة الخلافة الإسلامية من جديد، فقال: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ»[9].

فليت أصحاب القوة والمنعة يتسابقون لنصرة مشروع دولة الخلافة، فينالوا شرف تحقيق بشرى النبي عليه الصلاة والسلام بإقامتها، كما حاول القادة من قبل نيل شرف بشرى فتح القسطنطينية، (وَفِي ذَٰلِكَ فَلۡيَتَنَافَسِ ٱلۡمُتَنَٰفِسُونَ).

وسنرى بإذنه تعالى بعد إقامة الخلافة، سنرى الخلفاء وأمراء الجهاد يتسابقون لنيل بشرى النبي عليه الصلاة والسلام بفتح روما، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب ما قال، فسئل أي المدينتين تفتح أولًا: القسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلًا»، يعني القسطنطينية[10].

 ومن ثم سنرى فتوحات دولة الخلافة في بقية العالم، وسنرى كيف تقوم دولة الخلافة بكسر الهيمنة الأمريكية سياسيًّا واقتصاديًّا وفكريًّا وعسكريًّا، بل وتغزوها في عقر دارها، وبإذنه تعالى سنرى جيوش المسلمين تفتح البيت الأبيض، كما فتحوا البيت البيض بيت كسرى. فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: «عُصَيْبَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَفْتَتِحُونَ الْبَيْتَ الْأَبْيَضَ بَيْتَ كِسْرَى أَوْ آلِ كِسْرَى»[11].

ونختم بما رواه تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَبْلَغَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ، أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، يَعِزُّ بِعِزِّ اللَّهِ فِي الْإِسْلَامِ، وَيَذِلُّ بِهِ فِي الْكُفْرِ»[12].

معاوية عبد الوهاب

[1]سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد (5/ 217)

[2]لسان العرب (13/ 331)

[3]مصنف ابن أبي شيبة (4/ 206)

[4]معجم البلدان (3/ 133)

[5]الدولة الإسلامية (ص: 202)

[6]صحيح البخاري (3/ 1080)

[7]رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (6/ 222)

[8]الآحاد والمثاني لأبي بكر الشيباني(4/ 137)

[9]مسند أحمد (30/ 355)

[10]المستدرك للحاكم (4/ 598) وقال الذهبي صحيح

[11]صحيح مسلم (6/ 4)

[12]المستدرك للحاكم (4/ 477) وقال الذهبي على شرط البخاري ومسلم

----------

المصدر: https://www.al-waie.org/archives/article/18761

342976643 773654991003463 8288358866204134372 n

 

(مجلة الوعي العدد الخاص 438-439-440) نشرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية تقريراً سلطت من خلاله الضوء على الفشل الذريع للأمم المتحدة في شمال سوريا بعد الزلزال المدمِّر الذي حدث الشهر الماضي، وهو ما يفضح علاقاتها المتشابكة مع نظام دمشق ويؤكد كيف يستخدم النظام المساعدات الإنسانية لخدمة مصالحه، ومن ذلك تعيين ابنة رئيس المخابرات السورية في مكتب الصندوق المركزي للاستجابة لحالات الطوارئ التابع للأمم المتحدة في دمشق. (وفقاً لخبراء الإغاثة فإن الوثائق التي تم تسريبها في سنة 2016م أظهرت أن الأمم المتحدة وظَّفت في السابق أقارب لمسؤولين رفيعي المستوى في النظام). وتحدَّثت الصحيفة عن بطء وصول المساعدة الدولية إلى مناطق المعارضة الفقيرة في سوريا بعد الزلزال. وذكرت الصحيفة أن الأمم المتحدة دفعت ملايين الدولارات (81.6 مليون دولار منذ سنة 2014م) لموظفيها للإقامة في فندق فور سيزونز الذي يقع في دمشق، المملوك في الأغلب لرجل الأعمال سامر الفوز الذي فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات في سنة 2019م بسبب علاقاته المالية مع الأسد. ولفتت الصحيفة إلى أن النظام يمتصُّ ملايين الدولارات من المساعدات الإنسانية من خلال إجبار وكالات المعونة الدولية على استخدام سعر صرف رسمي غير مناسب. وهذا ما يساعد في دعم الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي.. ولفتت إلى أن مجموعات الإغاثة استجابت على مر السنين لمطالب النظام وضغطه المسلط عليها خوفاً من فقدان الوصول إلى المناطق المتضررة ومن أجل استمرار تدفق المساعدات الإنسانية. ونقلت الصحيفة عن مصادر سورية وعمال إغاثة وخبراء قولهم إن "هيئات الأمم المتحدة وجماعات الإغاثة مطالبة بالشراكة مع الوكالات التابعة للنظام مثل الهلال الأحمر العربي السوري الذي يعتبر الشريك الرئيسي للأمم المتحدة في سوريا؛ لكن ينبغي أن تحظى جهوده، مثل جميع برامج المساعدة في سوريا، بموافقة لجنة حكومية مع مداخلات من مختلف الوزارات وفروع المخابرات، ناهيك عن موافقة إضافية من جهاز أمن الدولة، وهو ما يبين أن النظام يلعب دوراً كبيراً في توجيه جهود المساعدة". وأكدت الصحيفة على أنه خلال 12 سنة من الصراع؛ وُزعت مليارات الدولارات من المساعدات عبر منظمات مثل الأمم المتحدة. ولفتت الصحيفة إلى أن سيطرة النظام على قطاع المساعدات كانت بمثابة "سر مكشوف". واختتمت الصحيفة التقرير، بما قالته إيما بيلز، الزميلة غير المقيمة في معهد الشرق الأوسط، من أنها "تخشى أن تستغل دمشق الأضرار الناجمة عن الزلزال لهدم الممتلكات في المناطق المتنازع عليها ومصادرة أراضي الأشخاص الذين تعتبرهم معارضين".

 

المصدر: https://tinyurl.com/ejnx88e4