- التفاصيل
بعد كل مرحلة مفصلية تمر فيها الثورة السورية لا بدّ لنا من الوقوف هنيهة، كي نقرأ المشهد بموضوعية، ونلقي الضوء على بعض أهم الأحداث، ثم نركّز النظر على مواضع الخطر، ونقدم ما نراه من الحلول الناجعة، علّ الله يهدي المخلصين من أصحاب القرار، فيعودوا بالثورة إلى طريقها الصحيح.
فبعد تجميع كل من رفض مصالحة النظام في الشمال الغربي المحرر، استمرّت عجلة الاقتتال الداخلي في المنطقة بالدوران، وعلى نحو مفاجئ سقطت أمام هيئة تحرير الشام كل من حركة نور الدين الزنكي وحركة أحرار الشام، لتتبع مدن الأتارب وأريحا والمعرة لإدارة ما تسمى بحكومة الإنقاذ في إدلب بدون مقاومة حقيقية، ويُخرَج إلى عفرين قادة وأبرز جنود الحركتين المناوئتين، وتسيطر الهيئة فعلياً على عموم المنطقة، رغم وجود بعض الفصائل الأخرى تركية الهوى إخوانية التوجه كفيلق الشام، أو سلفية المنشأ قاعدية الانتماء كحراس الدين.
ولفهم المشهد جيداً نعود خطوتين إلى الوراء، لنذكر أن نواة هيئة تحرير الشام كان فصيل جبهة النصرة، الذي انشق عن تنظيم دولة العراق الإسلامية وأعلن تبعيته لتنظيم القاعدة، ثم ما لبث أن خلع ثوبه المزركش الذي كان يتباهى به على جميع فصائل الثورة، وترك تنظيم القاعدة نتيجة خضوعه لترغيب المجتمع الدولي بإمكانية الرضا عنه إن هو فعل ذلك، وترهيبه من خطر التصنيف بالإرهاب إن هو استمر بالعمل تحت هذا العنوان المخيف. ثم خطا هذا الفصيل خطوة ثالثة فاجتمع مع فصائل عدة مشكلاً هيئة تحرير الشام، التي اتصلت مع الأتراك، وأخذت على عاتقها إدخالهم إلى الداخل المحرر، بعد أن اتفقوا مع الروس والإيرانيين على الدخول بقواتهم إلى الشمال الغربي، وضمان عدم شن المجاهدين لأي عمل عسكري على النظام، تنفيذاً لاتفاقات أستانة، بضرورة إقامة منطقة خفض تصعيد في هذه المنطقة.
ثم جاء الاقتتال الأخير بين الهيئة والزنكي بعد اتفاق سوتشي - المرفوض شعبياً - بين بوتين وأردوغان، الاتفاق الذي جاء تنفيذاً لإرادة أمريكا بضرورة إنهاء الثورة بصمت، وتسليم المنطقة إلى النظام من دون قتال، من خلال القيام بثلاثة أعمال قاتلة، يكفل كل واحدٍ منها الإجهاز على الثورة بمفرده فكيف بها مجتمعة؟! لقد كانت أهم بنود اتفاق سوتشي هي إقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح بين النظام والثوار، ونزع السلاح الثقيل من أيدي المجاهدين، وفتح طريقي حلب - دمشق وحلب - اللاذقية أمام النظام، مما يبيح المنطقة كاملة وأهلها أمام أي هجوم محتمل للنظام. في هذه الأثناء يأتي الاقتتال الأخير، وتسيطر الهيئة على عموم المنطقة، في ملابسات تُظهر أن تركيا راضية جداً عن هذه السيطرة. فما مؤشرات ذلك؟!
هل تعهدت الهيئة لتركيا بتنفيذ بنود اتفاق سوتشي المشؤوم إن هي سمحت لها بالسيطرة على المنطقة، خصوصاً وأن الفصائل الأخرى كانت أضعف من أن تستطيع فعل ذلك؟! وبالتالي تكون الهيئة قد تعهدت بإنهاء نفسها قبل أن تستطيع إنهاء الثورة، لأنها حينها ستكون في صدام مباشر مع الناس من أهل الثورة، الذين سيواجهونها حينها بكل ما يملكون غير آبهين بالنتائج، ولن يسمحوا لها بتسليمهم وتسليم ثورتهم وتضحياتهم إلى النظام لقمة سائغة.. هل تعهدت الهيئة بذلك؟! أم أن تركيا ومن ورائها أمريكا استدرجوا الهيئة إلى السيطرة على المنطقة، مع علمهم بطبيعة تركيبتها الفكرية، وتوقعهم أنها إذا سيطرت فستسيء بطبيعتها إلى الناس، وما إرهاقها الناس بالرسوم والضرائب والمكوس، إلا مؤشر خطير يشير إلى سوء الأوضاع المعيشية التي سيعانيها الناس تحت حكم الهيئة مستقبلاً؟! ومن ثم تأتي تركيا بأزلامها الآخرين الذين أخرجتهم بالأمس إلى عفرين، وتزيل بهم سيطرة الهيئة، بعد أن تفقد الأخيرة كل مناصر لها من الناس، ولا يبقى حولها إلا المنتفعون، ثم لا تجد بعد زوالها من يترحّم عليها. وينتهي المشهد بقرار من الأمم المتحدة بخروج تركيا فتخرج، ويدخل النظام على شعب تم إنهاكه وقتل روح الثورة لديه.
شخصياً فإنني أرجح، بل وأكاد أجزم بالاحتمال الثاني، وأظن أن سيطرة الهيئة على المنطقة كانت باستدراج لها من تركيا، ومن ورائها أمريكا. وكي لا نسمح لأعداء الثورة بإكمال مخططهم المرسوم، وضرب الثورة في مقتل، فإنني أتوجه من هذا المنبر الطاهر إلى قادة هيئة تحرير الشام قائلاً: ألغوا مهزلة إدلب، وأعيدوا السلطان إلى الناس الذين أنتم بدونهم لا شيء، فمن تغلّب على أهله لن يرأف به أهله حينما يتغلب عليه من الخارج متغلب، ويعود كالمُنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. واعلموا أن الدول لا تنظر إليكم كأنداد وشركاء، بل لا تنظر إليكم إلا كأتباع ومستخدَمين. وأن السياسة هي بحر لا تجيدون أنتم الخوض فيه، فوسّدوا الأمر إلى أهله، كي لا تَغرقوا وتُغرقوا من معكم. واعلموا أن شرعة المصلحة والمفسدة ليست من الإسلام في شيء، بل هي المهلكة والمقتلة. واذكروا الهدف الذي وجدتم من أجله، ألا وهو إسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام، وأنكم إن رضيتم بما قسموه لكم اليوم ضنّوا به عليكم غداً، ولكم فيمن كان قبلكم عبرة، فانظروا واعتبروا، إني لكم من الناصحين.
بقلم: الأستاذ عبد الحميد عبد الحميد
جريدة الراية: https://bit.ly/2WaS2Xi
- التفاصيل
نشر موقع (بي بي سي العربية، الأحد، 9 ربيع الآخر 1440هـ، 16/12/2018م) خبرا جاء فيه: "كشف وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، عن استعداد تركيا للنظر في العمل مع الرئيس السوري بشار الأسد، إذا فاز في انتخابات ديمقراطية.
وقال تشاووش أوغلو، في تصريحات الأحد خلال حضوره منتدى الدوحة، "في حال جرت انتخابات ديمقراطية ونزيهة في سوريا وفاز بها بشار الأسد، فإنه قد يكون على الجميع النظر في العمل معه".
وطالما اعتبرت تركيا الأسد رئيسا غير شرعي خلال السنوات الماضية، ودعمت المعارضة السورية المسلحة لإسقاط حكمه منذ اندلاع الحرب الأهلية في البلاد عام 2011.
وأضاف تشاووش أوغلو على هامش المنتدى، الذي حضره وزير خارجية إيران جواد ظريف، أن "الأولوية الآن في هذه الفترة هي إنشاء دستور للبلاد. وأن عليهم (الشعب السوري) بأنفسهم إعداد مسودة الدستور"."
الراية: إن موقف تركيا أردوغان هذا ليس غريبا ولا جديدا؛ ذلك لمن أدرك منذ البداية أنها تنفذ سياسة أمريكا في سوريا، من خلال الخداع والمكر بالثورة وأهلها، فحينما اقتضت مؤامرتها أنْ تعلن أنها ضد بشار ومناصرة للثوار وداعمة لهم وحاضنة لقياداتها، فعلت ذلك فصدقها البسطاء وارتمى في حضنها ضعاف النفوس، حتى أصبح لها وزن وثقل وتأثير قوي على قادة الفصائل وتمكنت بما صنعت لها من نفوذ من مساعدة النظام على احتلال حلب والغوطة؛ حينما أجبرت الفصائل الموالية لها على الانسحاب للاشتراك في معارك افتعلتها في جرابلس والفرات.
ثم ها هي تركيا أردوغان تظهر على حقيقتها وتعلن بدون خجل قبولها التعامل مع بشار السفاح الذي قتل أكثر من نصف مليون وهجر أكثر من نصف أهل الشام ودمر البلاد وأهلك الحرث والنسل، وموقف تركيا هذا هو أيضا تنفيذ لمشاريع أمريكا في سوريا. ﴿وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.
جريدة الراية: https://bit.ly/2ToHVfe
- التفاصيل
جدد الرئيس الأمريكي ترامب، التأكيد على أن القوات الأمريكية ستغادر سوريا بعد أن هزمت تنظيم الدولة، مؤكدا أنه بإمكان دول أخرى مثل تركيا التعامل مع بقايا التنظيم، وكان أردوغان قد هدد قبل أسبوعين بشن عملية جديدة ضد وحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا خلال أيام قليلة، لكن بعد أن قرر ترامب سحب قواته من سوريا، عاد أردوغان وقال إن العملية ضد قوات وحدات حماية الشعب الكردية وتنظيم الدولة ستجري خلال الأشهر المقبلة، إن تراجع النظام التركي عن بدء عملية شرق الفرات يدفع إلى التساؤل عن الأسباب الحقيقية لهذا التأجيل، لكن المتابع يعرف أسباب هذا التأجيل إن علم جيداً حقيقة الأنظمة القائمة في العالم الإسلامي منذ هدم الخلافة العثمانية، إن النظام التركي واقع في منطقة النفوذ الأمريكي ويدور في فلكها كما هو الحال بالنسبة للنظام السوري إلّا أن النظام السوري لا يدور في الفلك وإنما هو تابع عميل، وهذه القراءة تغنيك جداً في تحليل ما يجري وما يخطط في الخفاء وما يحاك في الغرف المظلمة، فهدف النظام التركي هو الحفاظ على مصالح سيدته أمريكا في سوريا وعلى رأسها الحفاظ على نظام الإجرام ومنعه من السقوط، وغير ذلك هو من الترهات الإعلامية التي يتم تمريرها على الناس ولكنها لا تمر على السياسي المبدئي الذي يعمل لنهضة أمته وتحريرها من أعدائها. وبهذه الصورة يتضح أن الانسحاب الأمريكي من شرق الفرات يحقق لأمريكا أهدافاً عدة في وقت واحد: أهمها تخفيف عدد المتدخلين في الشأن السوري وحصره بأيدي أتباعها وعملائها وإخراج الباقي وعلى رأسهم بريطانيا وفرنسا وألمانيا وحتى روسيا، وتقديم انتصار إعلامي لعملاء أمريكا في النظامين السوري والإيراني ووكيلتها روسيا، وكل ذلك على حساب أوروبا ودولها التي اكتشفت الخطة من الانسحاب الأمريكي وتضحيتها بالأكراد على مذبح الأتراك، فكانت التصريحات البريطانية واضحة في أن تنظيم الدولة لم ينته بعد، وتبعتها فرنسا برفضها الانسحاب من سوريا، إذاً الانسحاب الأمريكي من شرق الفرات ما كان ليتم لو لم تضمن رأس الكفر مصالحها ونفوذها في الشام من خلال وكلائها الروس والأتراك والإيرانيين.
أما على الجانب الآخر فإن حلفاء أمريكا من الأحزاب الكردية التي لم تتعلم حتى الآن من كل الدروس السابقة وخذلانها لهم عند كل مفترق طرق، وبيعها لهم مقابل مصالحها فإن عليهم أن يعلموا أن ارتباطهم بعدو الأمة الإسلامية أسقطهم ولن تقوم لهم قائمة، وأن أمريكا نفذت مصالحها على حسابهم وسترميهم الآن أمام النظامين السوري والتركي، ولا حل أمام الأكراد إلا بالتخلص من هذه الأحزاب التي ذهبت بهم إلى المكان الخطأ بعيداً عن تطلعات الأمة وتوجهاتها في التحرر من الغرب وأنظمته، وأن عليهم أن يعودوا للالتحام بأمتهم ودينهم ومبدئهم بعيداً عن التوجهات القومية والماركسية اليسارية، فالعمالة التي دأبت عليها هذه الأحزاب لم تجلب للأكراد أحفاد صلاح الدين إلا العار وجعلتهم في حالة عداء مع أبناء دينهم وعقيدتهم من العرب والترك، وهنا لا نبرئ الطرفين الآخرين من ذلك، فالأفكار القومية هي السبب في كل هذه الفرقة وهذا النزاع، ولكن الحل هو في الإسلام وعقيدته ونظامه.
أما فصائل الثورة التي حُشرت في المحرر شمالاً في إدلب فهي قد أصبحت كالمومياء بعد أن سلمت قرارها للنظام التركي فتحولت من الفعل إلى رد الفعل (إن وجد!) ومن فصائل للجهاد والقتال وتحرير الأرض والعرض إلى فصائل معابر وحواجز، فاقدة للهوية والهدف والرؤية تسيّرها سياسة المنافع والمصالح بعيداً عن الأهداف والمبادئ التي قامت من أجلها، وأصبح على الأمة أن تقرر مصير هذه الفصائل وتضع حداً لمهزلتها بعد أن تحولت إلى أدوات للقمع والبطش وتحولت من هدف إسقاط النظام إلى هدف وحيد وهو بناء جدار الخوف عند الناس الذين خرجوا على نظام القمع والإجرام عبر كتائبها الأمنية وسجونها ومعتقلاتها. لقد آن للمخلصين أن يعوا حقيقة فصائلهم، فقبل وجود هذه الفصائل استطاع الناس وبجهود بسيطة بعد عون الله وتسديده من تحرير أغلب الأرض السورية، ومع تشكيل هذه الفصائل رغم حجمها وأعدادها الكبيرة وتسليحها قامت هذه الفصائل بتسليم الأرض المحررة للنظام، هذه هي الحقيقة المجردة لهذه الفصائل؛ فلا هي أكملت المسيرة ولا هي تركت الناس تتابع عملية تحررها وانعتاقها من النظام وحلفائه، والوعي على هذه الحقيقة رغم مرارته لكنه يجب أن يكون دافعاً للتغيير الذي هو هدف الأمة الإسلامية المؤمنة بنصر الله وتمكينه رغم كل العقبات والمصاعب التي تقف في وجهها.
لقد كانت ثورة الشام صورة مضيئة في تاريخ الأمة أبرزت معدن الأمة الأصيل، فقدمت تضحيات جساماً على مذبح التغيير ولا زالت قادرة على العطاء وتقديم المزيد، ولكن على الأمة أن تكف عن التجارب وأن تقف مع نفسها وقفة تفكر وتدبر في الطريقة التي يجب أن تسير عليها حتى تتمكن من الوصول إلى الهدف، فهي صاحبة السلطان الذي منحه الله لها، فهي من تعيّن من يحكمها وهي تحاسبه وتأطره على الحق أطرا، وهذا لا يكون إلّا باتباع كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم والسير على هدي الإسلام ومنهجه فهو الهادي إلى سواء السبيل، ولتعلم أمتنا أنه لن يستطيع أي نظام من الانتصار على شعب قرر التحرر فكيف إن استعان بالله وجعل تحكيم شرعه هدفاً له! ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ واعلموا يا أهلنا في الشام أننا على أعتاب مرحلة التغيير الكبير التي سيعز الله به دينه وينصر به عباده المؤمنين الصادقين في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة تعز الإسلام وأهله وتذل الكفر وأهله.
﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾
بقلم: الأستاذ أحمد معاز
جريدة الراية: https://bit.ly/2AdYp2I
- التفاصيل
لقد حرصت أمريكا منذ اليوم الأول لانطلاقة ثورة الشام أن تُحافظ على عميلها بشار أسد في الحكم، أو بالأحرى أن تُحافظ على النظام بشرعيته وأجهزته الأمنية ومؤسستي الجيش والمخابرات، فهذا ما أكدت عليه نصاً في اتفاق جنيف الأول صيف حزيران 2012م.
وتوالت أيام الثورة وسنيّها وبقيت المؤتمرات تُعقد في جنيف وأستانة والرياض وأنقرة وكلها تدور حول بيان جنيف1 وتؤكد عليه وتُطالب بتطبيق بنوده، وفي كلِّ ذلك اعتراف بشرعيّة النظام وأحقيته في الحكم، هذا عدا تلك الدول التي كانت وظيفتها منذ البداية هي دعم النظام المُجرم سياسياً وعسكرياً، كروسيا وإيران والصين وغيرها.
وبعد أن استطاعت المؤتمرات أن تُمكن النظام من السيطرة على كثير من مناطق سوريا وحصر المعارضة في إدلب كان اتفاق سوتشي أيضاً لبنة في الحل السياسي الأمريكي ويهدف لإعادة شرعنة النظام بل وبأحقيته في السيطرة على كل المناطق حيث نص الاتفاق أن اتفاق خفض التصعيد قد حقق نجاحات، ومعلوم أن ما حققه خفض التصعيد هو سيطرة النظام على ثلاث مناطق رئيسية من مناطق الثوار.
ولم تكتف أمريكا بالمؤتمرات للحفاظ على النظام، بل أوعزت إلى عملائها بالقيام بأعمال سياسية تُعيد للنظام شرعيته وتُظهره بمظهر المُنتصر على شعبه، فكانت زيارة عمر البشير رئيس السودان كأحد الأعمال السياسية التي كسرت عُزلة النظام إقليميا، واحتفل بها النظام متباهياً بنصر موهوم.
كما يأتي الحديث عن إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، بعد أن تم تجميد مقعد سوريا في الجامعة في 2011م كردة فعل على الجرائم التي ارتكبها النظام، يأتي هذا الأمر في ذات سياق إعادة تعويم النظام، فإعادته للجامعة العربية يعني بشكل أو بآخر تبرئته من جرائمه بحق شعبه.
وقد سبق ذلك لقاء وزير خارجية النظام المعلم مع وزير خارجية البحرين وجرى بينهما مصافحة حارّة أثارت ضجيجاً في وسائل الإعلام، كما ظهرت تصريحات لبن علي يلدريم عندما كان وزير خارجية تركيا بأنهم سيُطبعون العلاقات مع سوريا كما طبّعوها مع روسيا وكيان يهود، ثم خرج بعد يوم ليُبرر تصريحه بأنه يقصد بعد إسقاط النظام، لكن قبل أيام خرجت تصريحات من وزير الخارجية الحالي حول استعداد بلاده للنظر في العمل مع الرئيس السوري بشار أسد إذا فاز بانتخابات ديمقراطية، ويُضاف إليه تصريح أردوغان قبل أيام بأن تركيا ليس لديها ما تفعله في منبج إذا غادرت المنظمات الإرهابية، هذا كله يُفهم منه أن حكّام تركيا يسيرون باتجاه باقي حكام المسلمين لإعادة النظام إلى الواجهة بشكل أو بآخر.
وللإمارات في دعم المُجرمين نصيب حيث أعادت فتح سفارتها في دمشق في خطوة تطبيعية مع النظام، كما دخلت قبلها أول قافلة قادمة من الإمارات عبر معبر نصيب الذي قام بدوره النظام الأردني بإعادة فتحه بعد أن كان مغلقاً طوال فترة سيطرة المعارضة على الجانب السوري من المعبر.
كما تلقى رأس النظام بشار أسد تهنئات من رؤساء العراق ولبنان والجزائر بما يُسمى عيد الاستقلال في نيسان عام 2018م، وتناقلت وسائل الإعلام أيضا خبرا عن نية رئيس تونس توجيه دعوة لأسد لزيارة تونس، وأنباء أخرى عن نية رئيس العراق للقيام بزيارة لدمشق على غرار البشير.
هذه الأعمال السياسية التي يقوم بها حكام المسلمين تكشف لنا أن معارضتهم سابقا ما كانت إلا معارضة وهمية، وأن الدموع التي سكبوها لأجل دمائنا وأعراضنا ما كانت إلا دموع التماسيح، وأن المواقف التي اتخذوها كانت بعد أن أحرجتهم شعوبهم التي كانت ترمق الشام بعين النصير فكانت هذه المواقف التي لا تسمن ولا تغني من جوع كتغطية على خذلانهم لأهل الشام.
أما اليوم فتظن أمريكا وتوعز لعملائها بهذا الظن أنها قد أجهزت على ثورة الأمة في الشام، فتطلب من عملائها أن يتقربوا من عميلها حامي كيان يهود، وتدعي هي الانسحاب من سوريا في رسالة يُفهم منها أن النظام قد انتصر على أهل الشام، لذلك نجد إعلام النظام يروج للانسحاب أنه انتصار له.
هذا في حسابات أمريكا وأدواتها وعملائها، أما أهل الشام فلم يخرجوا في ثورتهم لتجميد عضوية أسد في الجامعة العربية، ولم يُقدموا التضحيات الجسام لكي تُغلق السفارات، ولم يُشردوا ويُهجروا طمعا بالعزلة الدولية لنظام أسد، لذلك فلن يثنيهم عن الاستمرار في ثورتهم اعتراف هنا أو زيارة رئيس هناك، ولن تكون نهاية الثورة بإعادة فتح السفارات والمعابر، بل هي ثورة لله وخرجت تهدف لإسقاط النظام بكل أركانه ورموزه، واستبدال نظام آخر به يحقق لهم العدل والأمان، ولا نظام يحقق ذلك سوى نظام الإسلام كما أنزله الله على حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم .
وأخيرا فإن لله سنناً مع الطغاة والمتكبرين، ومن سننه أن يكون هلاكهم في اللحظة التي يظنون أنهم الغالبون، هذه هي سير الأولين فيها العبرة والعظة لمن أراد أن يسلك طريق المصلحين. فهذا فرعون قد هلك يوم أن نادى في المدائن حاشرين، وتلكم الأحزاب قد أجمعوا أمرهم فانقلبوا خاسرين.
كتبه منير ناصر
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
جريدة الراية: https://bit.ly/2F1mJIf
- التفاصيل
أحدَثَ القرار المُفاجئ للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من سوريا عاصفةً سياسيةً هوجاء، اجتاحت عواصم صنع القرار الدولية والإقليمية، كما اجتاحت البيت الأبيض نفسه، وتسبّبت في إخراج وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس من منصبه، وأدّى هذا القرار أيضا إلى التباس مُربك في المشهد السياسي في سوريا، وألقى عليه ظلالاً سياسية غامضة، فزاده تعقيداً فوق تعقيد، وقد نقلت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية عن مصدر مطلع لم تذكر اسمه، وصف القرار بأنّه "خطوة قد تؤدي إلى زعزعة الاستراتيجية الأمريكية بالشرق الأوسط".
وكان ترامب قد أعلن يوم الأربعاء الماضي 19/12/2018 رسمياً بدء انسحاب القوات الأمريكية من سوريا بحجة إكمال تصفية تنظيم الدولة فقال: "ألحقنا الهزيمة بتنظيم داعش في سوريا الذي كان السبب الوحيد لوجودنا هناك"، وسيتم سحب هذه القوات في غضون مائة يوم على الأكثر وفقاً لتصريحات البنتاغون.
ولدى أمريكا حوالي 2000 جندي في سوريا يقومون بتدريب وتسليح قوات محلية مرتزقة، يُطلق عليها وحدات حماية الشعب، وقوات سوريا الديمقراطية لمُحاربة تنظيم الدولة، كما وأقامت أمريكا عشرات القواعد العسكرية شرق الفرات، ويقول مسؤول أمني روسي: "إنّ الولايات المتحدة أقامت نحو عشرين قاعدة عسكرية في سوريا على أراض خاضعة لسيطرة الأكراد".
والغريب أنّ أمريكا كانت ولفترة قريبة تُدعّم وتُركّز قواتها في سوريا، فقبل يومين فقط من هذا القرار، وفي 17/12 أعلن المُوفد الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري في واشنطن أنّ "بلاده باقية حتى إلحاق الهزيمة بداعش، والحد من نفوذ إيران"،ثم أمَرَت الإدارةُ الأمريكية السعودية الشهر الماضي بدفع 100 مليون دولار لتمويل مهام قواتها شرقي الفرات، وقال جوزيف دانفورد رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة قبل أيام: "إنّ الولايات المتحدة بحاجة لتدريب آلاف المقاتلين المحليين لضمان هزيمة دائمة للمجموعة الإرهابية".
وفجأةً تغيّرت الأحوال، فالحاجة لتدريب القوات ما عادت قائمة، وما كان يُقال عن ضرورة بقاء القوات الأمريكية إلى حين طرد الإيرانيين من سوريا لم تعد ضرورة، فقد اختلفت اللغة السياسية الأمريكية، وتبدّلت بين عشيةٍ وضحاها.
تُرى فما سبب هذا التغيّر في الموقف الأمريكي بهذه السرعة؟ ولماذا لم تعد هناك حاجة لوجود القوات الأمريكية في سوريا مع أنّ الأمور على الأرض لم تتغيّر؟ وما الذي جدّ لاتخاذ هذا القرار المُفاجئ بخروج القوات الأمريكية في غضون شهرين أو ثلاثة على أقصى تقدير؟
فكيف يُصنع القرار الأمريكي؟ ومن الذي يصنعه؟ هل هو الرئيس؟ أم البنتاغون؟ أم الدولة العميقة؟
وللإجابة على هذه التساؤلات لا بدّ من مُلاحظة المُستجدات السياسية التي سبقت اتخاذ القرار، ثمّ ملاحظة المُستجدات التي صاحبته، ثمّ المُستجدات التي تلته، وبالذات ما لها علاقة بتركيا، لا سيما وأنّ تركيا لعبت أهم وأخطر الأدوار في احتواء الثورة، وفي تدجين جبهة النصرة وشبيهاتها، وأنّها ما زالت تملك أهم الأوراق في التعامل مع الشمال السوري، وشرق الفرات.
لقد سبق هذه الخطوة الأمريكية المُفاجئةحديث مُفاجئ لأردوغان عن عملية عسكرية تركية وشيكة شرق الفرات، فقال: "يمكننا أن نبدأ عملياتنا في الأراضي السورية في أي وقت وفقاً لخطتنا الخاصة، والدخول إلى أراضيها من المناطق التي نراها مناسبة على طول الخط الحدودي الذي يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وبشكل لا يلحق ضرراً بالجنود الأمريكيين"، ووجّه أردوغان لأمريكا كلاماً صريحاً يُشتمّ منه معرفته بالموقف الأمريكي بشكلٍ مُسبق فقال: "لكوننا شركاء استراتيجيين مع الولايات المتحدة فينبغي على واشنطن أن تقوم بما يلزم، والآن جاء الدور على شرق الفرات".
وكانت المكالمة التلفونية بين أردوغان وترامب ظاهر فيها الاتفاق على إعطاء دور جديد لتركيا في شرق الفرات، فخرج بعدها أردوغان إلى وسائل الإعلام مُفاخراً بأنّ الجيش التركي جاهز "لمُحاربة الإرهابيين من داعش ومن وحدات حماية الشعب"، وأنّه على أهبة الاستعداد للقيام بذلك، لكنّه قال: "إن مكالمته الهاتفية مع ترامب واتصالات الأجهزة الدبلوماسية والأمنية فضلا عن التصريحات الأمريكية دفعت تركيا إلى التريث لفترة عدة أشهر، ولكنها لن تكون مفتوحة"، فكأنّ أردوغان طُلب منه أنْ ينتظر ريثما يتم إخلاء الأمريكيين من مواقعهم ليبدأ بالعمل العسكري.
وليس مُصادفةً أنْ تتزامن هذه الأحداث مع إعلان وزارة الخارجية الأمريكية في اليوم نفسه عن صفقة لبيع تركيا منظومة (باتريوت) للدفاع الجوي والصاروخي بقيمة 3.5 مليار دولار.
فالمسألة إذاً بدأت تتضح أكثر فأكثر، والصورة باتت معالمها تتكامل، فأمريكا قد حسمت أمرها بترك الأمور في شمال سوريا لتركيا على حساب الأكراد، لأنّها رأت أنّها الأقدر على موازنة الروس والإيرانيين في سوريا، فضلاً عن تقليص كلفة نفقات التدخل الأمريكي المُباشر في الخارج، لذلك أدرك الأكراد خطورة قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا، فكان له وقع الصدمة على قياداتهم المُتعاونة مع الأمريكيين والتي وصفت القرار بـ"الخيانة والطعن بالظهر".
فقرار الانسحاب من سوريا الذي تبنّاه ترامب تمّ ترجيحه من قبل المُتنفذين في الإدارة الأمريكية، وتمّ حسم الجدال الذي كان دائراً منذ مُدة في أروقة البيت الأبيض والبنتاغون حول البقاء أو الانسحاب من سوريا، فكان الانسحاب هو الأفضل للمصالح الأمريكية التي يُمكن حمايتها عن طريق وكلاء أمريكا في سوريا، ولا حاجة للتدخل المُباشر.
وشكّل هذا القرار صفعةً للأوروبيين لا سيما الإنجليز والفرنسيين الذين لهم جنود على الأرض إلى جانب الجنود الأمريكيين في سوريا، فقالت بريطانيا إنّ خطر (الإرهابيين) ما زال قائماً في سوريا، ولم يتم بعد القضاء على تنظيم الدولة كما قال ترامب، وأمّا الفرنسيون فأجبروا على البدء في تفكيك قواعدهم انصياعاً للقرار الأمريكي، بعد أنّ عاجلتهم أمريكا يوم الجمعة ببدء تفكيك مُنشآتها العسكرية القريبة من الحدود التركية.
فقرار الانسحاب إذاً هو قرارٌ جدّي، وقد اتُخذ، وابتُدئ بتنفيذه،وردّ ترامب على مُعارضي قراره، ومنهم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهامبالقول: "من الصعب التصديق أن غراهام، سيكون ضد الحفاظ على أرواح الجنود والحفاظ على مليارات الدولارات"، وأضاف متسائلا: "لماذا نحارب بالنيابة عن أعدائنا في سوريا بالبقاء، وقتال داعش من أجلهم، روسيا وإيران وغيرهما من السكان المحليين؟".
كتبه أبو حمزة الخطواني
جريدة الراية: https://bit.ly/2Rj2rR4