press

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

alraiah170118

لقد عاش المسلمون في الفترة التي أعقبت هدم الخلافة العثمانية مطلع القرن الماضي تحت حكم الدول المستعمرة مباشرة، ثم تحت حكم أنظمة استبدادية ودساتير وضعها الكافر المستعمر قبل مغادرته صورياً، كان من أهم مهامها السهر على عدم عودة الإسلام إلى حياة المسلمين كنظام حياة، إضافة إلى ضمان مصالح الكافر المستعمر على حساب مصالح الأمة.

ومع دخول العقد الثاني من هذا القرن انتفضت الأمة، على شكل ثورات اندلعت في البلاد الإسلامية، قامت على أنظمة الحكم القائمة فيها، التي أذاقت الأمة الويلات وتآمرت ضدها في كل قضاياها، كقضية فلسطين التي فيها بيت المقدس حيث المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وقضية أفغانستان والعراق التي شاركت فيها جيوش المسلمين الحرب ضد أبناء الأمة خدمة للكافر المستعمر، الأمر الذي برهن بما لا يدع مجالاً للشك بأن بلاد المسلمين لم تتخلص من الاستعمار إلا شكلاً، وأن خيانة الحكام وتآمرهم ضد أمتهم واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، فقد سخروا مقدرات الأمة وثرواتها خدمة لأعداء هذه الأمة من الدول المستعمرة، وقد كانوا رأس حربة في محاربة الإسلام وحملة دعوته.

أما المحرك الأساس لهذه الأمة في انتفاضتها في وجه حكامها فقد كان العقيدة الإسلامية، التي جيشت الناس وجعلتهم يواجهون الدبابات بصدور عارية في منظر لن تراه إلا في هذه الأمة، وقد كان ذلك واضحاً في ثورة الشام المباركة، التي صدحت حناجر المسلمين فيها "قائدنا للأبد سيدنا محمد"، فقد التف الناس حول مشروع الأمة، مشروع الإسلام العظيم الذي تعتز الأمة به وحده.

لكن الرعب والهلع انتاب دول الكفر عندما رأوا هذه الثورات تنتقل من بلد إلى آخر، فقد أدركوا تمام الإدراك بأن انتصار هذه الثورات وخلع حكامها، هو قضية حياة أو موت بالنسبة للكافر المستعمر، وبنجاحها سيتم اجتثاث نفوذ دول الكفر تماماً، لهذا شددوا القبضة على أهل القوة والمنعة من الأمة "قادة الجيوش"، لأنهم حماة الحكام والأنظمة، وهكذا حصل في تونس ومصر وغيرهما من بلاد المسلمين.

بينما في الشام "حيث تدور رحى يوم بعاث مرة أخرى فقد أصبح جيش النظام متهالكاً" سارعت دول الكفر لاحتواء قادة الفصائل المقاتلة عبر تشكيل غرفتي "الموك والموم" بأوامر أمريكية وإدارة مخابرات الأنظمة العميلة، حيث تم تقييد قادة الفصائل بالمال السياسي القذر بل القاتل الذي كان سبباً أساسياً في حرف بوصلة الفصائل، ثم تم سوق البعض منهم إلى جنيف و أستانة و الرياض وغيرها وتوقيعهم على بيع التضحيات الجسام التي ضحى بها أهل الشام على مدى سبع سنوات خدمة لمصالح دول الكفر، فجُمِّدت الجبهات مع النظام للمحافظة على ما تبقى من قواته، واشتعلت نار الفتنة بين الفصائل وحدث الاقتتال الحرام بينها، وسُلمت مناطق بمعارك شكلية للنظام كما حدث في حلب ومناطق حوض الفرات وأرياف درعا ودمشق وحمص ومؤخراً في ريفي حماة وإدلب!

فإن ما حدث ويحدث في ريف إدلب مؤخراً لهو دليل واضح على انقياد قادة الفصائل لأوامر دول الكفر وأتباعهم من حكام المسلمين المجرمين، كما هو تنفيذ لما فُرض عليهم في مؤامرات جنيف وأستانة وغيرهما، فقد بدت قوات النظام تسير وتحتل القرى والبلدات وتشرد أهلها بدون مقاومة، وعندما تنادى بعض المخلصين لصد قوات النظام المتهالكة، رأينا كيف تم دحر قوات النظام ورأينا العشرات من أسرى النظام يساقون كالنعاج!

كما إن ما حدث في حرستا ليس بعيداً عن مركز دمشق حيث استطاعت مجموعة غير كبيرة من المجاهدين دحر قوات النظام والاستيلاء على إحدى قلاعه المهمة التي "عجزت" عن تحقيق أي تقدم فيها كبرى الفصائل في المنطقة سابقاً، لهو دليل آخر على ما نقول من اصطفاف قادة الفصائل الكبرى في الطرف المقابل للأمة ومصالحها!

فمتى سيعلم هؤلاء القادة أن ارتباطهم بأجهزة مخابرات الأنظمة الحاكمة في البلاد الإسلامية ومن خلفها الكافر المستعمر، هو المهلكة بعينها في الدنيا، والحسرة والندامة والخسران في الآخرة؟!

ومتى سيعلم هؤلاء بأن هذه الدول وعلى رأسها أمريكا لن تقبل من أتباعها ولن ترضى عنهم ولو سلموها البلاد والخيرات وأمضوا أعمارهم في خدمتها؟ فها هو قائد الجيش الباكستاني قمر جاويد باجوا يقول بأن باكستان تشعر بالغدر إزاء اتهام الرئيس الأمريكي لباكستان بالكذب والخداع بالرغم من أن النظام والجيش الباكستاني أنفق المليارات لإرضاء العم سام في محاربته للإرهاب!! فهل سيكون قادة الفصائل أحسن حالاً؟؟ والله سبحانه يقول: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾.

فإلى متى سيبقى هؤلاء القادة مُصطفِّين إلى جانب أعداء أمتهم؟؟ ألم يقرؤوا قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنصَارَ اللَّهِ﴾؟؟

أليس فيهم من يعيد أمجاد السعدين "سعد بن معاذ وسعد بن عبادة رضي الله عنهما" فينصروا مشروع الإسلام العظيم ويعيدوا سيرة الأنصار رضي الله عنهم؟؟

ومن الجدير ذكره أن سعد بن معاذ رضي الله عنه لم يهتز لوفاته عرش الرحمن لكثرة عبادة أو صوم أو صلاة، بل لمواقفه الحاسمة في نصرة الإسلام والمسلمين وهو قائد قومه وزعيمهم!!

ونريد أن نذكرهم ﴿فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ﴾ نذكرهم بحقيقة بات أصغر من في الشام يعرفها، بأنهم لو رجعوا إلى صف أمتهم وعملوا على نصرتها، متوكلين على الله ومخلصين له النية، طالبين نصره، مكتفين بما بين أيديهم من عدة وعتاد، فاتحين جبهات دمشق وحوران والجولان وحماة وإدلب والساحل وحلب فإن النظام لن يتحمل المواجهة إلا ساعات وينتهي في عقر داره في دمشق، فيريحوا البلاد والعباد من هذا النظام وظلمه، ويعملوا على نصرة حملة مشروع الإسلام العظيم، كما فعل ذلك الأنصار في المدينة المنورة، عندما نصروا المشروع الذي جاء به النبي ﷺ وكان لهم شرف إقامة أول دولة حكمت بالإسلام وعاش في ظلالها الناس كل الناس بأمنٍ وأمانٍ وعدلِ شريعة الرحمن، وانطلقوا حاملين هذه الرسالة إلى العالم فنالوا السعادة في الدارين.

ونذكرهم كذلك بأن الله لا بد ناصر دينه، فقد وعدنا سبحانه ووعده الحق، وعدنا بالاستخلاف والتمكين والأمن حيث قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.

وبشرنا رسولنا الكريم ﷺ بعد الحكم الجبري «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» وقد آن أوانها، وما يحدث في الأمة من حركة واعية على المشروع الإسلامي لهي دلالة واضحة على دنو عهدها إن شاء الله، فمتى سينحاز أهل القوة والمنعة من هذه الأمة إلى صف أمتهم وينصرون مشروع دينهم العظيم فينالوا بذلك رضا رب العالمين وإلا ستجري عليهم سنة الله سبحانه ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾.


 كتبه لجريدة الراية: د. محمد الحوراني، عضو لجنة الاتصالات المركزية لحزب التحرير - ولاية سوريا، بتاريخ الأربعاء 17 كانون الثاني/يناير 2018م
المصدر: http://bit.ly/2D7EKAH

arboun150118

الحديث:



عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا). رواه البخاري.

 

الشرح:



في هذا الحديث الشريف تأكيد من النبي صلى الله عليه وسلم على حقوق أهل الذمة وعلى عصمة دمائهم بعد إعطائهم عهد الذمة فهم في ذمة المسلمين وواجب على الدولة الإسلامية حمايتهم وإكرامهم ومعاملتهم المعاملة الحسنة التي قد تكون دافعاً لهم لدخول دين الإسلام بعد إحساسهم بعدل الإسلام وحسن رعاية دولته العتيدة.

فلأهل الذمة ما للمسلمين من حقوق الرعاية وعليهم ما على المسلمين من واجبات تجاه الدولة من التزام القانون الذي يسنه الخليفة ويجعله سارياً على كل من يحمل التابعية للدولة الإسلامية.

وبالتالي يكون التعدي على حقوق أهل الذمة والمعاهدين من الكفار جريمة كبيرة ولذلك شدد الرسول صلى الله عليه وسلم على التعرض لأهل الذمة أو إراقة دمائهم بغير حق، معتبراً ذلك من كبائر الذنوب.

وقد أكد الإسلام على حقوق غير المسلمين الخاضعين لسلطان الدولة الإسلامية وكفل لهم بقائهم على دينهم وعقيدتهم ومنع إكراههم على الدخول في الإسلام ولم يعتبرهم أقليات لهم حقوق خاصة، ولم ينظر إليهم على أنهم رعايا من الدرجة الثانية بل أمر بإكرامهم والإحسان إليهم ودعوتهم إلى الإسلام بالتي هي أحسن.

ولذلك كانت دولة الإسلام ونظام الحكم الإسلامي الوحيدان اللذان يكفلان الحياة الكريمة والعيش الرغيد لمن يعيش في بلاد المسلمين من غير المسلمين بخلاف الأنظمة الرأسمالية التي تدعي الحريات وهي تضيق الخناق على المسلمين وتمنعهم من ممارسة شعائرهم وتحاول أن تفتنهم عن دينهم بأقذر الوسائل ضاربة بعرض الحائط القوانين التي وضعتها لتكفل حرية التدين والاعتقاد بزعمها.

 

للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا
أحمد الصوراني

للاستماع إلى التسجيل:

arboun110118

 

الحديث:



عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ خَرَجَ - وَأَنَا مَعَهُ وَأَبُو بَكْرٍ - إِلَى مِنًى حَتَّى دَفَعْنَا إِلَى مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْعَرَبِ ...وجاء في نهاية الحديث أنه حين عرض نفسه على بني شيبان قال له المثنى بن حارث: إن هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك، وإنما نزلنا على عهد أخذه علينا كسرى، ألا نحدث حدثاً، ولا نؤوي محدثاً، فإن أحببت أن نمنعك وننصرك مما يلي مياه العرب فعلنا؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسأتم بالرد إذ أفصحتم بالصدق، إن دين الله لا ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه). رواه البيهقي في الدلائل، وحسنه الحافظ ابن حجر.

 

الشرح:



هذا الحديث يتطرق لقضية عرض الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل بعد أن تحجر مجتمع قريش أمام دعوته، فجاء الأمر الإلهي بأن يقصد القبائل الوافدة إلى مكة المكرمة أو يخرج إلى القبائل ذات الشوكة والقوة في محيط مكة بهدف إيجاد من يؤمن به ويناصره من تلك القبائل، فيحتضنوا الدعوة ويساعدوا النبي صلى الله عليه وسلم على بناء الدولة الإسلامية الأولى.

فقوله: (لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ) له دلالة واضحة بكون ترك دعوة قريش والتوجه إلى القبائل الأخرى هو أمر إلهي وفرض رباني، وهو جزء من طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في إيصال الإسلام إلى الحكم وبناء الدولة، وكان من بين تلك القبائل قبيلة بني شيبان والتي أنصتت للنبي صلى الله عليه وسلم وعلمت عظيم الأمر الذي يدعو إليه ألا وهو هدم النظام الجاهلي وبناء دولة سوف تبتلع باقي الدول على وجه البسيطة لذلك قالوا: (إن هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكرهه الملوك) نعم يكره الملوك الذين يطبقون الشرائع الوضعية ويظلمون الناس ويمتصون دماء الرعية، يكرهون أن ينازعهم أحد ملكهم ليستبدله بنور الإسلام وعدل حكمه الذي هو من رب العباد.

وقد علم بنو شيبان أن دعوة النبي صلى الله عليه وسلم عابرة للقارات وأنها ستهدد عروش الأكاسرة والأباطرة والقياصرة، فبعد قبولهم لدعوة الرسول الأكرم عليه أفضل الصلاة والسلام بينوا أنهم غير مستعدين لمواجهة الفرس والتي تربطهم بهم معاهدات حسن جوار تمنع النزاع العسكري، مع استعدادهم التام لمواجهة عرب الجزيرة بأسرهم.

فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسأتم بالرد إذ أفصحتم بالصدق، إن دين الله لا ينصره إلا من أحاطه من جميع جوانبه) فقد ثمن فيهم صدقهم وبيان أمرهم ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم شدد على قضية مهمة أن من يريد أن ينصر الإسلام ودولته فعليه أن يكون مستعداً لمواجهة العالم بأسره، فدين الله وحكمه لا بد أن يعم الأرض كلها وأن ينتشر في البلاد شرقاً وغرباً، محطماً الحواجز المادية ومسقطاً حكم الطواغيت في كل مكان لينشر نور الإسلام في ربوع الأرض، حتى لا يذر الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله في هذا الدين.

نعم من يريد أن ينصر الإسلام والعاملين له والساعين لإعادة أمجاد الخلافة لا بد أن يواجه العالم بأسره أمريكا وروسيا وأوروبا وطواغيت العرب والعجم، فدولة الإسلام ليس دولة وطنية حدودية بل هي دولة توسعية لا حدودية، وهي دولة للمسلمين في العالم جميعاً وليست دولة لقوم دون قوم أو عرق دون عرق.

ولا بد أن يدرك المسلمون أنهم قوة لا يستهان بها إن هي التفّت حول قائد مسلم مخلص، فإنها قادرة على مجابهة العالم المعادي للإسلام والمسلمين، فقوة الكفر لا تساوي شيئاً أمام قوة الله إن هو نصر عباده المؤمنين. قال تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (آل عمران:160).

 

للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا
أحمد الصوراني

للاستماع الى التسجيل:

arbaoun130118

الحديث:
عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَلْبَثُ الْجَوْرُ بَعْدِي إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى يَطْلُعَ، فَكُلَّمَا طَلَعَ مِنَ الْجَوْرِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنَ الْعَدْلِ مِثْلُهُ، حَتَّى يُولَدَ فِي الْجَوْرِ مَنْ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ، ثُمَّ يَأْتِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْعَدْلِ، فَكُلَّمَا جَاءَ مِنَ الْعَدْلِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنَ الْجَوْرِ مِثْلُهُ، حَتَّى يُولَدَ فِي الْعَدْلِ مَنْ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ). رواه أحمد وحسنه العراقي.

 

الشرح:
إن هذا الحديث يتكلم عما أصاب الأمة الإسلامية من ضعف ووهن تدريجي نتيجة تكالب أمم الأرض عليها وقضائها على الدولة الإسلامية ونظام الحكم الذي حافظ على تطبيق الإسلام وعمل على نشر العدل في ربوع الأرض، حيث دب الضعف بشكل تدريجي في جسد الأمة حتى عمل الاستعمار الغربي على اقتطاع بلاد المسلمين شيئاً فشيئاً وانتشر الجور وانحسر العدل المتمثل بدولة الإسلام حتى تمكن الكافر المستعمر البريطاني وعميله مصطفى كمال في النهاية من هدم صرح الخلافة وتم إلغاء الخلافة الإسلامية في الثامن والعشرين من رجب لعام 1342 ﻫ الموافق للثالث من آذار لعام 1924م.

وأصبحت ديار المسلمين كلها ديار كفر لا يُحكم فيها بالإسلام ونشأ جيل من المسلمين لا يعرف عدل الإسلام لأنه لم يعش في ظل دولة الخلافة والحكم الإسلامي الراشد، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام (حَتَّى يُولَدَ فِي الْجَوْرِ مَنْ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ) ثم تأتي البشارة فدولة الإسلام عائدة إن شاء الله، حيث يقول النبي الأكرم (ثُمَّ يَأْتِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِالْعَدْلِ) أي تعود الخلافة الإسلامية الراشدة فيعود معها العدل والرخاء الذي تنعم به الرعية، ثم تتوسع رقعة الدولة وهي تنشر نور الإسلام وعدله في كافة أصقاع الأرض وهذا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم (فَكُلَّمَا جَاءَ مِنَ الْعَدْلِ شَيْءٌ ذَهَبَ مِنَ الْجَوْرِ مِثْلُهُ) حتى يعم عدل الإسلام وحكمه كافة الأرض ويدخل الناس في دين الله أفواجاً و(حَتَّى يُولَدَ فِي الْعَدْلِ مَنْ لَا يَعْرِفُ غَيْرَهُ) أي حتى يصبح حكم الإسلام هو الظاهر ولم تعد الأمة تذكر من حكم الكفر شيئاً بل أصبحت تنكره ولا تعترف به رافضة أن يطبق عليها بأي حال من الأحوال، حالها كحال الرعيل الأول من الصحابة والتابعين لهم بإحسان رضي الله عنهم وأرضاهم وجمعنا به في جنات النعيم.

للمكتب الإعلامي لحزب التحرير - ولاية سوريا
أحمد الصوراني

للاستماع للتسجيل:

alraiah110118

تعيش ثورة الشام أياماً عصيبة ومتناقضة، فرغم الضعف الذي يظهر عليها في الشمال بأرياف حماة و إدلب، نرى أسود الغوطة وهم يُفقدون النظام توازنه، ويجعلونه يتخبط ويكذب بعد حصار قواته في إدارة المركبات بالغوطة الشرقية، التي تعتبر إحدى قلاعه التي كان يسوم منها أهلنا سوء العذاب بالقصف والتنكيل، في وقتٍ ما زالت الجبهات الأخرى في درعا وحمص تغط في نوم عميق وكأنها ليست من الشام، وكأنها لا علاقة لها بما يجري! هذا التناقض العجيب يفسره ارتباط قادة فصائل الثورة، وتوجيههم وفق الإرادة الخارجية وليس وفق مقتضيات العمل الحقيقي الذي يسقط النظام.

إن التناقض في ثورة الشام ليس هو بين أهلها المتفقين على إسقاط النظام، وإنما بين قادة الفصائل وشرعييهم من جهة وأهل الشام من جهة أخرى، وكل ذلك لغياب القيادة السياسية الواعية المخلصة التي تسير بأهل الشام وثورتهم إلى حيث يحب الله ورسوله والمؤمنون، في ظل تآمر دولي منقطع النظير على أهل الشام وثورتهم وانكشاف حقيقة النظام الدولي وقيمه الكاذبة التي يتاجر بها على حساب الشعوب.

فقد أكدت المجريات الميدانية هذه الأيام أن من استلم زمام قيادة الثورة في الخارج وحتى من قادة الفصائل، أكدت أنهم لا يمتلكون أي رؤية لليوم الآخر، فاتفاقات الذل والعار في جنيف وأستانة التي كانت لها نتائج كارثية على الثورة، أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه القيادة مرتهنة للخارج ولا تنظر إلى معاناة الناس، وآخرها حركة النزوح الكثيف لأهلنا من أرياف إدلب الجنوبية الشرقية وأرياف حماة الشرقية وسط أجواء باردة وعواصف وأمطار، بسبب تقدم مليشيات النظام على حساب هذه الفصائل التي رهنت قرارها للمجتمع الدولي الذي لا يرى إلّا بمنظار مصالحه، وعلى رأسها الحفاظ على نظامه الإجرامي في دمشق.

فهذه الاتفاقات السياسية تُبَيّنُ أن من ادعى تمثيل أهل الشام لا يملك أي حس بالمسؤولية عدا عن قصر النظر، إن لم نقل الخيانة والعمالة، فالثورة التي خرج أهل الشام بها على النظام أدرك أهلها من اليوم الأول حقيقة هذا النظام، الذي يقف بجانبه كل مجرمي الأرض وعلى رأسهم دول الغرب ومنظمتهم الأممية، ورفع منذ البداية شعارها المعروف (يا الله ما لنا غيرك يا الله) بينما من قفز إلى تمثيل الثورة ونصّب نفسه نائباً عنها، لم يكن لديه أي فهم للسياسة وقوانينها ومبادئها، فأصبح ألعوبة بيد أعداء الثورة، يجرونه إلى المؤتمرات (المسرحية) التي يتم بها بيع القضايا والتنازل عن المبادئ، ليس هذا فحسب بل إنه وفي خضم معركة حامية الوطيس على كافة المستويات أعطوا النظام على طاولة المفاوضات ما كان يحلم باستعادته بالقوة، وهذا شاهده الجميع، وأثبتت الأيام العصيبة على الثورة أن الإنجازات العسكرية تتبخر أمام قرار سياسي صغير في مؤتمر الثعالب الماكرة، في ظل عالم متجرد من القيم والأخلاق.

لقد تحدثنا وعلى أكثر من منبر أن المكتسبات التي حققتها الثورة لم تكن بالمكتسبات الصلبة التي يمكن الاعتماد عليها قبل الذهاب إلى مؤتمرات التنازل، وأثبتت الأيام صوابية رأينا وأن الأعمال العسكرية الجبارة والتضحيات العظيمة لم يُحَافَظ عليها لوجود فراغ كبير في رأس هرم الثورة، ألا وهو قيادتها السياسية، هذا الجانب المهم جداً في الحياة، فالنظام ورغم خسرانه للأرض وخسائره الفادحة على كافة المستويات، إلا أن وجود القيادة السياسية حافظ على وجوده، فكانت المرجعية التي يرجع إليها جميع أركان النظام في كل شأن، وفي ظل الدعم اللامتناهي لهذه العصابة الحاكمة، تمكنت من استرجاع الكثير من المناطق، واستعادة الزخم على حساب الثورة، والمقولة تقول إن هزيمة قضيتنا لا تعني بطلانها بل يجب تغيير رجالها، وفي حالتنا فإن رجال قضيتنا هم قادة فصائلها الذين لم يعوا حقيقة الثورة وموقف الدول منها عن طريق فرض الشروط والإملاءات، ونظراً لضعف هؤلاء القادة وجبنهم وخوفهم قبلوا ما يُملى عليهم ففرطوا بقضية الثورة وأهلها وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فكان حرياً بأهلنا في الشام تغيير هذه القيادة.

وفي الجانب الآخر فإن الثورة مع كل ما ظهر عليها من ضعف في الشمال وتقدم مليشيات النظام، ظهرت قوتها في قلب النظام وعاصمته، فثوار حرستا على قلتهم أثبتوا ضعف النظام وتهلهل قواته، أمام القلة الصابرة المحتسبة، وهذا التقدم يمكن أن يبنى عليه وأن يكون خطوة نحو سحق النظام والقضاء عليه، إذا توفرت الإرادة لذلك، وهذا غير موجود على المدى المنظور خصوصاً على الجانب العسكري لافتقاد قيادات الفصائل للرؤية الاستراتيجية للثورة وأهدافها التي يجب أن تتحقق وكيفية تحقيقها، هذه الكيفية التي يجب أن تكون مرتبطة بوجهة النظر عن الحياة، ونحن المسلمين وجهة نظرنا في الحياة تأتي من زاوية العقيدة الإسلامية، وهي أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أي أن كل شأن في حياتنا مهما صغر مرهون بأوامر الله سبحانه وتعالى، وأن طريقة تنفيذه تكون بالسير على نهج الحبيب عليه الصلاة والسلام، فالصراع في ثورتنا أصبح واضحاً جلياً بين الإسلام الذي تمثله الثلة الثائرة على النظام، والكفر الذي يمثله النظام ومن خلفه منظومة الكفر العالمي بأنظمته ومنظماته ومؤسساته، وحتى ننتصر علينا أن نأخذ بأسباب النصر، وذلك بالتقيد بأوامر الله جل في علاه، في كل شأن وعلى رأسها الشأن السياسي.

وعليه فإن بقاءنا على ما نحن عليه لن يؤدي بنا إلّا إلى الهاوية، وسنبقى ندور في حلقة مفرغة، ولن نحصد إلّا الخيبات المرتبطة بالمعاناة الإنسانية لأهلنا وشعبنا، ويجب علينا أن نتدارك ذلك بالخروج من الصندوق، وأحب أن أعطي مثالاً للعسكريين في ذلك، فالنظام الذي يتقدم تحت وابل من الغارات الروسية الكثيفة لطيرانه المجرم على بقعة صغيرة يريد التقدم إليها، نستطيع إحباطها من جانبين: الأول بفتح معارك أخرى، وجبهاتنا مع النظام كثيرة من حلب إلى الغاب إلى حمص و درعا وغيرها، والثانية بفتح جبهة الساحل للوصول إلى حميميم القاعدة الروسية وإبطال مفعولها، ونحن بإذن الله قادرون، إن تحرر قرارنا الذي ألزَمَنا به غباءُ قادة الفصائل، في أستانة وجنيف وملحقاته، التي يراد لها أن تكون جداراً يقف أمام طموحنا في إسقاط النظام وتحكيم الإسلام.

يا أهلنا في الشام، إن من لم يستطع أن يحافظ على الثورة ويكملها وهي في قوتها، لن يكون بمقدوره الحفاظ عليها واستمرارها وهي في ضعفها، وهذا شأن كبير لا يتصدى له إلّا الراسخون في العلم أصحاب الفكر المستنير الذين يرون ما خلف الجدار، فأعداؤنا ينتصرون علينا بالمكر والخداع ونقع صرعى بين أيديهم بالمؤامرات، وحتى نحفظ تضحياتنا ودماء شهدائنا، علينا أن نعطي أمر قيادة الثورة إلى القادر على إدارتها والقبطان الماهر الذي يجتاز بها العواصف والأمواج العاتية، الذي يمتلك الرؤية المستقبلية، وعنده الخطط السياسية التي يفشل بها مؤامرات الأعداء، وهذا يتطلب التحرك على كافة المستويات الشعبية والعسكرية والاجتماعية، لإزاحة الفاشلين والمتخاذلين والمرتبطين عن قيادة دفة الثورة، واتخاذ قيادة حزب التحرير قيادة سياسية تسير بالثورة إلى النصر والتمكين، بإسقاط النظام وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾.


 كتبه لجريدة الراية: الأستاذ أحمد معاز، بتاريخ الأربعاء 10 كانون الثاني/يناير 2018م
المصدر: http://bit.ly/2mcvapa