- التفاصيل
"... تعلن الولايات المتحدة و روسيا، بصفتهما الرئيسين المشاركين للمجموعة الدولية لدعم سوريا ومجموعة عمل وقف إطلاق النار، في الـ٢٢ من شباط/فبراير، ٢٠١٦، عن تبني شروط الهدنة في سوريا..." كان هذا نص البيان المشترك الذي أصدرته أمريكا وروسيا حول الهدنة في سوريا بين النظام و الفصائل المعارضة التي تهافتت للتوقيع عليه بعد أن أبرمت أمريكا الاتفاق وجهزت بنوده، وكان أهم ما فيها المشاركة في عملية المفاوضات السياسية مع النظام التي تسيرها الأمم المتحدة. وهكذا تُفصل أمريكا ويلبس تجار القضية الأحداث ﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْـِٔدَتُهُمْ هَوَآءٌۭ﴾ [إبراهيم: 43]. سارع نزلاء الفنادق ممن تملقوا الثورة وانتسبوا إليها بالموافقة على الهدنة بل عدَّها الائتلاف انتصاراً سياسياً في دياثة سياسية فريدة. ليُقابلوا بالبراميل المتفجرة والصواريخ كصفعة على وجه المتمرغين بأوامر أمريكا وبلاطها لإيجاد حلٍّ لهذه المحنة، وما زادوا سوى أن كانوا محنة أخرى، تحتاج جهوداً مخلصة من أهل الشام، لا ترتضي هواناً ولا ذلةً بالسير وراء الهدن والمفاوضات على الخُطى الغربية، بل تعمل جادة مُجِدَّة لتغيير جذري شامل بإقامتها خلافة على منهاج النبوة.
هذا رأس الشر قد أتاكم يا أهلَ الشام، أركَضَ عليكم بخيله ورَجله، يريد مشاركتكم السلطان والثروة، وعَدَكم نصراً والله يقول ﴿وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [الإسراء: 64]؛ وهذه أفعى العصر أمريكا قد دعتكم إلى فتنة وئيدة ومهلكة سياسية تُذهب تضحياتكم هباءً منثوراً؛ كأن لم تكن. فلا تمكنوها من ثورتكم ولا تسمحوا لها بنزع السلطان منكم، فإن السلطان بأيدينا نعطيه من نشاء وننزعه عمَّن نشاء، مِنَّةٌ من الله لا أمريكا، بشريعة السماء لا الديمقراطية! ﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَىْءٍۢ نُّكُرٍ﴾ [القمر: 6]
عقدت أمريكا الاتفاق مع نفسها وأجبرت عملاءها في الائتلاف على الدخول في مفاوضات سياسية مع عميلها بشار، بعد أن أهلكت الحرث والنسل على مدى سنوات عبر قوات التحالف، و القصف الروسي وقصف قوات النظام للتجمعات المدنية بالبراميل المتفجرة. في سعيٍ حثيث لطحن صمود أحرار الشام بين رحى الطاحون، فإما القتل والدمار وانتهاك الأعراض أو الدخول في مفاوضات مع القاتل نفسه برعاية أمريكية تُبقي على النظام الإجرامي وتُجهض ثورة الشام وسعي أهلها للانعتاق من النظام ومن وراءه.
تفاوض أمريكا نفسها وتقصي المخلصين عن الساحة، بل إنها استثنت بعض الفصائل من الهدنة لتُبقي الوضع على ما هو عليه قبلها فيكون اغتيال المخلصين والقتل المستشري في الشام "شرعياً" موافقاً لشروط الهدنة التي تجعل كل مخالف لرغبة البيت الأبيض في قواعد لعبته إرهابياً وجبت حربُه. وإذا خُرقت الهدنة يسعى عملاؤها لطلب الاعتراض من الأمم المتحدة وتذهب دماء المسلمين في الشام ضحية التنازلات البشعة والمؤامرات الخبيثة كما ذهبت دماء مسلمي فلسطين من قبل هدراً عبر مسلسل المفاوضات الخيانية مع يهود بعد كل حربٍ خاضوها وخرجوا فيها مهزومين، لتلم المفاوضات شعث المجرمين وتُبقي المخلصين في دائرة الهدف لتصفيتهم، وتبقى القضية عالقة تستجدي التدخل الدولي تارةً أو القوات التركية أو السعودية أو..، فيدب اليأس ويعم السخط من طول الثورة وكثرة التضحيات، وحينها تظهر أمريكا بمظهر مارد المصباح تحمل الحل السحري الذي يُنهي القتل ويجفف ينابيع الدماء. وما حالُها إلا كرجلٍ ضاق به بيتُه فطلب من صديقٍ معونةً فجلب له الخراف والمواشي وقال ضعها في بيتك، وبعد شهرٍ جلب بقرةً وبعدها دجاجاتٍ وهكذا. ولما اشتكى الرجل تعسُّر الحال بدل انفراجه قال أخرج من بيتك ما أسكنتَ معك، فما كان من الرجل إلا أن قبَّل رأس صاحبه أن أخذ مواشيه وأبقاره منه ليوسع عليه بيتَه! فهذه الهدن لا تغير في الواقع شيئاً وما هي إلا وهمٌ خادع ليظن البعض بالقعود عن التغيير هناءَهم وسعادتهم.
أفما آن أوان الشام لتقلب الطاولة على رؤوس المتآمرين، وتكسر طاحون الذل الذي تريد أمريكا طحنها بين رحاه، فتنفض عنها ذل المفاوضات ويحزم أهلُها أمرَهم برفض الاقتتال الداخلي والتوحد على كتاب الله ورسوله، بدل الهرولة في أزقة جنيف و ميونخ طالبين المحال بإرضاء اليهود والنصارى؟ فإن القول الفصل فيهم أنَّهم ﴿مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ وَلَا ٱلْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ وَٱللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِۦ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ﴾ [البقرة: 105].
إننا ليدمي قلوبَنا مُصابنا في الشام، وما يخفف عنا إلا يقينُنا أنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده وأن عمود الكتاب قد وُضع بالشام ببشارة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فلا نخاف دركاً ولا نشقى وقد وعدنا ربُّنا وعداً حسناً. وإنَّ من بقي من المخلصين في الشام ممن رفض الدَّنية في دينه فنبذ الهدن ولفظ الاتفاقيات لهم بيضة القبان وعليهم الرِّهان.
وإنَّ وعد الله سبحانه بالاستخلاف وبشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعودة الخلافة الثانية على منهاج النبوة وأحاديثه عن الشام وذِكر الغوطة وغير حديثٍ ليجعلنا ترنو أبصارنا إلى بيعةِ إمام المسلمين قريباً، بيعةً رضاً وعزٍ. فها هم أهل الشام في الداخل لا يقيمون وزناً لا لجبروت أمريكا ولا عمالة الائتلاف وزبانيته، يصدحون بها ملء أكوان الفضاء أن "هي لله هي لله". وأيقنوا أنَّ سياسة إمساك العصا من المنتصف، شر مستطير وذل ما بعده ذل. نفوسٌ رأت المذلة كفراً فلم يكن إجرام الأحلاف الدولية إلا كنقطة ماءٍ فوق حجرٍ ساخن.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم بيان جمال
23 جمادى الأولى 1437هـ
0416م
المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/35833
- التفاصيل
لا تزال الثورة السورية عصية على الكسر ولا تزال المؤامرات تحاك ضدها من قبل الشرق والغرب، ولا يزال المخلصون في الأمة يصلون ليلهم بنهارهم لكشف تلك المؤامرات وفضح المتآمرين عليها، كما لا تزال أمريكا أكبر المتآمرين عليها تحوك خيوط تآمرها بخبث شديد قد يخفى على البعض ولكنه لا يخفى على تلك الثلة الواعية في الأمة التي طالما أفشلت خطط أمريكا بأن فضحتها وكشفتها لمن خفيت عليه من أبناء الأمة ومن الثوار. ولعل آخر تلك المؤامرات ما تم الإعلان عنه مؤخرا مما سمي الاتفاق الأمريكي الروسي لوقف إطلاق النار (وقف الأعمال العدائية) بصفتهما الرئيسين المشاركين للمجموعة الدولية لدعم سوريا واللتين أعلنتا أنه يهدف إلى تهيئة الظروف لعملية انتقال سياسي ناجحة يقودها السوريون، بتيسير من الأمم المتحدة، لأجل التنفيذ الكامل لبيان ميونيخ الصادر عن المجموعة الدولية لدعم سوريا يوم ١١ شباط/فبراير ٢٠١٦، وقرار مجلس الأمن الدولي رقم ٢٢٥٤، وتصريحات فيينا لعام ٢٠١٥، وبيان جنيف لعام ٢٠١٢، وتبني شروط الهدنة في سوريا، وتقترحان أن يتم الشروع في وقف الأعمال العدائية في الساعة 00:00 ( بتوقيت دمشق) من يوم ٢٧ شباط/فبراير ٢٠١٦، وهذه الهدنة لن تنطبق على "تنظيم الدولة" و"جبهة النصرة"، أو أي "منظمات إرهابية" أخرى يحددها مجلس الأمن، وكما هو معلوم فإن النظام السوري لن يلتزم بهذه الهدنة وسيخرقها مرات ومرات ولن تنفع التنظيمات التي قبلت بالدخول في هذه اللعبة شكواها للدولتين الراعيتين لهذا الاتفاق مهما رفعت الصوت عاليا أو علا نحيبها.
وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد صدر منه ما يعتبر تهديدا للجميع عندما قال إنه في حال فشل كل من "اتفاق وقف الأعمال العدائية في سوريا، والانتقال السياسي الذي أقرته الأمم المتحدة، فإننا قد نتخذ موقفا أكثر شراسة بما فيها تقسيم سوريا". وأشار كيري، في كلمة خلال جلسة لمجلس الشيوخ، إلى أن عدم إيجاد حل للأزمة السورية عبر طاولة المفاوضات، سينجم عنه تدمير البلاد بالكامل... أعلم جيدا، أنه في حال فشل الاتفاق، فهناك احتمال انهيار سوريا بالكامل".
يبدو أن أمريكا قد اتخذت قراراها بالوقوف علنا مع نظام بشار المجرم بعد أن كانت تتخفى وراء قناع تصريحاتها الزائفة عن إجرام النظام السوري في حق شعبه وأنه لا بد من رحيل الأسد أولا قبل الدخول في أي تسوية للمشكلة السورية، وتمارس إجرامها في حق أهلنا في سوريا في الخفاء من خلال أدواتها إيران وحزبها وأخيرا من خلال اتفاقها القذر مع روسيا بقتل وتشريد كل من يعارض النظام من أبناء الشام. فإذا بها اليوم من خلال الاتفاق الجديد مع روسيا تريد جر الجميع للتفاوض مع نظام مجرم هي من وصفته بالإجرام، وإذا بها اليوم تصف كل من لا يقبل بالتفاوض معه بأنه إرهابي يستحق القتل ولا تشمله هدنة القتل.
كما يبدو أن أمريكا تدرك جيدا أن مثل هكذا هدنة مصيرها الفشل ولذا فهي تتكلم عن خطة بديلة تسميها الخطة "ب" وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد ذكر الثلاثاء 23 شباط/فبراير الجاري أن بلاده تدرس خيارات لخطة بديلة في حال لم يصمد وقف إطلاق النار في سوريا، وإذا لم تشهد البلاد مرحلة انتقالية قريبا. وقال كيري أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي: "نحن في طريقنا لمعرفة ذلك في غضون شهر أو شهرين، معرفة ما إذا كانت هذه العملية الانتقالية جادة حقا.. وعلى الأسد اتخاذ بعض القرارات الحقيقية حول عملية تشكيل حكومة انتقالية".
إن ما تقوله أفعال الإدارة الأمريكية، بغض النظر عن تصريح كيري، هو أن الولايات المتحدة قد كلّفت روسيا إدارة الملفّ السوريّ لأنها غير مهتمة أو معنيّة إلا بمنع سقوط الأسد قبل أن تجد البديل أو تصنعه. والمتابعة الدقيقة لآلية عمل الإدارة الأمريكية في المنطقة تظهر أنها غير مستعدة لبذل أي جهد حقيقي لتغيير ما يحصل على الأرض، خاصة وأنها تدرك جيدا أن انهيار نظام الأسد الآن دون أن يكون العميل البديل حاضرا وبشكل مقبول من الشعب السوري سيكون مدخلا لإنهاء سطوتها ونفوذها في سوريا والبديل هو خلافة حقيقية في بلاد الشام تقطع دابر أمريكا وعملائها في المنطقة وتعيد للأمة هيبتها وثرواتها المنهوبة. ومن هنا فأمريكا تلعب على الوقت وتراهن على يأس المقاتلين من قدرتهم على التغيير واستسلام الشعب السوري لما تريده أمريكا. وما يجب أن يفهمه المقاتلون في سوريا أن هذا الاتفاق لن يحميهم من القتل ولن يمنع نظام الإجرام في سوريا من الاستمرار في إجرامه ومحاولته المستميتة تركيع أهل الشام بصب الحمم فوق رؤوسهم. وها هي أمريكا تعطيه الحق في ضرب أي مكان تريد في سوريا دون أن يرف لها جفن والذريعة موجودة وهي أنها أماكن يسيطر عليها تنظيم الدولة أو جبهة النصرة أو أي فصيل آخر تصنفه أمريكا بأنه إرهابي أو أنه لم يبلغ روسيا بأنه موافق على الهدنة وفي النهاية إن قُدر لهذا الاتفاق أن ينجح فالمطلوب منه هو إخراج مناسب لتسوية تُبقي على النظام في سوريا وتؤهّله لانتقال سياسي هدفه الحفاظ على نفوذ أمريكا ومصالحها في المنطقة.
نعم إن الثورة السورية في مفترق طرق وتحتاج لمن يقف على هذا المفترق ليقول للناس من هنا الدرب أيها التائهون، حتى يمنعوا الثورة من الانجرار في الطريق الخطأ والثقة فيمن لا يستحق هذه الثقة سواء أكان من الدول الكبرى كأمريكا وبريطانيا وغيرهما، أو من الدول الإقليمية التي تقوم بدعم الثوار بالمال والسلاح وهي تتظاهر أنها مع الثورة والثوار بينما الحقيقة أن تلك الدول ما هي إلا أدوات في يد دول الغرب الكافر تنفذ ما تمليه عليها الدول الكبرى لتحقق لها أهدافها الخبيثة وتمنع الثورة من السير في طريقها الصحيح والمتمثل بإسقاط نظام الأسد وإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة التي تعيد للأمة عزها ومجدها مرة ثانية وتقطع دابر الكافرين الذين تكالبوا على الأمة كما تتكالب الأكلة على قصعتها.
﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حامد عبد العزيز
22 جمادى الأولى 1437هـ
0216م
المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/35804
- التفاصيل
أثبتت لنا الوقائع التاريخية أن من يطالب بالهدنة هو الطرف الأضعف الذي استشعر بدنوّ هلاكه ويريد أن يأخذ قسطا من الراحة في محاولة منه لإعادة ترتيب أموره غير آبهٍ بالطرف المقابل له، ولقد رأيناه حديثا مطلبا ليهود حين وقعت في أزمة حربها في جنوب لبنان عام 2006 وكذلك في عدوانها على غزة عام 2009 و 2014، وها نحن اليوم نراه يحصل في الثورة المباركة في الشام عقر دار الإسلام.
فأمام وعي أهل الشام على الثورة وثوابتها، وعلى مكر وخبث أمريكا وحلفائها، وأمام ما يتمتع به الثوار و المجاهدون من الروح العسكرية والجهادية وما يتبعه من تحقيق الانتصارات على الأرض رغم قلة العتاد والعدد - مستعينين بالله تعالى وحده طالبين توفيقه - رغم الفرق الشاسع بين ما يملكون من الوسائل الحربية والمساحة القتالية مقابل ما يستخدمه النظام السوري و إيران وحزبها وروسيا فمساحتهم القتالية تشمل الفضاء الجوي أيضا.
لم يكن أمام أمريكا التي لم تستطع كسب المعركة لصالحها وشعرت بدنو انتهاء النظام العميل لها في سوريا لصالح المشروع الإسلامي العظيم دولة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة، لم يكن أمامها إلا أن تنصب الفخاخ لأهل الشام عن طريق عملائها في المنطقة وعلى رأسهم السعودية فتلوث أموال بعض الفصائل بالمال السياسي القذر لتسير بهم في منزلق المؤتمرات في فينا و الرياض و جنيف ثم الهدن الكاذبة ومن جانب واحد ليلحقها بيع لدماء المسلمين بمفاوضات مع القاتل الذي ثار أهل سوريا على ظلمه، ليكون لها متسع من الوقت لإيجاد البديل ضمن النظام نفسه.
فبعد أن فشل الائتلاف بفرض نفسه على أهل سوريا وهو بالخارج، الآن تحاول أمريكا أن يحمل لواءها أناس من الداخل ممن قاتلوا ضد بشار وحملوا لواء الإسلام وفقدوا العديد من رجالهم في معارك الثورة - يعني هم ثوار خنادق لا ثوار فنادق، يعني احتمالية قبول تحركاتهم عند أهل سوريا واردة -، وما درت أمريكا أن أهل سوريا ينفرون ممن غيّروا وبدّلوا ولم يبقوا على ثوابت الثورة وصار التفاوض مع النظام عندهم مطلبا بعد أن كان مرفوضا رفضا تاما، رضوا بأن يوضع الطوق حول رقابهم، وأن لا تكون قراراتهم بأيديهم، وأن ينحازوا عن صف الأمة الإسلامية.
فيا أيتها الفصائل "المعتدلة":
لا يمكن أن يجتمع عمل في سبيل الله وفي سبيل أمريكا ومصالحها في الوقت نفسه، فإما أن يكون في سبيل الله وفي النهاية الفوز، وإما في سبيل الطاغوت أمريكا ومن سار على دربها ودعا بدعوتها وعمل على تحقيق مصالحها فيكون مصيره كمصيرها والعياذ بالله.
كيف بمن يحمل عقيدة لا إله إلا الله أن يستجدي العون والمساعدة من غير الله؟! كيف تقبلون بهدنة هزيلة تُستغل لقتل إخوانكم المجاهدين من الفصائل التي صنفت إرهابية لثباتها في ثورتها ومشروعها الإسلامي وفي الوقت نفسه يقتل بالمعية أهلكم وإخوانكم من المدنيين العزل إلا من عقيدتهم ووعيهم وتوجههم نحو نيل رضوان الله والفوز في الدنيا والآخرة؟!
ألم تأخذوا العبر من الهدن السابقة وما جلبته من انتهاكات في حق أهلها، وهل يؤتمن الذئب والخائن؟! وهل يجرب المجرب؟!
فإذا وصل الحال ببشار لأن يعدم ضباطا موالين له لعدم انصياعهم لأمر أمرهم به وأن يمارس الإجبار على الخدمة العسكرية على الموظفين الحكوميين والطلاب الجامعيين ممن يوالونه في مناطق نفوذه فلا يكون أمامهم إلا خيار القبول أو الفصل من الوظيفة مع التلميح غير المباشر بالاعتقال... فكيف تأمنون على أنفسكم من غدره وقد حفر في ذاكرته أنكم قد خرجتم ثائرين ضد ظلمه ونظامه!! فمثله لا يؤتمن ولا يعطى مهلا ولا هدناً.
يا أهلنا في الشام عقر دار الإسلام:
يا أشباه الصحابة، لقد اجتمعت وتحزبت عليكم دول الكفر والطغيان وعملاؤهم من أبناء المسلمين، فكنتم كما الصحابة في غزوة الأحزاب الذين ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وبلغت القلوب الحناجر ويظنون بالله الظنونا فكان النصر من عند الله بأمور لم تتوقعها الأحزاب ولا المسلمون، فكونوا على ثقة بأن وعد الله حاصل لا محالة ومن حيث لا تدرون، وما هذه الخمس سنوات من عمر الثورة إلا امتحان وغربلة ليميز الله الخبيث من الطيب وليبلوكم أيكم أحسن عملا.
يا أهلنا في الشام، إن المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، فشدوا صرح بناء مشروعكم الإسلامي بإيمانكم وتوحدكم وتراصكم مع إخوانكم المؤمنين فكل منكم محتاج للآخر، اصبروا واثبتوا فالمؤامرة عليكم كبيرة جدا كِبَر وعيكم وإخلاصكم، وابقوا على طريقكم الواضح المستقيم ولا تنحرفوا عنه ولا تلتفتوا إلى من رأى في الاعوجاج طريقا إلى بعض المكاسب الآنية والتي لن تكون إلا إطالة في السير، فأقرب طريق للوصول هو البقاء على الخط المستقيم فكيف إذا كان هذا الخط قد رسمه الخالق سبحانه الذي بيده مفاتيح كل شيء وبيده الأمر كله، القادر على إفشال كل مخططات الغرب الحاقد وبلمحة بصر، ولكن ليبلوكم أيكم أحسن عملا، فأروا الله من أنفسكم خيرا.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أختكم: راضية عبد الله
18 جمادى الأولى 1437هـ
2716م
المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/35734
- التفاصيل
كثر الحديث في ثورة الشام عن أخطاء جسيمة وقعت فيها كتائب و فصائل في الثورة كانت تظن أن نهجها في محاربة النظام هو صحيح وشرعي بكل وضوح، ففوجئت بأنها أصبحت حبيسة ضمن خطوط وضعها لها من دعمها ومولها وسلحها، فعلموا أنهم ارتكبوا بقبولهم ذاك الدعم خطأً جسيماً ربما لا يُغتفر، فقد أزهقوا الأرواح وأوقعوا الناس في فاقة وعوز ودمار بلا أمل وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً! وزاد زخم تلك المراجعات حتى قال أحد قادة بعض المواثيق الإسلامية الذي أدخل الناس في متاهات "اقترب وقت قيامها"، مخاطباً من وقعوا "قلنا لكم وقعوا معنا فاشترطتم.. وطلبنا منكم العمل معنا فتذبذبتم.. وها أنتم الآن توليتم أعداء الثورة وجلستم مع أذناب النظام.. فكم أنتم أغبياء"!
إن هذا الخطاب علاوةً على الألم الذي يحتويه فهو بمثابة إدانة للمتحدث أولاً؛ فكيف تقبل بما لا يقبل به الشرع، وكيف تعلن أنه ميثاق اجتمعت عليه الفصائل وهم حقيقة لم يجتمعوا إلا على تصوير الفلم ونشره لتبييض سمعتهم على حساب نظافة سمعة غيرهم؟ وكي تحصد أنت الرفعة به وهي موضع تساؤل!
إن جلد الذات في هذه المرحلة لن يجدي مع أهمية الاعتراف بالخطأ، فلو فهم المتنطعون ما تبناه حزب التحرير بأنه حزب سياسي لا عسكري، يعمل بالسياسة الشرعية ولا جناح عسكرياً له، لا يدعم العسكر ولكن ينصحهم ولا يحمل السلاح كحزب بل يتمسك بطريقة الرسول عليه الصلاة والسلام السياسية، لو فهموا هذا لما أضاعوا الجهد والوقت والمال في خطب ود العسكر الجالسين في أحضان الداعم الخارجي، ولما وصلوا لخيبة أملهم التي يتعذبون تحتها والتي هي نتيجة عملهم هم لا عمل غيرهم، وليتهم تشجعوا أكثر فاعترفوا بحقيقة أخطائهم فقدموا اعتذارهم لله ولرسوله وللأمة ولحملة الدعوة المخلصين. لا عيب في الخطأ، ولكن العيب كل العيب في كيل التهم للغير وتبرئة النفس التي يعلم القاصي والداني أنها - أي أنفسهم - غارقة في الخطأ التراكمي الذي جرفنا مع من جرف إلى أطراف الثورة بدل وسطها.
وبين هذا وذاك يبرز خيار التفاوض مع النظام القاتل والاعتراف به لا وبل استجداؤه كي يدخل طحيناً ووقوداً لبعض البلدات، وأكثر من هذا تبجح كبير المفاوضين بأنهم، أي المعارضة، يريدون إحراج النظام وإظهار عدم جديته بالمفاوضات للعالم!! يا سبحان الله وكأنه يوجد اثنان يختلفان على ذلك مع أن النظام لا يلقي بالاً للعالم أجمع؛ فهو كالذئب المجروح يفترس كل من اقترب منه ولا حل معه إلا بالتخلص منه كلياً لا بالجلوس معه والتفاوض مع مجرميه!
إنها الشام التي لن يفسد أهلها بإذن الله والتي تبسط ملائكة الرحمن أجنحتها عليها، هي من جنس طريقة رسولها؛ فقد لفظت كل ما هو ليس من جنسها وستلفظ كل خوان أثيم، وستفتح أبوابها فقط للمخلصين غير المداهنين الصابرين الثابتين ليلقوا وعد ربهم:
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رولا إبراهيم – بلاد الشام
20 جمادى الأولى 1437هـ
2916م
المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/35752
- التفاصيل
أعلن دي ميستورا مبعوث الأمم المتحدة يوم 27/2/2016 عن موعد لاستئناف المحادثات المتعلقة بسوريا في جنيف يوم 7/3/2016، وذلك بعد الإعلان عن بدء تطبيق اتفاق أمريكا مع روسيا في ميونخ يوم 12/2/2016 على وقف القتال في سوريا.
ونريد هنا أن نبرز الحقائق التي تتعلق بهذا الموضوع:
1- وقف القتال معناه إيقاف الثورة في سوريا، وهذا ما يسعى له النظام من أول يوم، فهو تلبية لمسعى ورغبة النظام السوري الذي قام بسحق الناس وقتلهم وتعذيبهم وتدمير بيوتهم فوق رؤوسهم لإيقاف الثورة. وعندما فشل في ذلك وكاد أن يسقط، أدخلت أمريكا إيران وحزبها في لبنان وكل عصاباتها من كل مكان منذ عام 2013، فعندما فشلوا، تدخلت هي مباشرة بذريعة محاربة تنظيم الدولة و الإرهاب عام 2014 بعد لعبة عين العرب/ كوباني، وعندما لم تحقق المطلوب في ضرب الثورة أدخلت روسيا عام 2015. أي أن الثورة بفضل الله أقوى من كل هذه القوى.
2- حركت أمريكا السعودية و تركيا للتأثير على الفصائل بمدها بالمال المسموم ودعمها العسكري المحدود للحفاظ على البقاء وليس للانتصار على النظام ومن ثم لتأتي وتوقع على المقررات، فاستطاعت هاتان الدولتان ومعهما قطر استمالة بعض الفصائل المقاتلة مثل جيش الإسلام و أحرار الشام، وساقوا ممثلين عنهم إلى مؤتمر الرياض يوم 9/12/2015 ليوقعوا مع علمانيين وعملاء آخرين ممن هم أتباع في الائتلاف السوري وغيره، ليوافقوا على مقررات جنيف و مؤتمر فينّا وقرار مجلس الأمن رقم 2118، وعقب ذلك استصدرت أمريكا قرار رقم 2254 يوم 18/12/2015، وكل هذه المقررات والقرارات تدور حول نقطة رئيسة وهي المحافظة على النظام العلماني الإجرامي وعلى مؤسسات الدولة وخاصة الأمنية الإجرامية وصياغة النظام من جديد بإدخال شخصيات ممن يعتبرون من المعارضة حتى تضمن أمريكا بقاء النظام تابعا لها كما هو منذ وصول حافظ الأسد إلى الحكم وارتباطه بأمريكا.
3- عملت أمريكا على عزل كل من لا يقبل بهذه المقررات والقرارات ولا يريد أن يفاوض النظام والعمل على القضاء عليه، فقاموا بتصنيف الحركات بين معتدلة تقبل بتلك المقررات والقرارات، وبين متطرفة وإرهابية ترفض ذلك وتصر على إسقاط النظام وتطبيق الإسلام، فكانت جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية من بين هذه التنظيمات وجماعات أخرى لم يسموها، وتشمل كل من لم يقبل بمقرراتهم ويواصل الثورة، حتى تواصل أمريكا عملها في إخماد الثورة والقضاء عليها.
4- إن أهل سوريا ليسوا التنظيمات الموجودة وقد وصلت أعدادها إلى المئات بين صغير وكبير ومن ثم تتحالف وتشكل تنظيمات كبيرة، فهذه التنظيمات كلها برزت بعدما ثار أهل سوريا بشكل عفوي على النظام العلماني الإجرامي، وأرادت أن تعبر عن أحاسيس الناس ورغباتهم بالعمل على إسقاط النظام وإقامة حكم الإسلام. فإنّ تنازل البعض منها ليس معناه أن أهل سوريا استسلموا وخضعوا، بل إن الذي تنازل قد أصبح لا يعبر عن أحاسيس الناس ولا يقول بلسانهم ولا ينادي بما ينادون له، فيسقط، ولا يسقط الشعب، فالشعب السوري قام عن وعي ضد النظام وكسر حاجز الرعب الذي فرضه عليه نظام آل أسد البعثي طوال أربعة عقود، وقد ذاق من الويلات ما ذاق، فلا يمكن أن يستسلم بإذن الله رغم كبر المؤامرات ورغم ما تعرض له من مآسٍ.
5- ولهذا فإن محاولات أمريكا جادة لإيقاف الثورة تحت مسمى وقف القتال، وقد وضعت كل ثقلها في موضوع الشأن السوري لإيقاف الثورة بكل ما أوتيت من سبل، ولذلك قال الرئيس الأمريكي أوباما يوم 26/2/2016 بأن "الولايات المتحدة ستعمل كل وسعها لإنجاح وقف إطلاق النار في سوريا رغم الشكوك الكبيرة حول ما إذا كان الاتفاق سيصمد.. وإن الأيام القادمة ستكون مهمة وسيتابع العالم ما سيحدث. وإن الولايات المتحدة وشركاءها سيمضون بلا كلل في حملتهم على المتشددين". وقد هددت على لسان وزير خارجيتها كيري يوم 24/2/2016 بأن "هناك مناقشة مهمة تجري الآن بشأن خطة بديلة إذا لم ننجح على الطاولة". وشكوك أوباما تأتي بعد تجربته المريرة مع هذه الثورة المباركة التي أعيت أمريكا ومن معها، فسوريا بالنسبة لأمريكا مسألة مصيرية، فنفوذها معرض للخطر منذ خمس سنوات. فهي تنظر إذا ما نجحت هذه الخطة فعندها تركيا والسعودية ستحركهما عند اللزوم لتنفيذ مهمات قذرة لطعن الثورة طعنات غادرة أخرى، ربما تسمح لتدخلهما بذريعة حماية الجماعات المعتدلة ومحاربة تنظيم الدولة.
6- استثنت أمريكا الجماعات الإسلامية الرافضة لمقررات مؤتمراتها في جنيف وفينّا والرياض وقراراتها التي استصدرتها في مجلس الأمن وقد وصفت تلك الجماعات بالمتطرفة والمتشددة والإرهابية. لأن وجود هذه الجماعات يعرض نفوذها للخطر، وما دامت تلك التنظيمات مستمسكة بالإسلام وإقامة حكمه فإن أمريكا لن تنجح في المحافظة على نفوذها والنظام التابع لها. وهي في حرب مع المبدأ الإسلامي الذي أطلقت عليه اسم الإسلام السياسي لتغطي على حقيقة حربها على الإسلام حيث ادعى أوباما كذبا يوم 18/2/2016 بأن "الولايات المتحدة ليست في حرب مع الإسلام" وهي تخوض هذه الحرب فعلا، ولكن تغطي على ذلك بأنها في حرب على الإرهاب و التطرف
و التشدد. وتريد الإسلام الذي يخص الناحية الفردية وليس له علاقة بالدولة وبالسياسة وكافة نواحي الحياة. وذلك حسب العلمانية التي تفصل الدين عن الحياة و السياسة والدولة.
7- إن أمريكا ليست إلهاً! حاشا، لا إله إلا الله، وهو الذي خلق أمريكا وقوتها وهو قادر على إزالتها وهزيمتها، ولكن إلى حين، فالله أراد أن يبلو المؤمنين حتى يميز الخبيث من الطيب وحتى يفضح الكاذبين وغير الصادقين منهم، ويظهر المؤمنين الصادقين والمخلصين فيهزموا أمريكا وأولياءها وحلفاءها ويطردوهم من أرض الإسلام لتبقى خالصة مطهرّة من أهل النفاق، وكل ذلك له قدر مقدر من قبله لا يعلمه إلا هو فيجب التوكل عليه حق التوكل وعدم الخوف إلا منه. فهو القائل: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أسعد منصور
18 جمادى الأولى 1437هـ
2716م
المصدر: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/35733