press

حملة لا لجريمة الحل السياسي نعم لإسقاط النظام وإقامة الخلافة

banner

ي

 

أيها المسلمون في الشام عقر دار الإسلام: إن الحياة في ظل هذه الأنظمة الوظيفية الوضعية هي حياة ذل واستعباد وهوان، وهي بلا شك معيشة الضنك التي أخبرنا عنها ربنا عز وجل، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾.

وإن سكوتكم عن أفعال الطغاة والمجرمين لن يغير من الأمر شيئا، بل سيزداد الطغاة طغياناً وظلماً، وتزدادون أنتم ذلاً فوق ذل، وهوانا على هوان، وسيبقى الطغاة يتوارثون طغيانهم؛ كلما هلك طاغية خلفه آخر، ويتوارث أبناؤنا حياة الذل والهوان جيلاً بعد جيل.

ولا بد للتغيير من تضحية وثبات إن أردتم حياة عز وكرامة في ظل الإسلام لكم ولأبنائكم من بعدكم، وها أنتم فجرتم ثورة مباركة على طاغية من أعتى الطغاة الذين عرفهم التاريخ، وقدّمتم التضحيات الجسام، فزلزلتم عرشه وكدتم أن تهدموا أركانه، وليس لنا من معين بعد الله عز وجل إلا التمسك بثوابت ثورتنا، والعمل على تصحيح مسارها، بعد أن عبث بها المتآمرون والمتاجرون، ولن يكون ذلك إلا بتبني مشروع سياسي واضح منبثق عن عقيدتكم، واتخاذ قيادة سياسية واعية صادقة تقود ثورة الشام على بصيرة إلى تحقيق ثوابتها وأهدافها وعلى رأسها إسقاط نظام الإجرام وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه، لتفوزوا بعزّ الدنيا والآخرة، وليكتب اسمكم في عليين، ويخلد ذكركم في التاريخ، فاصنعوا خلاصكم وابنوا صرح عزكم بأيديكم، ولا تنتظروا حلاً من أعدائكم ولا من المتآمرين المخادعين الذين تسموا "أصدقاء"، فهم العدو فاحذروهم، وتوكلوا على الله وحده، واعتصموا بحبله المتين، فما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.

297890597 148174084525855 2850056762777596033 n

 

لا تزال فصول التآمر على ثورة الشام متواصلة منذ انطلاقتها، وليس آخر هذه الفصول قمة سوتشي الأخيرة بين الرئيسين التركي والروسي، اللذين يصرّان على مواصلة فصول المؤامرة التي تستهدف القضاء على الثورة، وحماية النظام، وكل ذلك تحت كنف ورعاية أمريكا صاحبة النفوذ الحقيقي في سوريا.

فقد كان للدول الضامنة روسيا وإيران وتركيا الدور الحاسم في تراجع الثورة من خلال الترتيبات التي وضعتها هذه الأطراف في محاولة القضاء على الثورة، وكان للنظام التركي الدور البارز والمهم في احتواء الثورة، ومحاولة تفريغها من مضمونها الذي قامت لأجله وهو إسقاط النظام بدستوره وكافة أركانه ورموزه، ومن بُعدِها العقائدي، لما للشام من أهمية في عقيدة المسلمين وارتباطها بأحاديث النبي ﷺ.

الأهمية الاستراتيجية والبُعد الإيماني العقائدي والنَّفَس الإسلامي للثورة المباركة كان السبب في قرع جرس الإنذار الدولي لمواجهتها، ومدخلاً مهماً لتوحد القوى الدولية في مواجهتها، فوقف النظام الدولي بقضّه وقضيضه مقابل الثورة يريد القضاء عليها، فكان أن انقسمت دول العالم بين عدو واضح العداوة للثورة، استجلب القوات والفرق والمليشيات، وبين صديق يلبس ثوب الصداقة ويدّعي دعمها، التي لم تر منه إلّا الخطابات الرنانة المغلفة بالنَّفَس الإسلامي الذي يُسهّل تمرير النفاق على أهل الشام الثائرين الطامحين لاستعادة العزة والكرامة، ولكن حبل الكذب قصير، فسرعان ما انكشف الغطاء وظهرت الحقائق.

حاولت أمريكا في البداية عبر مؤتمر جنيف وضع حجر الأساس لعملية التغيير ورسم محدداته وشكله القائم على تغيير رأس النظام والمحافظة على النظام العلماني، ودفع قوى الثورة للقبول به، لكنها رفضته في البداية جملةً وتفصيلاً لأنه لا يعبّر عن ثوابت الثورة. ولكن المال السياسي القذر استمال بعض المتنفذين من قيادات الثورة، وكان للخداع التركي الدور الحاسم، فجرّت قيادات الثورة لحضور المؤتمرات وتنفيذ ما يصدر عنها من مخرجات ومقررات، جرت الويلات على ثورة الشام؛ وذلك بعد أن ظهر أن الثورة عصية رغم تدخلات إيران ومليشياتها وحزبها، وبعدها روسيا بمباركة أمريكية.

ومع تدخل الجيش الروسي واصطدامه بقوة الثورة السورية وفشله في القضاء عليها بالمدة التي حددها بثلاثة أشهر وغرقه سنوات في المستنقع السوري، كان التدخل التركي لنجدته ومساعدته في إدارة الصراع، كون النظام التركي قد أظهر نفسه أنه صديق للثورة واستطاع أن يخدع جمهورا واسعا من أهلها، فكان الخنجر الذي طعن الثورة طعنات مسمومة أشرفت منها على الهلاك.

ورغم قيام المخلصين الواعين بالتحذير من خطر الارتماء في أحضان النظام التركي، وأن هذه الأنظمة العلمانية تهمّها مصالحها ومصالح أسيادها المستعمرين، إلّا أن هذه التحذيرات لم تلق آذاناً صاغية، فقام النظام التركي بجرّ (حلفائه) إلى مؤتمرات الخيانة والارتزاق في أستانة، التي تم في كل واحد من مؤتمراتها تسليم منطقة محررة للنظام المجرم، حتى تم تسليم جميع المناطق وتهجير أهلها إلى الشمال.

ومع كل ذلك لم يتوقف برنامج التآمر التركي، فقد لاحق الثائرين إلى الشمال يريد تسليمهم للنظام عبر فصائله التي حوّلها إلى مرتزقة لخدمة مصالح أمريكا في ليبيا وأذربيجان، فانتقل إلى عقد مؤتمرات خاصة بروسيا وتركيا انطلقت في سوتشي المحطة الجديدة، والوكر الفاعل للتآمر على الثورة وأهلها، فكان أن تم في مؤتمره الأول تسليم الطريق الدولي (إم 5) بكل مدنه التي حررها أهل الشام بدماء أبنائهم وتضحياتهم الجسيمة.

وبعد أكثر من سنتين على هذه العملية القذرة التي هجّرت مئات الآلاف من منازلهم وقراهم وأراضيهم ومصادر رزقهم، تأتي قمة مدينة سوتشي الروسية الأخيرة التي عقدها الرئيسان الروسي والتركي لتكشف عن مؤامرة جديدة تستهدف كتابة الفصول الأخيرة لثورة الشام المباركة، فقد صرح أردوغان خلال عودته من روسيا قائلا: "السيد بوتين يحافظ على نهج عادل تجاه تركيا، وبأنه سيكون دائما معنا في مكافحة الإرهاب". وأضاف: "بوتين ألمح لنا بأن الأمر سيكون أكثر دقة لو حاولنا مكافحة الإرهاب بالتعاون مع النظام السوري". ولم ينس أردوغان أن يذكّرنا بأن جهاز المخابرات لديه يتعامل مع مخابرات النظام في بعض القضايا مضيفاً أن الذي يهمه هو النتائج.

اللقاءات المخابراتية بين الدول هي التي ترسم الخطوط السياسية للدول العلمانية، بل هي أهم من اللقاءات السياسية، فهي التي تصوغ الاتفاقيات ليتم لاحقا لقاء السياسيين وإقرار ما تم الاتفاق عليه، وطالما أن أردوغان أعلنها فهي إشارة إلى انطلاق عملية التطبيع مع النظام السوري، رغم أن وزير الخارجية التركي قد أعلن قبل القمة بأيام دعم تركيا السياسي الكامل لنظام أسد في محاربة التنظيمات الإرهابية، والتي حاول بعض المطبلين والمرقعين تبريرها بأنه يقصد المليشيات الكردية التي أنشأها أصلا نظام أسد، فكيف سيدعمون داعم هذه المليشيات لمحاربتها؟!

الحقيقة أن النظام التركي لم يكن يوماً عدواً للنظام السوري المجرم، فهم مجرد أنظمة وظيفية لأمريكا تديرهم خدمة لمصالحها الاستعمارية، وهي من سمحت بدخول النظام التركي إلى سوريا بذريعة المليشيات الكردية والأمن القومي التركي، لتستهدف إجهاض الثورة السورية ومنع تحقيق أهدافها، وخلاصة ما تم الاتفاق عليه في سوتشي بين النظامين الروسي والتركي، هو التعاون والتنسيق بينهما في محاربة كافة التنظيمات الإرهابية والمقصود الفعلي بذلك هو فصائل الثورة السورية بغض النظر عن مسمياتها، وكذلك بند المحافظة على وحدة سوريا وسلامة أراضيها، ويعني المحافظة على نظام الإجرام الأسدي، ودعم الحل السياسي الأمريكي الذي صاغته أمريكا في القرار الأممي رقم 2254 الذي يضمن استمرارية بقاء النظام العلماني العميل في سوريا بغض النظر عن رأسه، مع أن إشارات أمريكا تشي ببقاء رأس النظام رغم تلطخ وجهه ويديه بدماء المسلمين في الشام.

لذلك يجب أن تكون مسألة استعادة الثورة قرارها، والانفكاك من عباءة النظام التركي في رأس أولويات أهل الشام؛ فالنظام التركي وفصائله يعملون على جوانب عدة؛ أولها الضغط على أهل الشام وتجويعهم لنيل صك الاستسلام والقبول بالعودة لأحضان النظام، وثانيها ما يحصل في الفترة الأخيرة من تحرك المنظمات الخبيثة والأحزاب السياسية العلمانية والوطنية التي لفظها أهل الشام، وإعادة إدخالها من تركيا إلى المناطق المحررة لممارسة نشاطها لإبعاد الإسلام عن مركز تنبه المسلمين الثائرين، والذي يتم بالتنسيق بين المخابرات التركية وفصائل الثورة وهيئة تحرير الشام لدفع المسلمين للقبول بدولة علمانية تحت مسمى "دولة مدنية" تحارب الله ورسوله وتقصي الإسلام عن السياسة والدولة والمجتمع.

إن الثورة السورية منصورة رغم تكالب العالم عليها، فالأنفاس التي يحملها أهل الشام تجاه الثورة لم تتغير، ولكن الثورة في أمسّ الحاجة إلى قيادة سياسية واعية مخلصة تحمل مشروع الإسلام العظيم، فترتب صفوف الحاضنة الشعبية للثورة لانتزاع سلطانها ممن تسلّط عليها من فصائل مرتبطة وحكومات وظيفية، ودولٍ ظاهرها دعم الثورة وباطنها الغدر والخيانة.

فإلى عزّ الدنيا ونعيم الآخرة ندعو أهلنا في الشام، وندعوهم إلى تبني مشروع الدستور الذي يقدمه حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله؛ للسير بالثورة لتتويج تضحياتهم بحكم الإسلام في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وذلك هو الفوز العظيم.

 

مقالة 2

 

 

في كل مرة تقوم بها تركيا بعقد مؤتمرات أو لقاءات مع نظرائها الروس والإيرانيين، ومنذ تسليم حلب حتى يومنا هذا، كانت تحسب حساباً للشارع فتقوم باللعب على التصريحات وكأنها مغلوبة على أمرها، فيبرر لها من يسمى علماء " فقه الاستضعاف" والأبواق التبريرية أفعالها وأقوالها.
أما مؤخراً، وعندما تأكد النظام التركي من إحكام سيطرته على قيادات الثورة المصنعة وولائهم له، تجرأ على إبداء مكنوناته الخبيثة، من مصالحة النظام المجرم والسعي للقضاء على الثورة، تمهيداً لاستباحة الدماء والأعراض والحرمات.
ولولا ذلك لما صرّح نظام تركيا أردوغان مؤخرا بمصالحة ما أسماها المعارضة مع النظام المجرم، ما من شأنه أن يسهم في إفقاده جزءاً من تأثير سياسة الاحتواء التي مارسها لسنوات خدمة لأسياده.
ففي المرات السابقة وعقب كل تسليم لمنطقة كان أردوغان يراوغ ويقوم بتصريحات نارية مع ذرف دموع التماسيح، لتخدير الناس وامتصاص غضبتهم، خوفاً من استردادهم لقرار الثورة وقلب الطاولة على المتآمرين وفتح الجبهات ضد نظام أسد المجرم الذي ما فتئ النظام التركي يدافع عنه بشكل أو بآخر، وإلا ما تفسير دخول جيشه وعلى جناح السرعة إلا لهذه المهمة القذرة خوفاً من استعادة الثائرين لقرارهم المسلوب، وذلك ليقوم جيشه بتكبيل القوى الثورية ومنعها من أي عمل يسهم في زلزلة عرش النظام؟!
ولكنه مؤخراً أخذ يقوم بتصريحات سافرة لا يراعي فيها أرملة ولا طفلا صغيراً ولا أماً لشهيد، تنفيذاً لمخططات أسياده الأمريكان الهادفة للقضاء على الثورة وفرض الحل السياسي المسموم الموكّل بتنفيذه.
هذا وعندما يلتقي فرعون الشام مع دجال أنقرة وتستوي الأمور بينهما، بعدما ظنّ أنه تمكن من إمساك مفاصل الثورة عبر قيادات باعوا دينهم بدنيا غيرهم بعرض من الدنيا قليل، قد يقوم بخطوات أكثر جرأة عما سبقها لتنفيذ ما اتفقا عليه، فيسحب جيشه ليسلم ثورة الشام لسفاح الشام، بل و أكثر من ذلك، ليحارب الثائرين تحت شماعة مكافحة الإرهاب.

ونقول لأهلنا الثائرين في الشام أولياء الدم، إن من زعم نصرتهم و تسلط على قيادة ثورتهم يفصح عما أخفاه لسنوات، وما دفعه لذلك إلا ثباتهم وتضحياتهم وعزمهم على إسقاط النظام المجرم، وها هو يكشف الغطاء لتسقط آخر ورقة توت يتستر بها، فما عليهم إلا الاستجابة لأمر الله بالتبرؤ منه بشكل كامل، واتخاذ قيادة واعية مخلصة للثورة من صادقي أهلها، صاحبة رؤية ومشروع سياسي من صلب عقيدتنا، لم تبدل، متمسكة بثوابت الثورة و أهدافها و على رأسها إسقاط النظام المجرم وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه، فابناء الثورة وحاضنتهم الشعبية هم وحدهم أصحاب القرار و عليهم أن يعملوا لاستعادته من جديد.
قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ* هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ).

==
للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
فارس أبو إيثار

مصطفى القاصر

 

 

خرجت جموع مباركة من مختلف مناطق المحرر، لتقول للعالم أجمع "أننا لغير الله لن نركع"، ولتقول للغرب المجرم وأذنابه "أننا مستمرون في ثورتنا حتى إسقاط نظام المجرم أسد من جذوره وبدستوره العلماني وبكافة أركانه ومؤسساته ورموزه" مهما مكرتم بنا وتآمرتم علينا، ولن يضرنا من خذلنا ولا من عادانا فالله معنا ولن يضيعنا.

ونقول لأهلنا الثائرين في هذه الأرض المباركة:
بارك الله بهذه الأنفاس الطيبة، وبارك الله بالرجال الذين ما زالت الثورة متجذرة في نفوسهم بعد اثني عشر عاماً من المأساة والمعاناة، مجددةً العهد ومتحديةً الغرب والشرق، صامدةً وعازمةً على إكمال المسير حتى تحقيق غايتها العظيمة فلا أنصاف ثورات تقف في منتصف الطريق.
وبعد أن شاهدنا حقيقة المكر الذي يُحاك لنا واستعجال النظام التركي في تنفيذ الحل السياسي لإنقاذ نظام العمالة في الشام، و قد ظهر سعيه الحثيث لإعادة الناس إلى أحضان نظام الإجرام، كان لا بد لأهل الثورة من المسارعة في القيام بخطوات عملية تمنع هذه المهزلة، وتنقذ السفينة من الغرق، وتضمن السير بالاتجاه الصحيح الذي فيه نجاتنا. وذلك باستعادة القرار المُغتَصَب وقطع العلاقات مع النظام التركي، والسير بالاتجاه المُعاكِس الذي هو توحيد الجهود خلف قيادة سياسية مخلصة وفتح جبهاتٍ حقيقية لقلب الطاولة على المتآمرين، وإسقاط هذا النظام الفاجر في عقر داره لنقيم حكم الإسلام على أنقاضه وأنوف أعداء الله راغمة.

===
للمكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
مصطفى القاصر

1

 

مقالة:
مصالحات بطعم الدم

بعد مرور سنوات عديدة على ثورة الشام المباركة وتقلباتها كان النظام التركي يظهر للعامة أن قطيعة حادة بينه وبين النظام السوري، وكان يصفه بالمجرم ومرتكب المجازر، وكان يظهر بأنه يقف إلى جانب الشعب السوري، وهذا ما برز في عدد كبير من تصريحات مسؤوليه، وخاصة تصريح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، خلال لقائه بالإعلاميين العرب في 13/7/2019 حين "تركيا لم تتخل عن روح الأنصار والمهاجرين في استضافة اللاجئين السوريين".

ولكن منذ فترة برزت عدد من التصريحات للمسؤولين الأتراك تدعو إلى التفاوض مع النظام السوري، وضرورة التوصل إلى حل سياسي ينهي الاشتباك ويعود بحال سوريا إلى نقطة البدء.

واليوم نحن على أعتاب لقاء رؤساء روسيا وتركيا وسوريا، متجاهلين ومتناسين كل ما فعله هذا المجرم، ومتغافلين عن كل تصريح أو فعل كان ظاهره ضده. ولكن ما الذي تغير ليحدث هذا التغيير؟ وما هي حقيقة هذه المصالحة؟ هل هي لخدمة مصالح شخصية لحكام تلك الدول؟ أم هي مصالح إقليمية؟ أم هي تمهيد للحل السياسي الذي يوجب بداية تقارب وعلاقات مفتوحة؟ أم هي أوامر واجبة التنفيذ؟

وحتى نفهم الواقع بشكل أوضح سنتطرق لدور كل المكونات الفاعلة في الملف السوري، وما هي مصالح كل واحد منها:

روسيا: بدأ سلاح الجو الروسي بقصف الأراضي السورية بتاريخ 30 أيلول/سبتمبر 2015، وطبعا بطلب من الرئيس السوري بشار الأسد من أجل كبح القوات المعارضة له في الحرب. (بي بي سي عربي 1/10/2015)

إلا أن رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض خالد خوجة صرح آنذاك بأن الغارات قتلت مدنيين في مناطق ليست تابعة لتنظيم الدولة، كما شكك القادة الغربيون في الغارات، وبعدها أصبح على روسيا توضيح أهدافها قبل الضرب في التاريخ نفسه.

وقد صرح الرئيس الروسي أن هناك الآلاف من المنضمين للتنظيمات الإرهابية من مواطني الدول الأوروبية وروسيا ودول الاتحاد السوفياتي سابقا، مشيرا أن المرء ليس بحاجة لأن يكون خبيرا في الشؤون الأمنية، ليعلم أنه إذا انتصر هؤلاء في سوريا فسيعودون إلى بلادهم ويعودون إلى روسيا أيضا. (قناة روسيا 30/9/2015)

وبذلك تكون روسيا دخلت إلى سوريا بطلب شرعي دولياً، وأيضا فإن أمريكا على علم بذلك وموافقة مسبقة بغض النظر عن الصفقة المبرمة بين روسيا وأمريكا، حتى قبلت دولة مثل روسيا أن تأخذ دور القاتل المأجور، مع أنه قد يعرّضها ذلك إلى المساءلة القانونية دوليا، وخاصة أنها أدينت وفقا لمنظمة العفو الدولية في أواخر شباط 2016. "استهدفت الطائرات الحربية الروسية عمدا المدنيين وعمال الإنقاذ أثناء حملة القصف" (شباط/فبراير 2016 مؤرشف من الأصلي في 23/09/2022م)

وجميع منظمات حقوق الإنسان وجهت بالأدلة أن روسيا لها يد بالمجازر التي وقعت على الشعب السوري، وليس فقط قصف التنظيمات.

إذاً روسيا متورطة في المستنقع السوري، وتريد الفكاك منه بعد إتمام ما طلب منها، ناهيك عن واقعها الغارق في حربها على أوكرانيا، والتي حققت منها ما كان يهم المصالح الروسية، وهي شبه جزيرة القرم، ولوغانسك، ودونيتسك، وزاباروجيا وخيرسون. (الجزيرة 20/10/2022)

وبهذا فإن المطلب الروسي حاليا وفق مصالحهم هو الخروج العسكري من سوريا مع بقاء قوات محددة لحفظ الأمن إذا أجبرت على ذلك.

تركيا: كان موقف تركيا خلال الأزمة السورية موقفاً عدائياً ضد النظام السوري، بل قامت بتدريب المنشقين عن الجيش العربي السوري على أراضيها، تحت إشراف المخابرات التركية، وأيضا زودت تركيا المعارضة بالأسلحة والمعدات العسكرية الأخرى.

وفي 24/8/2016 بدأت القوات التركية بالتدخل العسكري المباشر والمعلن في سوريا باستهداف كلٍّ من تنظيم الدولة، والقوات المتحالفة مع الأكراد في سوريا، مع أن تركيا واجهت ادعاءات عديدة بشأن التعاون مع تنظيم الدولة، ودعمه في وسائط الإعلام الدولية بتركيزهم على السياسي التركي بيرات البيرق. ورغم هذه الانتقادات الوطنية والدولية، إلا أن تركيا رفضت مقاتلة تنظيم الدولة بشكل مباشر.

وفي نيسان/أبريل 2018 نشرت مقالة في فورين بوليسي ذكر فيها أنه في عام 2013 وحده قام نحو 30,000 مسلح باجتياز الأراضي التركية، وإنشاء ما يسمى بالطريق الجهادي السريع حيث أصبحت البلاد قناة المقاتلين، الذين يسعون للانضمام إلى تنظيم الدولة، وعلاوة على ذلك تم علاج جرحى التنظيم مجانا في المشافي التركية الحدودية.

ومما سبق يتضح لنا أن الدور التركي كان لاستيعاب المعارضة، وإدخال التنظيمات المسلحة في متاهات بعد أن سيطرت على أغلبهم بالمال والسلاح، وتحكم المخابرات في تفاصيل تحركاتهم، ما أدى إلى انصياع أغلب التنظيمات إلى التعليمات التركية بشكل مسلّم به.

وهذا أعطى تركيا أولوية تصفية هذه التنظيمات بالقتال الداخلي بينها، حتى أصبحت الآن تتكلم عن فصيل واحد أو اثنين على أحسن تقدير في إدلب، وطبعا لا ننسى أن تركيا لها مصالح في عدم تمدد الأكراد وحفاظا على حدودها خالية من أي تدخلات تمس بالداخل التركي، ومع اقتراب إنهاء الحل في سوريا نجد تركيا أوجدت ذريعة بتفجير إسطنبول في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2022 الذي أسفر عن مقتل ستة أشخاص و81 جريحاً، فقامت بالقصف الجوي على معسكرات ومخازن تنظيم قوات سوريا الديمقراطية ما أضعف جبهته بشكل كبير جدا، وهددت بالدخول العسكري إلى مناطقهم ما دفع قوات سوريا الديمقراطية إلى الارتماء في حضن النظام وتسليم مناطقهم له، وبهذا تكون تركيا ضمنت نوعا من الحفاظ على عدم تمدد قوات سوريا الديمقراطية عسكريا وعودة تلك المناطق إلى حضن النظام السوري.

ومع اقتراب موعد الانتخابات التركية في حزيران 2023 وما تمر به تركيا من وضع اقتصادي صعب نجد أن حزب العدالة والتنمية يحاول تحويل الملف السوري إلى ورقة رابحة له في الانتخابات، ولذلك تسعى تركيا للتوصل إلى تفاهمات مع النظام السوري، ما يفضي إلى عوده اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

أما أمريكا؛ المتحكم الوحيد بالملف السوري فإن الحل السياسي الذي تفرضه منذ البداية هو قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254 وهو الطرح الوحيد الموجود على طاولة الحل، ولكن هذا الحل لن يكون إلا بعد تعديل مراكز اللاعبين وتجميع القوى على الساحة السورية، فكلما اتجهنا نحو الحل السياسي فإن الواقع يفرض تغييرات أساسية منها المصالحة بين الفرقاء الدوليين (كما يزعمون). فلا يمكن إيجاد الحل السياسي قبل بعض التحركات، منها على سبيل المثال لا الحصر:

- إنهاء التنظيمات العسكرية بشكل نهائي، وهذا اليوم ممكن وبسهولة لما فعلته تركيا من تخفيض عدد التنظيمات والسيطرة على قرارهم بشكل كامل، ما يؤدي إلى سهولة كبيرة في توجه هذه الفصائل إلى الانخراط ضمن الجيش السوري الحر وإعطاء وعود بتحقيق مكاسب غير معلنة لهم، وهذا على الصعيد التركي والسوري على حد سواء.

فالنظام السوري سوف ينهي تنظيم قوات سوريا الديمقراطية، وتركيا ستنهي التنظيمات في المحرر.

- التقارب قبل الحل السياسي لأن هذا التقارب يكشف الطريق للحل وجس نبض الشارع والضغط عليه وإفهامه أن لا سند له إذا تخلى عن اللحاق بالركب التركي وأنه على أبواب مجاعة وإبادة إلا إذا التزم وسارع بالارتماء بأحضان تركيا، لضمان الأمان له.

وأيضا قد يصل الأمر إلى اقناع الحاضنة بأن رأس النظام قد يغير، وهذا قد يكون المقصد من تعنت رأس النظام، وضعف حماسه للتقارب، هو السبب بالإطاحة، ما يؤدي إلى ارتفاع أسهم النظام التركي بالنسبة للداخل، وأيضا يحصل على تنازلات كبيرة من الحاضنة والتنظيمات وما شاكلتها. وأيضا ترتفع أسهمه في الداخل التركي كقائد فذ.

- جعل المجتمع المدني يطرح حلا لما هي سوريا المستقبل بحيث يقرأ منها وضع الحاضنة وتقبلها، وعلى أساسه تتم معالجة الشوائب والعراقيل قبل بدء الحل السياسي، وما زالت ساحة الدم مفتوحة لتصفيات والضغط عليهم.

إن تمهيد الأرض لقبول الحل السياسي هي من أهم تحركات الولايات المتحدة اليوم عبر أدواتها التي لا تمانع أمريكا من تنفيذ بعض مصالحهم الإقليمية والوطنية بما لا يتعارض مع مخططها المرسوم، وبهذا فإن المصلحة الروسية في إنهاء وجودها في سوريا يدفعها نحو السير قدما نحو الحل الذي تنشره أمريكا وإن كان ذلك قد يتطلب منها بعض الأعمال العسكرية المشينة فوق ما اقترفته.

وأيضا تنفيذ المصالح التركية في إبعاد شبح الأكراد، وأيضا العمل على كسب أوراق أكثر ربحاً للانتخابات التركية، وأيضا هناك مصلحة أمريكية بإنهاء الملف السوري بعد أن تعاظم الملف العالمي، وقد تنشغل هي بكل قواها في مسائل أكبر من الملف السوري، ولذلك يجب إغلاق الثغرات وسحب السلاح، وتقنين أي إعلان للقانون السوري ضمن مرحلة انتقالية، مع الحفاظ على القبضة الأمنية التي تضمن سير الأمور في الداخل.

إننا اليوم بأمس الحاجة إلى تمسكنا بحبل الله المتين، فلا منقذ لنا سواه، وتمسكنا بثوابتنا وعدم التراجع عن أي ثابت من ثوابت الثورة. وإن كانت الأمم تكالبت علينا ومنذ اليوم الأول لثورتنا، وهم اليوم يحاربون الوقت لكسب المعركة، وهذا ما يجب علينا عدم تمكينهم منه، فإن الوقت لصالح الثورة؛ فالتقلبات الدولية القادمة شديدة عليهم، ولا قِبَلَ لهم بها من حيث الانهيار الاقتصادي، وضعف النسيج المجتمعي عندهم ما سوف يؤدي إلى اقتتال داخلي، ناهيك عن المشاكل الدولية التي قد تفضي لسبب ما إلى حرب أكبر مما نتصورها، وهذا كله سوف يؤدي إلى انشغال القوى الدولية.

فإن هذا الضغط قد يفضي إلى تراجع منهم ما قد يتيح لنا فرصة أكبر تسهم في ظهور المخلصين ونكون نحن نواة الحل لهذا العالم؛ لأن الحل يكمن في عودتنا إلى الساحة الدولية بدولة تمثلنا تحمل الخير للعالم، فتنقل العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن الظلم والقهر إلى عدل الإسلام ورحمته.

فهذا نداء للأحرار أهل القوة والمنعة وإلى الحاضنة الشعبية التي ضحت وما زالت تضحي وحفاظا على دماء الشهداء؛ نهيب بكم أن تغذوا السير مع العاملين لاستئناف الحياه الإسلامية، وعودة الخلافة الراشدة التي بشرنا بها رسولنا الكريم ﷺ «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ. ثُمَّ سَكَتَ».

===
كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
نبيل عبد الكريم

المصدر: https://tinyurl.com/mrymvt3j